خبر وتعليق أزمة الكهرباء المفتعلة تحول حياة الناس إلى بؤس وتجبرهم على النزول إلى الشوارع
لقد كانت الأسابيع القليلة الماضية مأساوية بالنسبة للناس في باكستان، فقد تم تمديد ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى حد لا يُحتمل، فقد تم قطع التيار الكهربائي في المدن ما بين 12 إلى 14 ساعة يومياً، وما بين 18 إلى 20 ساعة في الأرياف.
وادّعت الحكومة بأنّ سبب انقطاع التيار الكهربائي هو الطلب المتزايد عليه، والنقص في إنتاج الطاقة الكهربائية لنقص منسوب المياه في الأنهار وشح الأمطار. وقد تضرر الاقتصاد الباكستاني برمته بسبب هذه الأزمة، فأغلقت المصانع أبوابها وتعطلت القطارات، وتضرر التجار والباعة بشكل كبير، كما أنّ طلاب الثانوية والكليات لا يستطيعون الدراسة للاستعداد لامتحاناتهم من دون وجود كهرباء.
لقد ساء الوضع إلى درجة أنّه لا يوجد مدينة في البلاد خلت من مسيرات للاحتجاج على هذه الأزمة، ولكن كان رد الحكومة عليها هو استخدام العنف الشديد ضد المشاركين بتلك المسيرات لمحاولة قهرهم وإخضاعهم لها، مما زاد من عنف المتظاهرين وأخرجهم عن الطور المعقول، وغرقت وسائل الإعلام في الحديث عن تلك المسيرات، ولم تتحدث أي منها عمّا تقوم به أمريكا من عمليات عسكرية في منطقة اوراكزاي، أو الحديث عن قتل 61 بريئاً على أيدي مقاتلاتنا الجوية في منطقة خيبر، بل ولم يشعر أحد بالعمليات الجوية الأمريكية التي نفذتها الطائرات من دون طيار والتي استمرت لثلاثة أيام متتالية تقتل فيها الناس، ولم يسأل أحد عمن يقف وراء قتل أكثر من عشرين من المسلمين من جراء العملية التفجيرية التي استهدفت مسيرة سلمية للاحتجاج على انقطاع التيار الكهربائي في بيشاور!!
لا عجب إذاً من افتعال الحكومة لأزمة الكهرباء، واستغلالها من قبل أمريكا وعملائها كغطاء لحرب أمريكا على ما تسميه “بالإرهاب”، فقد استخدموها على مدار العامين الماضيين، وكان أسلوباً ناجعاً، بعد أن حولوا تركيزهم عن العراق إلى أفغانستان وباكستان، ولكن يبدو أنّ الحيلة لم تعد تنطلي على الناس، وبدأوا يدركون أبعاد الأزمة المصطنعة.
لقد بدأت الحكومة بزيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي في شهر آذار بينما كان الطقس معتدلاً ولم تكن هناك حاجة لاستخدام المكيفات! إلا أنّ ذلك الانقطاع تزامن مع بدء عمليات اوراكزاي وبعد سلسلة من العمليات التفجيرية في البلاد. وقد ادعت الحكومة بأنّ الطلب على التيار الكهربائي في آذار وصل إلى 14,210 ميغاوت، وكان الطلب عليه في نفس الشهر من العام الماضي 12,030 ميغاوت، أي بزيادة 2,170 ميغاوت، إلا أنّ هذه الإحصائيات الحكومية مخزية، وخصوصا إذا ما أخذ بعين الاعتبار إغلاق المئات من المصانع أبوابها خلال العام المنصرم بسبب الأزمة الكهربائية.
ولجعل الأزمة الكهربائية تتفاقم عمدت الحكومة إلى تخفيض إنتاج الطاقة الكهربائية بمقدار 1,259 ميغاوت بالمقارنة مع العام الماضي. أي أنّ الفارق ما بين الطلب على الطاقة الكهربائية وحجم الإنتاج ازداد ليصل إلى 5,060 ميغاوت وهو ما يعادل 35.61% . ولو افترضنا أنّ هذه الأرقام المبالغ فيها صحيحة فإنّه لا تزال ساعات انقطاع الكهرباء طويلة جدا. فالجميع يعلم أن قصور الإنتاج بنسبة 50 ٪ يعني انقطاعاً في التيار الكهربائي بنسبة 50 ٪ كذلك، أي 12 ساعة في اليوم الواحد. ولكن لا يوجد بين “عباقرة” الحكومة من يشرح لنا كيف يتم قطع التيار الكهربائي ما بين 14 إلى 20 ساعة بسبب عجز في الإنتاج لا يتجاوز 35 ٪ فقط!. ناهيك عن أنّ هذا العجز أي الـ ٪ 35 هو فقط خلال ساعات الذروة ما بين الساعة 6 مساء إلى 11 مساء (5 ساعات في المجموع). ويقل العجز ليصل 23 % خلال ساعات ما بين 11 مساء و 6 من مساء اليوم التالي والتي تصل إلى 19 ساعة. ومن ثم فإنّه حتى بعد التسليم بالأرقام الصادرة رسمياً عن الحكومة فإنّ الحد الأقصى للتخفيف من أعباء استهلاك الكهرباء يجب أن لا يتعدى الـ 8 ساعات، مما يعني أنّ هذه الأزمة الكهربائية هي أزمة وهمية مقصودة.
وتزداد المؤامرة وضوحا إذا ما تتبعنا سجلات هذه الحكومة خلال السنين الثلاثة الماضية، ليتضح أنّه كلما أرادت الحكومة تزويد النّاس بالكهرباء لغاية في نفسها فإنّ الأزمة تختفي “بحركة سحرية”؛ فعلى سبيل المثال، عندما وصلت باكستان إلى الدورة النهائية للعبة الكريكت فقد أصبحت الكهرباء متوفرة لجميع المدن الباكستانية مرة واحدة. وعندما أرادت الحكومة من الناس مشاهدة الفتاة في سوات وهي تُجلد من قبل طالبان استمر التيار الكهربائي ثلاثة أيام متواصلة دون انقطاع. وكذلك الأمر خلال شهر رمضان والعيدين.!!
بعد مرور أسبوعين من المظاهرات العنيفة قررت الحكومة إعادة تقييم سياستها، فقد أعلنت عن انعقاد مؤتمر للطاقة على مدار ثلاثة أيام مع رؤساء وزراء الأقاليم الأربعة. ومن المرجح جداً أن تعمل الحكومة على نزع فتيل غضب الناس بالتقليل من ساعات قطع التيار الكهربائي، خصوصاً وأنّ الجيش يكون قد أنجز تقريباً عملياته في منطقة اوراكزاي. فالجيش يحتاج إلى استراحة قبل البدء بعملية شمال وزيرستان، وكذلك النّاس.
كتبه للإذاعة نفيذ بوت
الناطق الرسمي لحزب التحرير في باكستان