كيف نبني وكيف نهدم – النفاق من إفرازات العلمانية السقيمة-
المبدأ الرأسمالي مبدأ ابتدعه البشر وإستخدموه في التحكم في الناس ، فعقيدة المبدأ الرأسمالي هي فصل الدين عن كل مناحي الحياة من دولة ومجتمع وأفراد ، ويستوعب هذا المبدأ مفهوم الحريات ،مثلاً يدعِي تشجيع سماع الرأي والرأي الأخر، تحت مسمى حرية الرأي ويجعل من المصلحة والمنفعة مقياس للأعمال ، فللإنسان تحقيق هدفه ومنفعته بأي وسيلة مهما كانت، حتى يشبع هذه الشهوات والنزوات ، فله أن يسلك كل الطرق ويتخذ كل الأساليب في سبيل تحقيقها فلا يوجد له من رادع ولا رقيب ولا حسيب ولا حدود فهذا الإنسان حر فيما يقول وحر فيما يفعل وحر فيما ينتهك ، فالدين بالنسبة لهم مجرد حفنة من المشاعر التي تنتاب الناس ويشبعونها بالصلاة أو البكاء أو الغناء، والخالق عز وجل لا مكان له في حياتهم، فيما يتعلق بالمال والشهوات وتحقيق المصالح الدنيوية، ففصل الخالق جلّ وعلا عن حياتهم وأعمالهم هي عقيدتهم ويتصرفون على هذا الأساس، والنتيجة أن هذه العلمانية أطلقت العنان للنفس الأمارة بالسوء وتسببت في إفراز مباشر لأمراض فتاكة ، والأمراض التي نقصد هي أمراض القلوب والنفوس فالعلمانية تجعل من البشر الآت تلهث وراء شهواتها بدون أي إعتبارات، وتسخرهم لتدمير ما هو غال ونفيس في الحياة والإنسان والكون، فدم الإنسان وعرضه وماله وأفكاره النقية الصحيحة وعقيدته وعقله ومشاعره وفطرته البريئة، كلها مفتوحة للانتهاكات بحجة تحقيق المنفعة وإشباع الجوعات ، فالحقيقة أن هذه العقيدة والأنظمة التي تنبثق عنها ومجموعة المفاهيم التي ترتكز عليها من الخطورة على الإنسانية بدرجة.
فلماذا إذن لا ينهب ويقتل ويرتكب الإنسان الجرائم والفواحش ويغرق في الملذات ما دام هذه هي المفاهيم التي يحمل ؟؟ فالحقيقةَ أن العلمانية أنجبت نفوس مريضة وأمراضها متعددة وكثيرة ومن أخطر أمراضها النفاق. فقد أبتلينا بسبب هذه العلمانية الرخيصة المنحطة بما يعرف بالمنافقين الجدد. فالنفاق دائما موجود ولكنه اليوم متفشي ومعلن عنه على كل المستويات في المجتمعات وبين الدول، بل متوقعا منا أن نقبله كجزء عادي من حياتنا. والنفاق هو داء عضال وآفة خطيرة تفتك بنفسية الإنسان ، فالمنافق هو من يظهر الخير خلاف لما يبطن وهو الشر. وماذا يدفع المنافق لهذا النفاق ؟ إلا إذا كانت له مصلحة فورية يحققها من وراء ذلك ،ومفهوم الحرية عنده يسهل ذلك التلاعب والتحايل على الناس وخداعهم لتحقيق مآربه، وعلمانيته تعني أنه لا رادع له ولا حسيب ولا رقيب، فبالنسبة للعلماني لا يتذكر يوم الحساب ولا يهمه إرضاء الله تعالى، فهذا خليط شيطاني ولذلك هو يتلون كالحرباء .
والنفاق نوعان ؛ النفاق الاعتقادي : وبينه الحافظ ابن رجب رحمه الله بأن: “يُظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كلَّه أو بعضه “. وهو إذن أحبتي ، أشد شراً من الكفر، وكما يقول أيضاً، رحمه الله تعالى:” وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار “.
أما النوع الثاني فهو النفاق العملي : وهو التخلق ببعض أخلاق المنافقين كالمداهنة والكذب والخيانة وكما جاء في الحديث: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خَصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر” متفق عليه. والحديث عن النفاق والمنافقين ورد في القرآن في سبع عشرة سورة مدنية من جملة ثلاثين سورة، حتى قال ابن القيم رحمه الله: (كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم)، وكشفت الآيات الكريمة الكثير من صفات المنافقين ومنها: أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وهم يخادعون المؤمنين ويستهزئون بهم، ويحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم، ويوالون الكافرين وينصرونهم على المؤمنين، ويعملون على توهين المؤمنين وتخذيلهم ، ويتركون التحاكم إلى الله ورسوله، ويطعنون في المؤمنين ويشككون في نوايا الطائعين ، ويدبرون المؤامرات ضد المسلمين أو يشاركون فيها، وهم يحسدون أهل الإيمان على ما آتاهم الله من فضله.
والمنافقون اليوم يعلنون نفاقهم ولا يسرونه وذلك يذكرنا بمقولة سيدنا حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – “المنافقون الذين فيكم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال: أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء يعلنون”. فقد اعتبر المنافقين التالين أشر من السابقين، لإعلانهم عن نفاقهم بدون استحياءٍ حتَّى ! فاليوم نجد المنافقين يتبجحون ويعلنون عن نفاقهم بجراءة و يدَعون أنهم مصلحون في الأرض وهم المفسدون ، وكيف لا والأنظمة العلمانية الفاسقة تحميهم ويقوم عليها أيضا علمانيون منافقون لا يحكمون بما أنزل الله تعالى ويوالون الكفار وينصرونهم على المؤمنين و يذيقون المسلمين كافة أنواع العذاب، فهم الظالمون ومن معهم من أدوات مثل علماء السلاطين، فمن أسوأ المنافقين العلماء الذين يضلون الأمة ويحرفونها عن دينها، فعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان”. أي يخاف الرسول صلى الله عليه وسلم على الأمة من كل منافق عليم اللسان أي عالم للعلم منطلق اللسان به، لكنه جاهل القلب والعمل فاسد العقيدة، مغرٍ للناس بتقعره في الكلام. ولا شك أن الحكم بغير ما أنزل الله تعالى والتحاكم إلى الطاغوت هو السبب الأول في تفشي النفاق فالجهل بأحكام الإسلام بسبب مناهج التعليم العلمانية في بلادنا وتقليد الغرب الكافر في المعاهد والجامعات والانبهار بهم وبثقافتهم وتعظيم أسلوب حياتهم في وسائل الإعلام وضعف التفكير عند المسلمين وتراكم الأتربة على بعض مفاهيم العقيدة الإسلامية عندهم و انتشار مفهوم الوطنية في بلاد المسلمين ، وحمايتهم لحدود وهمية غرسها الغرب الكافر لتأجيج الخلافات بينهم ، قد أوغرت قلوب المسلمين ضد بعضهم البعض وأعطت فرصة كبيرة للمنافقين لزرع البغضاء بين المؤمنين.
فيجب على المؤمن أن يبني شخصية إسلامية قوية بمحاسبة نفسه وردعها وحثها على التقوى والخوف من الله عز وجل ، وتحري هذه الصفات الخبيثة في النفس الأمارة بالسوء والتحصن ضد كل مسببات النفاق وتقويم الشخصية فوراً منها ، والحرص على من حوله من المسلمين وتحذيرهم من المنافقين وأفعالهم التي تؤدي بصاحبها إلى أن يختم الله تعالى على قلبه ، والأهم العمل على إيجاد الحكم بما أنزل الله تعالى في الأرض وتغيير النظام الرأسمالي العلماني وحكامه المنافقون وإبدالهم بحاكم مسلم هو خليفة المسلمين الذي قال عن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أنه جنة ووقاية من كل شر ، ويجب العمل على فضح العلماء المنافقين وعدم أخذ ديننا عنهم ، وكما يجب أن لا نثق في إعلامهم المنافق مثلهم والذي يروج لنفاقهم جهارا طوال الوقت ليحرفنا عن الخط المستقيم.