نفائس الثمرات – الغيرة
الغيرةُ غيرتان: غيرةٌ على الشيء، وغيرةٌ من الشيء، فالغيرةُ على المحبوب حرصُكَ عليه، والغيرةُ من المكروه أن يزاحمك عليه، فالغيرةُ على المحبوبِ لا تتمُّ إلا بالغيرة من المزاحم ، وهذه تُحمدُ حيث يكونُ المحبوبُ تُقْبَحُ المشاركةُ في حبه كالمخلوق .
وأما من تُحسنُ المشاركةُ في حبه سبحانه فلا يُتَصَوَّرُ غيرةُ المزاحمةِ عليه بل هو حسد، والغيرةُ المحمودةُ في حقه أن يغارَ المحبُّ على محبته له أن يصرفَها إلى غيره، أو يغارَ عليها أن يطلع عليها الغيرُ فيفسدها عليه، أو يغارَ على أعماله أن يكونَ فيها شيءٌ لغير محبوبه، أو يغارَ عليها أن يشوبها ما يكرهُ محبوبُهُ من رياء أو إعجاب أو محبة لإشراف غيره عليها أو غيبتهِ عن شهود منته عليه فيها.
وبالجملة: فغيرته تقتضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها لله، وكذلك يغارُ على أوقاته أن يذهب منها وقتٌ في غير رضا محبوبه، فهذه الغيرةُ من جهة العبد، وهي غيرة من المزاحم له المعوقُ القاطعُ له عن مرضاة محبوبه. وأما غيرةُ محبوبه عليه فهي كراهيةُ أن ينصرف قلبُهُ عن محبته إلى محبة غيره بحيث يشاركُهُ في حبه، ولهذا كانت غيرةُ الله أن يأتي العبدُ ما حرم عليه، ولأجل غيرته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر وما بطن؛ لأن الخلق عبيدُهُ وإماؤه فهو يغار على إمائه كما يغار السيد على جواريه- ولله المثل الأعلى- ويغار على عبيده أن تكون محبتُهم لغيره بحيث تحملهم تلك المحبةُ على عشق الصور ونيل الفاحشة منها.
كتاب الفوائد لابن القيم
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَىْ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ