قانتات صغيرات – الإدريسي
هذا العالم هو أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الرحمن بن إدريس الشريفي أو الشريف الإدريسي ، ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي وفاطمة الزهراء بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا جاء لقبه بالشريف لنسبه لرسول الله.
يعتبر الإدريسي أحد كبار الجغرافيين في التاريخ ومؤسسي علم الجغرافيا، كما أنه كتب في التاريخ، والأدب، والشعر، والنبات ودرس الفلسفة، والطب، والنجوم، في قرطبة ، ولد في مدينة سبتة في المغرب عام 493 هـ ، تعلم في البيلق وطاف البلاد فزار الحجاز ومصر. وصل سواحل فرنسا وإنجلترا. سافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى. عاش فترة في صقلية ونزل فيها ضيفا على ملكها روجر الثاني، تركها في أواخر أيامه، ليعود إلى بلدته سبتة حيث توفي عام 559هـ .
امتاز الإدريسي بالدقة في حساب الطول والعرض للبلدان المختلفة، واستخدم ما أطلق عليه اسم (لوح الترسيم) وهو مشروع خريطة العالم التي رسمها فيما بعد، وعندما أراد أن يخلد تلك الخريطة حتى لا تتلف، أمر له الملك روجر بأن يوضع تحت تصرفه دائرة من الفضة .
كما ألف كذلك كتاب (صفة بلاد المغرب) وفيه خريطة العالم المعمور من الأرض، وتشتمل العالم القديم وهي قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وقد ذكر فيها سبعة أقاليم، فجعل الإقليم الأول منها يمتد من خط عرض صفر إلى 23 درجة شمالاً، وتلت ذلك الأقاليم الباقية بحيث يمتد الإقليم السابع من 54 درجة إلى 63 درجة، وما بعد هذه الدرجة الأخيرة منطقة غير مسكونة، وذلك لكثرة البرودة ووفرة الثلوج.
وقد حدد أيضاً مصدر نهر النيل، ففي موقع معين وضع نقطة تقاطع نهر النيل تحت خط الاستواء، وهذا هو موقعه الصحيح ، حيث أنه قبل دخول مصر تلتقي روافد نهر النيل في الخرطوم ، يتشكَّل نهر النيل من نهرين هما النيل الأبيض والنيل الأزرق، يجري هذان النهران عبر أراضي السودان ثم يلتقيان في الخرطوم التي تقع تحت خط الاستواء ، وهذا التحديد يلغي نظرية بطليموس أن مصدر نهر النيل هو تلة في القمر.
وبالعودة للحديث عن كتابه المشهور (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) ، والمسمى أيضاً (كتاب رجار) أو (الكتاب الرجاري) وذلك لأن الملك رجار ملك صقلية هو الذي طلب منه تأليفه ، وفي السنة التي وضع فيها الإدريسي كتابه المعروف، توفي الملك رجار فخلفه غليام أو غليوم الأول، وظل الإدريسي على مركزه في البلاط، فألف للملك كتاباً آخر في الجغرافيا سمّاه (روض الأنس ونزهة النفس) أو (كتاب الممالك والمسالك)، لم يعرف منه إلا مختصر مخطوط موجود في مكتبة حكيم أوغلو علي باشا باسطنبول. وذكر للإدريسي كذلك كتاب في المفردات سماه (الجامع لصفات أشتات النبات)، كما ذكر له كتاب آخر بعنوان (أنس المهج وروض الفرج).
أما أبرز الألقاب التي اشتهر بها الإدريسي فكانت ، لقب بالشريف لنسبه برسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، كما أطلق عليه لقب الصقلي لأنه اتخذ جزيرة صقلية مكاناً له بعد سقوط الدولة الإسلامية.
وقد اشتهرت أعمال الإدريسيّ عالمياً حيث وصفت زيغريد هونكه بكتابها “شمس العرب تشرق على الغرب” هذا الكتاب فتقول: يحوي كتاب الإدريسي وصفاً كاملاً للمدن والبلاد موضحاً طبيعتها وثقافتها والنشاط البشري فيها، ذاكراً بحارها وجبالها وأنهارها وسهولها وأوديتها، كما يتحدث عن الفواكه والحبوب والنباتات التي تنمو في تلك البلدان، وكذلك الفنون والصناعات التي يتقنها أبناء كل إقليم، ويتكلم عن الصادرات والواردات والحالة المعيشية للشعوب والعادات والتقاليد والملابس واللغات المنتشرة بينهم.
وإلى جانب الجغرافيا كان الإدريسي مهتماً أيضاً بالطب والمنهج الطبي. فقد وضع جهوده العلمية في هذا المجال في كتاب أسماه “كتاب الأدوية المفردة” الذي وصف فيه الأدوية وخواصها مستخدماً اثني عشرة لغة.