الشباب ماهيتهم ودورهم
هي المرحلة التي ينمو فيها الفتى او الفتاة ليصبح مكتمل الجسم والعقل ,حيث ينمو جسمه فتقوى عظامه وتشتد عضلاته وتكتمل القوة العقلية لديه ,ويمتلئ بالطاقة والحيوية .
وتتميز مرحلة الشباب بالاندفاع والتحدي والجرأة والثقة ,والسبب يعود الى احساس الشاب بالقوة البدنية الكبيرة والمفاجئة التي تعتريه وبالطاقة الهائلة التي تجتاحه فتشعره بان لا شيء يمكن ان يقف امامه او يحد من اندفاعه ,وانه قادر على تحقيق كل ما يريد .
ولعل هاتين الميزتين هما سبب تسمية هذه المرحلة من عمر الانسان بمرحلة الشباب .
اذ الشباب في اللغة جمع شاب وذلك هو النماء والزيادة بقوة الجسم وحرارته
وهي مشتقة من الاصل شَبَّ الذي يدل على نماء الشيء وقوته في حرارة تعتريه .
ومن ذلك شَبَبْتُ النار اَشُبُّها شَبَّا وشُبُوبَا وهو مصدر شبَّ
وكذلك شببتُ الحربَ اذا اوقدتُها
فالاصل هو شَبَّ ثم اشْتُقَّ منه الشباب الذي هو خلاف المشيب
حيث يقال :شبَّ الغلامُ شبيبا وشبابا
فتسمية هذه المرحلة من عمر الانسان بهذا الاسم ناتج عن ما يتمتع به الشباب من قوة جسمية وطاقة متوقدة دافعة للحياة والحركة والطموح……
فلا عجب والحال كذلك ان نرى من تجمع حول الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته هم الشباب فهم الذين يتوقع منهم النظر والبحث والتفكير في هذه الحياة ليستطيع ان يعيشها بكل ما فيها من متع وبكل ما لديه من طاقات.فهو لم تتركز فيه مفاهيم الجاهلية بعد بحيث يصعب عليه اقتلاعها ,وهو في ذات الوقت يشعر بطاقة تدفعه للبحث عن اجابات عن الحياة التي يحياها والكون الذي يعيش فيه والانسان الذي ينتمي اليه ,فلما جاءته الاجابات الوافية المقنعة للعقل والموافقة للفطرة تلقفها وانهمك يتفهمها وينضبط بضوابطها ولم يستغرق وقتا طويلا حتى اصبح صاحبُ دعوة وحاملٌ لها .
وان دور الشباب في حمل الدعوة الاسلامية مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعرفه كل من اطلع على سيرته عليه الصلاة والسلام سواء في مرحلة ما قبل الهجرة او ما بعد الهجرة وبناء الدولة الاسلامية .
فمن ذا الذي قرأ السيرة النبوية ولم تنطبع في ذاكرته قصة مصعب الخير وعلى بن ابي طالب والموقف الشامخ الذي وقفه جعفر بن ابي طالب امام النجاشي,اما بعد الهجرة فلا احد ينسى القائد المقدام ابن السابعة عشر اسامة بن زيد ,ولا حبر الامة عبد الله بن عباس ,او عبد الله بن الزبير وغيرهم الكثير لو تركت المجال لقلمي لما توقف لكن المقام لا يتسع .
فالشباب الذي يعني الحيوية والقوة والاقدام كما يعني الصفاء والنقاء يجب ان يكون هو الهدف لحملة الدعوة لتستمر روافدها من الكوادر المقدامة المعطاءة تتدفق وينتشر ويتوسع نشاطها وحركتها لتصل الى الامة في كل ميادينها وتحافظ على تواصلها وعلاقتها معها قوية متبنة .
وهنا يجدر بي ان الفت الانتباه الى مسألة هامة بل هي الدافع لي لكتابة هذا الموضوع
انها محاولة الاجابة عن سؤال لعله عرض لبعضكم كما عرض لي هذا السؤال وهو: لم سمى الجزب افراده ب الشباب رغم ان منهم الشباب والكهول والشيب الا انه يطلق عليهم جميعا اسم الشباب
اترى لان الاعم الاغلب منهم هم من صغار السن ؟
ربما لكنني ارى السبب اعمق من ذلك
وعندما تبحث في ميزات افراد الحزب او الميزات التي يتطلبها الحزب في افراده نجد انها هي هي الميزات التي يتمتع بها الشباب طبيعيا
الطاقة القوة الجرأة الاقدام
فتسمية افراد الحزب بالشباب تبين المسؤوليةَ الهائلةَ المطلوبةَ منهم
فهي وصف يجب ان يتصفوا به حتى يكونوا حقا من الحزب
والحزب يبذل جهده ليجعل من افراده شبابا دائمي الحيوية والنشاط
فهو ما ان يضم احدا للدراسة في صفوفه حتى يبدأ بتركيز العقيدة لديه حتى تصبح عنده الطاقة المتوقدة الدائمة فتدفعه الى الاقبال على الثقافة الحزبية والاسلامية ليتم بناء نَفْسِهِ عقليةً ونفسيةً ليصبح شخصية اسلامية قادرة على حمل الاسلام واخذ مكانها بين شباب الحزب تعمل معهم دون كلل او ملل للوصول الى الغاية التي ينشدون والتي عينها لهم رب العزة جل وعلى حين قال {ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واؤلئك هم المفلحون}.
نعم هذا هو سر تسمية الحزب لشبابه بالشباب لانه يريد منهم ان يكونوا دائمي الشباب طاقة وحيوية واندفاعا ولقد كان للثقافة الحزبية الاسلامية الاثر العظيم لتحقيق هذا الهدف:
فها هو الشيخ المؤسس تقي الدين النبهاني رحمه الله يستمر في حمله للدعوة حتى اخر ايامه دون ان تفتر له عزيمه او يعتريه يأس او كلل او ملل رغم ما لاقاه في طريقه من مصاعب واهوال ,ثم ما كان من خليفته الشيخ عبد القديم الذي استمر في حمله للامانة رغم مرضه الشديد ولم يترك مسوؤلياته الا عندما افقده المرض القدرة على توليها
والامثلة بين الشباب كثيرة وملموسة فهي لم تقتصر على القادة فالرعيل الاول من شباب الجزب ومن تبعهم حافظواعلى صفة الشباب فيهم ولم يزدهم تقدم العمر الا شبابا مطعما بالخبرة والتجربة التي تزيد العطاء وتعزز النجاح في السعي ولننظر الى الشيخ فتحي سليم رحمه الله فقد بقي شعلة من النشاط يتحدى الشيخوخة فيجري اللقاءات ويلقي المحاضرات ويكتب حتى اواخر ايامه .
واما الاخ علي عبد العال الذي قضى حياته في حمل الدعوة ومكابدة اعبائها حتى في اشد حالات المرض لديه فساكتفي بذكر بعض كلماته لنعرف مدى القوة والحيوية التى كان يتمتع بها وهو الشيخ الكبير في السن المريض الجسم ولكنه العالي الهمة فبدل ان يشتكي الالم والمرض كان يقول “يا هم ان لي ربا كبيرا ” ولم يكن يقول “يا رب ان لي هم كبير “
وكان يقول ايضا “اللهم اني لا اشكو اليك ثقل الحمل بل اسألك ظهرا قادرا على الحمل”
واخيرا قوله لمن كان يأتي لعيادته في مرضه “لا عليكم ايها الاحباب فانا بخير وما يحزنني فقط ان هذا الداء يعيقني عن اداء رسالة السماء ونشر الحق والنور بين الناس “
الا ترون في هذين الهرمين واخوة لهما من حملة الدعوة الافذاذ الا ترون فيهم عمار بن ياسر يصول ويجول في مقاتلة الخارجين على الخليفة ليصوب اوضاع الامة والمجتمع ويحافظ على الاسلام سليما قويا مهيب الجانب .
غير ان عمارا كان يقاتل بسيفه لانه كان يقاتل وراء خليفة اما هؤلاء فيقاتلون بكلمتهم لانهم يعملون لاعادة الخليفة .
وهنا لا بد من التذكير على ان الشباب لا يقتصر على الرجال فنساء الحزب لا يَقِلُّنَ شبابا عن رجاله
فقوتهن وارادتهن لا تقف عند حد
ولنتذكر تلك الاخت الكريمة من اندونيسيا التي كانت تريد المشاركة في فعاليات الحزب سنة 2007 ولما كانت قلة المال هي مما ابتليت به تلك الاخت سافرت للمؤتمر بين ركوب وسير على الاقدام حتى تتمكن من تكثير السواد والمشاركة في الخير ونيل الثواب ,فكان ان فاضت روحها الى بارئها اثناء الرحلة ولم تتمكن من الوصول لكن ثوابها باذن الله قد وصلها فالله تعالى لا يضيع عنده عمل عامل من ذكر او انثى
واختنا في الله “عصمت السيد “من حملة الدعوة في لبنان يعتقل زوجها فلم يضعف ذلك من عزيمتها وتصاب بمرض عضال فلا يؤخرها ذلك عن حمل الدعوة ومواصلة العطاء كما كانت وهي في كامل عافيتها مستغلة كل ما لديها من ايجابيات لتعينها على الاستمرار في هذا العمل العظيم فلم تترفع عن الاستعانة بالاهل من والدين واخوة واعمام واحماء ,واستمر عطاؤها حتى وافاها الاجل وهي على ذلك .ومما أُُثِرَ عنها في ايامها الاخيرة انها كانت تكثر من حمد الله ولا تشتكي مصابها .
وعندما كان والدها يشجعها للتجاوب مع تعليمات الطبيب ويريد ان يوجد لديها الرغبة في الحياة فيذكرها باولادها وحاجتهم اليها كانت تقول له “انا اريد ان اعيش من اجل الدعوة يا والدي ” فشدة الابتلاء لم تضعف عزيمتها ولم تنسها رسالتها .
وامثال اختنا عصمت كثيرات ممن ابتلين بالمرض في انفسهن او ابنائهن او ازواجهن ولكنهن وجدن الوسيلة التي تمكنهن من مواصلة حمل الدعوة في تلك الظروف البالغة الشدة والقسوة .فمنهن من لجأت للكتابة ,ومنهن من استغلت الانترنت وخاصة غرفة النساء في قاعة البث الحي وربما هناك من استغلت وسائل اخرى لكنني ذكرت تجارب من اعرفهن خير المعرفة .
اما من ابتلي بالسجن او القتل من شباب الحزب فقد ضرب اروع الامثلة في الثبات والقوة والصبر فقد علقوا على المشانق وقضوا تحت التعذيب دون ان ينال منهم الظلمةُ بل لقد حيروا الظلمة وجعلوهم يكلمون انفسهم لما رأوا من قوة احتمالهم وثباتهم اما الباقين الذين لا زالوا في اقبية الجلادين فلا زالوا يسطرون كل يوم قصة اروع من سابقاتها في الثبات القوة لا فرق بين الشباب والشابات فلله درهم وانعم بهم من حملةٍ لاعظم دعوة ,ومن ورثة لاعظم رسالة .
هؤلاء هم شباب حزب التحرير ولهذا سماهم الحزب شبابا فهي صفة فيهم ولكنها ليست طبيعية كما هي حال الشباب التي هي مرحلة من مراحل حياة الانسان بل هي صفة مكتسبة تصطنع اصطناعا وتحتاج الى بذل الجهد الكبير والى المتابعة والمراقبة للذات حتى نصل اليها ونحافظ عليها في كل مراحل حياتنا وتحت كل الظروف التي تعترينا صحية او اسرية او اجتماعية او مجتمعية
فهذا الاسم لشباب الحزب فوق انه اسم على مسمى الا انه مسؤولية كبرى تقع على كل فرد من افراد الحزب مهما كان موقعه في الحزب اوموقعه في المجتمع.