مفاهيم خطرة -ما يوافق الإسلام وما لا يخالفـه كـفــر يحرم أخذه ج2
الحمد لله حمد الشاكرين, والعاقبة للمـتقين, ولا عدوان إلا على الظـالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعـلى آله وصحبـه الطـيـبين الطـاهـرين, ومن اهــتـدى بـهديـه, واستن بسنــته وسار على دربـه, ودعا بـدعوتـه إلى يوم الدين, واجعلنـا معهم, واحشرنـا في زمرتـهم, بـرحمتـك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
إخوة الإيمان: كنا قد ذكرنا في الحلقة الماضية أنه بقيت مسألتان تتعلقان في المفهوم الرابع (ما يوافق الإسلام, وما لا يخالفـه كـفــر يحرم أخذه).
أما المسألة الأولى: تـتعلـــق بمعـنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “وما سكت عنه فهو عـفو”. ليس معنـاه أن الشرع لم يـبيـن حـكمه, بـل معنـاه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب الصحابة فيقول لهم: ما جاء به النـص الشرعي فخـذوه, ولا تـسألـوا عن غيره حتـى لا يحرم عـليكـم, فهو نـظير قوله عليه السلام في حديث أخر: “ذروني ما تركتــكم, فإنـما أهلك من كان قبلـكـم بكثرة السؤال واختلافهم على أنبيائهم, ما نهيتــكم عنه فانتـهوا, وما أمرتــكـم به فـائتـوا منه ما استطعتـم”.
فيكون معنى ما سكت عنه الرسول أي ما لم يحرمه, فقد رفعه الله عنكـم وعـفا عنه, فلا تــثـقـلـوا على أنفـسكـم بالسؤال والبحث عـنه فيحرم عـليكـم بسبب سؤالكـم, فتكونـون كبني إسرائيل شددوا على أنفـسهم بكثرة السؤال عن البقرة, فشدد الله عليهم, بدليل أن نـص الحديث كاملا هو ما رواه ثعلبة عن النـبي صلى الله عليه وسلم أنـه قال: “إن الله فرض فرائض فلا تـضيعوها, وحد حدودا فلا تعتدوها, ونـهى عن أشياء فلا تنتهكـوها, وسكت عن أشياء رحمة لكـم من غير نسيان فلا تبحثـوا عنها”. فالمراد النـهي عن البحث عنها, وليس المراد أن هناك أمورا لم يبين الله حكمها.
أما الاستدلال بقاعدة {الأصل في الأشياء الإباحة } فإنـها خاصة بالأشياء لا بالأفعال , فالأشياء التي في الكون مباحة لنا بعموم نصوص القـرآن من مثـل قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا }البقرة29، وقوله: {… كلوا واشربوا من رزق الله ….}البقرة60، وغير ذلك من النـصوص , فالأصل فيها الإباحة لعموم النـصوص , وإذا حرم شيء فلا بد من نـص على تحريمه؛ لأن عموم الأباحة يشمـل كل شيء, وإخراجه من هذا العموم يحتاج إلى نـص يستثنيه منه. هذا في الأشياء.
أما الأفعال فالقاعدة الشرعية تنص على أن:{الأصل في الأفعال التقيـد بالشرع} فالأصل فيها التقيد بخطاب الشارع , فإذا نـص الشارع على إباحة الفعل كان مباحا , وإذا لم ينـص على إباحته, فلا بـد من البحث عن حـكمه في الأدلـة الشرعية, فليس الأصل في الأفعال الإباحة , بل الأصل فيها التقيد بالحكم الشرعي.
وأما المسألة الثانية : فهي تتعلق بالعلوم والفـنون والصناعات والاختراعات وما شابهها, فقد يـقال: إن اختراع القـنبـلة الذرية, ورسم خطط الحرب, والرحلة إلى القمر , كــلـها أفعال لا تـخـالف الإسلام, فنأخذها لأنـها توافق الإسلام ولا تـخـالفـه, فيكون أخذ نا لها أخذا لما لا يخالف الإسلام, وأخذا لما يوافـق الإسلام.
للإجابة عن ذلك نقول: إن هناك فـرقا بين الأفكار المتعلــقة بالعقائد والأحكام الشرعية, وبين الأفكار المتعلــقة بالعـلوم والفـنون والصناعات والاختراعات وما شابهها, فالأفكار المتعلــقة بالعقائد والأحكام الشرعية, فلا يجوز أن تـؤخذ إلا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب أو سنـة أو مما أرشدا إليه من إجماع الصحابة أو القياس باجتهاد شرعي.
أما الأفكار المتعلــقة بالعلوم والفنون وما شاكلها فيجوز أخذ ها إن لم تـخالف الإسلام والدليل على ذلك ما رواه مسلم أن النـبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إنـما أنـا بشر مثـلــكم إذا أمرتــكم بشيء من أمور دينكـم فخـذوا به, وإذا أمرتكـم بشيء من أمور دنياكـم فإنـما أنـا بشر “. وما روي عن عائشة وأنـس معا أن النـبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يـلقـحون, فقال: لو لم تفعـلـوا يصلـح, قال: فخرج شيصا أي بـسرا رديئا , فمر بهم فقال: ما لنخلكـم؟ قالـوا: قــلت: كذا وكذا, قال: “أنتم أدرى بأمور دنياكـم “.
ويروي أهل السـير عن النـبي صلى الله عليه وسلم أنـه لما خرج للقاء المشركين في غزوة بدر , ونزل عند أدنى ماء بدر , قال له الحباب بن المنذر : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل, أمنزلا أنزلـكـه الله تعالى فليس لنـا أن نتقدمه أو نتأخر عنه, أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة . قال الحباب: يا رسول الله, إن هذا ليس بمنزل, فانهض بالنـاس حتى تأتي أدنى ماء من القوم , فإنـي أعرف غزارة مائه, بحيث لا ينزح, فـنـنزلـه ثـم نـغـور ما عداه من القلب, ثـم نـبنـي عليه حوضا فـنـملؤه ماء فنـشرب ولا يشربون. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي !!
فهذه النـصوص كـلها دليل على أن ما كان من غـير العقائد والأحكام الشرعية إذا لم يخالف الإسلام, أي إذا لم يأت نـص بالنـهي عنه نأخذه إذا وافق الإسلام. وإن جاء نـص بالنـهي فإنـا لا نأخذه لإن الشرع نـهى عنـه, فمثلا نـهى الشرع عن تـصوير ذي الروح من إنسان وحيوان وطير وغير ذلك رسما أو نـحتا باليد, فقال صلى الله عليه وسلم: “كــل مصور في النـار ” وقال صلى الله عليه وسلم: “الذين يصنعون هذه الصور يعذبون في النـار ” وقال صلى الله عليه وسلم: “لـعن الله المصورين”.
فهذه نصوص في النـهي عن التـصوير , فالرسم باليد وإن كان فـنـا من الفـنون , فـإنـه يخالف الإسلام لورود النـصوص في النـهي عنه فكان لذلك حراما فلا يحل لمسلم أن يرسم صورة لذي روح ولا أن ينحتها. وأما التصوير بالآلة فإنـه مباح ضمن الحدود الشرعية, لأنـه ليس تصويرا باليد من قبــل الإنسان , وإنـما هو حبس للظــل , وهذا لا يدخــل تحت النـهي المذكـور, فكان مبـاحا لأنـه فـن, وليس من العقائد أو الأحكام , وما دام لا يخالف الإسلام. وأما إن كان من العقائد والأحكام الشرعية فلا يصح أن يؤخذ إلا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله.
إخوة الإيمان : هذا هو واقع الإسلام , فما جاء به الوحي من كتاب الله وسنة رسوله هو الإسلام وهو الشرع , وما لم يأت به الوحي فليس بالشرع ولا هو من الإسلام , فكــل ما ليس له دليل من الكتاب والسنـة, ولا مما أرشد إليه الكتاب والسنـة من الأدلـة , فإنـه أفكار كــفر , وأحكام كــفر , سواء أوافقت الإسلام أم لم تـوافقـه, وخالـفـته أم لم تـخالفـه. فمن هذا الباب أدخـل علينا الكافر المستعمر أفكاره وأحكامه بحجة أنـها تـوافق الإسلام, ولا تـخالفـه, فأدخلـوا علينا فكرة الديمـقراطية, وفكرة الحريات العامة للأشخاص , وفكرة تقبــل الآخر , و فكرة احترام رأي الأغلبية, وفكرة تقارب الأديان وفكرة حوار الحضارات, وفكرة الوسطية, وفكرة الاعتدال والتطرف وفكرة الإرهاب, وأفكارا أخرى كثيرة يضيق المقام عن ذكرها.
فليحذر المسلمون من أن يدخل أحـد عليهم خديعة الأخذ بما يوافق الإسلام. وأن كــل ما لا يخـالف الإسلام أحكام كــفر , وأفكار كــفر , لا يحل أخذ ها مطلقا , ويجب أن تـنبذ نبذ النـواة , بـل يجب أن تـحارب بعـنف, وأن تــقاوم بضراوة؛ لأنـها خـديعة فظيعة لإدخال أحكام الكــفر على المسلمين, ووسيلة للتــنكـب عن طريق الهدى طريق الإسلام .
وختاما إخوة الإيمان: نسأل الله عز وجل أن يحفظ لنـا دينـنـا الذي هو عصمة أمرنـا, وأن يعلمنا ما يـنفعـنـا, وأن ينفعـنـا بـما عـلــمتـنـا, وأن يزدنـا علما نـافعا . وأن يقـر أعينـنـا بـقيام دولة الخلافـة, ويجعلــنـا من جـنـودها الأوفـياء المخلصين.