من روائع الاستعارة في القرآن الكريم
قال تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94)
استعير في الآية الكريمة :” الصدع ” وهو كسر الزجاج للتبليغ بجامع التأثير في كل منهما أما في التبليغ فلأن المبلغ قد أثر في الأمور المبلغة ببيانها بحيث لا تعود إلى حالتها الأولى من الخفاء، وأما في الكسر فلأن فيه تأثيرا لا يعود المكسور معه إلى التئامِهِ .
ثم اشتق من الصدع معنى التبليغ اصدع بمعنى بلغ، استعارة رائعة وجميلة إنها تبرز لك ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في صورة مادة يشق بها ويصدع . إنها تبرز لك المعنى المعقول في صورة حسية متحركة كأنك تراها بعينك وتلمسها بيدك . تأمل اللفظة المستعارة ” اصدع ” إنها بصورتها وجرسها وإيحائها قد استقلت برسم هذه الصورة الفردية المؤثرة إذ أن من يقرأها يخيل إليها أنه يسمع حركة هذه المادة المصدوعة تخيل لو استبدلت كلمة ” اصدع ” بكلمة ” بلغ” ألا تحس أن عنصر التأثير قد تضاءل وأن الصورة الحية المتحركة قد اختفت وأن المعنى قد أصبح شاحباً باهتاً؟
إن اللفظة المستعارة هي التي رسمت هذه الصورة في إطار نظم الآية المعجزة .
عن ابن السكيت قال: الصَدْع: الفَصْل. وأنشد لجرير:
هو الخليفة فارضوا ما قضاه لكم
بالحقّ يصدع ما في قوله جَنَفُ
و يصدع: يفصل ويُنفذ: وقال ذو الرُمَّة:
فأصبحت أرمى كلَّ شبح وحـائل
كأني مُسَوًّ قسمةَ الأرض صادع
وقال ابن عرفة: فاصدع بما تؤمر أي فرّق بين الحق والباطل، من قوله جل وعزّ: (يومئذ يصّدعون) أي يتفرقون.
قال الفراء: فاصدع بالأمر: أي أظهر دينك فما مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر،
قال المفسرون: أي اجهر بالأمر: أي بأمرك بعد إظهار الدعوة، وما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت هذه الآية. ثم أمره سبحانه بعد أمره بالصدع بالإعراض وعدم الالتفات إلى المشركين، فقال: “وأعرض عن المشركين” أي لا تبال بهم ولا تلتفت إليهم إذا لاموك على إظهار الدعوة.
ثم أكد هذا الأمر وثبت قلب رسوله بقوله: 95- “إنا كفيناك المستهزئين” مع كونهم كانوا من أكابر الكفار، وأهل الشوكة فيهم فإذا كفاه الله أمرهم بقمعهم وتدميرهم كفاه أمر من هو دونهم بالأولى
إعداد – نبيه الجزائري