تجارة الأسهم تجارة سحت ومصائد مغفلين- ج4-
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم التنزيل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما} 105 النساء، والقائل :{و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} 89 النحل.
و أصلي وأسلم على خير البشر سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله القائل: (لتتبعن سنن من قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب دخلتموه خلفهم، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ ).
وبعد.
فلقد آلت حال المسلمين اليوم إلى ما تراه كل عين باصرة من بعد عن الإسلام، وعن أحكام الإسلام، حيث غيبت أحكام الشرع الحنيف عن الحياة، وسادت أفكار ومفاهيم وأنظمة الرأسمالية، كل جوانب حياة المسلمين، إلا بعض الزوايا الضيقة، والتي يجري حصر الإسلام وحصاره فيها.
و كان لإحكام الإسلام وأفكاره المتعلقة بالاقتصاد نصيب وافر وجهد غير قليل من التعتيم والتجهيل والإبعاد عن واقع حياة المسلمين، حتى ظن الكثير منهم أن الإسلام خلو من نظام الاقتصاد وأحكام الاقتصاد، رغم علمهم بكمال الإسلام وشموله جميع جوانب الحياة.
ورغم ظهور عوار الرأسمالية، وأزماتها المتعاقبة، ما زال المسلمون بعامة، والعلماء منهم بخاصة، لم يبذلوا الجهود المطلوبة، لتمييز أحكام الإسلام، وبيان عظمتها، والصدع بأنها هي وحدها القادرة على حل مشاكل البشرية الاقتصادية وغيرالاقتصادية وإسعاد الناس، وتحقيق كفايتهم، ودرء غوائل الجوع والفاقة عن مئات الملايين من الناس، الذين تتزايد أعدادهم باضطراد، رغم الكم الهائل من المال والثروة عند قلة قليلة منهم، لا يحسب بالملايين ولا بمئات الملايين، بل بالمليارات وعشرات المليارات.
وفي هذه الكلمة، سأبين بالإيجاز المستطاع جانبا واحدا من جوانب فساد الرأسمالية، ومخالفتها للأحكام الشرعية، ألا وهو بطلان عقد الشركات المساهمة، وحرمة تأسيسها وحرمة المساهمة فيها، وحرمة تجارة الأسهم، وهي كما وصفتها في عنوان الكلمة تجارة سحت، وما جرته هذه التجارة من ويلات وأضرار على البشرية بعامة وعلى المسلمين بخاصة، كانت أضرارها أشد فداحة على صغار المستثمرين والكسبة، من موظفين وعمال ومزارعين، وأصحاب حوانيت، حيث فقدوا جل ما ادخروه من كسبهم وكدهم، مما دفع الكثير منهم إلى محاولة الانتحار ومراجعة المصحات النفسية للعلاج من الصدمة الناجمة عن الخسائر التي تكبدوها.
وسأذكر كذلك أقوال عدد من العلماء المشهورين ممن أفتى بجواز تجارة الأسهم وجواز تأسيس الشركات المساهمة، والأدلة التي استدلوا بها، وأرد عليها، قاصدا بيان حكم الله في هذه التجارة الحرام، سائلا ربنا جل في علاه، أن يرشدنا إلى الحق، وأن يرزقنا إتباعه والعمل بما يرضيه.
وقبل بيان بطلان عقد تأسيس الشركة المساهمة، وبطلان عقود بيع وشراء أسهمها، ينبغي أن نبين أو نعرف العقد الصحيح شرعا. وقد عرف الفقهاء العقد الصحيح المعتبر شرعا بأنه “ما كان مشروعا بأصله ووصفه معا، بحيث يكون مستجمعا لأركانه وأوصافه، فيترتب عليه أثره المقصود منه، كبيع العاقل البالغ، المال المتقوم الموجود، القابل للتسليم، بإيجاب وقبول معتبرين شرعا، فإنه يترتب عليه أثره من نقل ملكية المبيع المشتري، ونقل ملكية الثمن للبائع”. الموسوعة الفقهية الكويتية مجلد 30 ص 235.
وعند مقارنة عقد الشركة المساهمة بالعقد الصحيح حسب التعريف السابق، نجد فيه الفوارق والاختلافات الآتية:
1) الشركة المساهمة ضرب من ضروب التصرف بالإرادة المنفردة، حيث يخلو هذا التصرف من الإيجاب، فالشركاء جميعا قد صدر منهم قبول فقط ولم يصدر إيجاب من أي منهم، ذلك أن الشركة المساهمة إنما تؤسس بالطريقة التالية:
يتفق عدد من الأشخاص على تأسيس شركة مساهمة، ثم يقومون بكتابة نظامها الأساسي المتضمن للشروط التي ستسير عليها الشركة كبيان اسمها، ومقرها، ورأس مالها، والنشاط الاقتصادي الذي ستمارسه، وسائر المتطلبات التي تقتضيها القوانين النافذة في الدولة محل التأسيس.
يشتري كل من المؤسسين عددا من أسهم الشركة، ثم يطرح باقي الأسهم للاكتتاب العام-أي للجمهور- وكل من اشترى سهما أو أكثر من أسهم الشركة يصبح شريكا، رضي به سائر الشركاء أم لا، فعقد الشركة المساهمة عقد بين أموال ولا وجود للعنصر الشخصي فيها مطلقا، فالأموال هي التي اشتركت لا أصحابها، وهذه الأموال قد اشتركت مع بعضها دون وجود أي شخص، ولذلك لا صلاحية لأي شريك، مهما بلغت أسهمه بأن يتولى أعمال الشركة بوصفه شريكا فيها ولا أن يعمل في الشركة بوصفه هذا، أو أن يسير شيئا من أعمالها، كما لا يحق له الإطلاع على دفاترها ليتحقق من حسن إدارتها، أو من ملائمة العقود والصفقات التي تبرمها الشركة.
ولا ترفع الدعاوى من الشريك-المساهم- أو عليه، فلا يحق له أن يطالب بما للشركة من ديون، ولا يحق للغير أن يطالبه بما على الشركة من ديون، كما لا يحق للغير أن يطالب مدير الشركة بما على الشركة من ديون بصفته الشخصية، فالشركة ذمة مستقلة، ولكنها ليست بدنا، أي ليست إنسانا مخاطبا بالشرع، فالشرع يخاطب المكلفين، والحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين فإن أفلست ضاعت حقوق الدائنين، أما في الشركة الشرعية، فإن الشركاء تبقى ذمتهم مشغولة حتى الوفاء بالدين.
كذلك عند التصويت من الجمعية العمومية للشركة لانتخاب أعضاء مجلس الإدارة- أو المدير المنتدبـ،- فإنه يكون لكل شريك في الشركة المساهمة عدد من الأصوات مساو لعدد أسهمه في الشركة، فمن كان له مائة سهم يكون له مائة صوت، ومن كان له ألف سهم، يكون له ألف صوت، فالعبرة هنا بالمال لا بالأشخاص، وهذا بدوره يؤدي إلى تحكم أصحاب رؤوس الأموال في إدارة الشركة وتسيير أعمالها دون اعتبارلموافقة بقية الشركاء أو اعتراضهم.
كما يظهر أثر انعدام الإيجاب جليا، في أن المؤسسين والمساهمين، لا يستطيع احدهم أن يعود على غيره من الشركاء بأية التزامات ناشئة عن عقد الشركة. ولا يقال هنا أن الشركاء قد صدر منهم إيجاب وقبول بعضهم تجاه البعض الآخر، لا يقال ذلك، لأن التزامهم تجاه بعضهم البعض ناشئ عن اتفاقهم على تأسيس الشركة، وليس ناشئا عن عقد الشركة ذاته، فإن حصل بينهم نزاع ما لمخالفة وقعت من أحدهم، فإن المرجع لبيان وقوع المخالفة من عدمها، وتحديد الضرر الناجم عنها، إنما هو الاتفاق الابتدائي الذي وقعوه على تأسيس الشركة، لا عن عقد الشركة ذاته، لأن عقد الشركة لم يقع أصلا.
2) تعرف الملكية في الإسلام، بأنها حكم شرعي، مقدر بالعين أو المنفعة، يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه.
وواقع الشركة المساهمة، يخالف هذا التعريف الشرعي مخالفة واضحة، حيث تغل يد الشريك عن ماله. فالجمعية العمومية للشركة عندما تجتمع لاختيار مجلس الإدارة فإن من يمتلكون واحدا وخمسين في المائة من أسهمها هم الذين يقررون، فلو امتلك شخص أو بضعة أشخاص هذه النسبة فإنهم يصبحون وحدهم أصحاب القرار، ولا يملك بقية الشركاء حق الاعتراض. ثم إن مجلس الإدارة بعد ذلك هو الذي يقرر كم يوزع من الأرباح نقدا إن حققت الشركة أرباحا، وكم يبقى من هذه الأرباح في الاحتياطي العام للشركة، وهو وحده الذي يقرر هل توزع الأرباح نقدا أم على شكل أسهم، وهو الذي يقرر زيادة رأس مال الشركة أو تخفيضه دون الرجوع للشركاء، ولا يحق للشركاء الإطلاع على دفاتر الشركة ولا على عقودها، وليس لهم حق تعيين أحد من الموظفين أو عزله، ومجلس الإدارة يهب من مال الشركة للغير ويودع من أموال الشركة في البنوك بفائدة- ربا- أو بدونه، وهو الذي يقترض من البنوك بربا أو بدونه، ولا يحق لأحد من الشركاء أن يتدخل أو يعترض على مجلس الإدارة، فالشركاء أصبحوا فيها كالغرباء عنها. و لا يقال هنا أن مجلس الإدارة وكيل عن المساهمين، كونه انتخب من الجمعية العمومية للشركة لا يقال ذلك، لأن الوكيل شرعا لا يملك صلاحية غل يد الأصيل عن ماله، والوكيل شرعا إنما يقوم مقام الأصيل، فهو ملزم برعاية مصالح موكله والحفاظ عليها، ويحظر عليه التصرف الضار بمال الأصيل ضررا محضا، كالتبرع بماله، أو إقراضه ماله دون إذنه.
و من حق الأصيل عزل الوكيل ومحاسبته، وليس ذلك للشركاء أو المساهمين في الشركة المساهمة، كما أن من حق الشريك في الإسلام أن يطلب قسمة الشركة وله الحق أن يطالب بالربح نقدا ومن حقه أن يأخذ الربح كاملا، وله حق زيادة رأس مالها أو إنقاصه بالاتفاق مع الشركاء الآخرين، وهذا كله ليس من حقه في الشركة المساهمة.
3) تخلو الشركة المساهمة من الوكالة الضمنية بين الشركاء حيث أن شخصية الشريك فيها ليست محل اعتبار عند الشركاء الآخرين، بل في الغالب الأعم لا يعرف بعضهم بعضا، والوكالة الضمنية جزء من ماهية الشركة في الإسلام لا تنفك عنها ابتداء ولا بقاء، فهي ضرورية لثبوت ولاية التصرف لكلا الشريكين عن الآخر منذ قيام الشركة إلى انتهائها.
4) تنتهي الشركة في الإسلام بالموت، وبطلان الشركة في الأموال بالموت، لا يتوقف على علم الشريك به، لأنه عزل حكمي غير مقصود، لا يمكن تقديمه أو تأخيره، إذ بمجرد الموت ينتقل شرعا مال الميت إلى ورثته، فلا يمكن إيقاف ما نفذه الشرع. (الموسوعة الفقهية الكويتية/ ص 88-89، المجلد 26 ).
كما تنتهي الشركة في الإسلام بجنون الشريك والحجر عليه للسفه، وبالفسخ من أحدهما أو كليهما، لأنها عقد جائز فبطلت بذلك كالوكالة (المغني- ج 7- ص 131).
و الشركة المساهمة لا تنتهي بهذه الأسباب الشرعية، بل تستمر قائمة بالرغم من موت الشريك وانتقال ماله إلى ورثته، وتسري في حق الورثة دون موافقتهم ورضاهم، كما تستمر في حال فقدان الشريك لأهليته بالجنون أو الحجر عليه للسفه.
إن كل مخالفة من المخالفات الشرعية السابقة، في عقد الشركة المساهمة، توجب وحدها انعدام العقد، وانعدام العقد يوجب انعدام أثاره المترتبة عليه، فكل ما نشأ من التزامات وعقود من الشركة أو عليها، يعتبر باطلا شرعا ويحرم القيام به، ولا شك أن تجارة الأسهم هي أثر من آثار الشركة الباطلة شرعا، لذا فإنه يأخذ حكم الشركة أي البطلان المطلق، فيحرم بيعها وشراؤها والاتجار بها.
لا يتوقف تحريم تجارة الأسهم على الأسباب السابقة وحدها، بل إن تجارة الأسهم في حد ذاتها حرام لا ينبغي لمسلم أن يمارسها، ذلك أن سهم الشركة إنما هو سند يعطي مالكه الحق في حصة من أموال الشركة المساهمة تساوي نسبة عدد أسهمه إلى عدد أسهم الشركة، فلو فرضنا أن شركة من الشركات كان عدد أسهمها مائة سهم، وامتلك أحد الأشخاص عشرين سهما من أسهمها، فإنه في واقع الحال يملك خمس الشركة، فإن أراد أن يبيع هذه الأسهم لشخص آخر فإنه لا بد من الإطلاع على واقع الشركة وموجوداتها من نقود وعقار وآلات ومواد خام، وغير ذلك من أموال الشركة، ولا بد من الإطلاع على ما عليها من حقوق والتزامات وديون، حتى يتبين البائع والمشتري، كم تساوي هذه الشركة ساعة بيع الأسهم، ليصار بعد ذلك إلى تقدير قيمة الحصة المباعة أي خمس الشركة، فإن قدرت أموال الشركة بعد تقدير موجوداتها والتزاماتها مثلا بمائة مليون دينار، فإن خمسها يساوي حينئذ عشرين مليون دينار، يزيد أو ينقص قليلا في حدود ما يتغابن فيه الناس عادة.
لكن واقع بيع الأسهم لا يتم بهذه الطريقة، وإنما يتم بيع الأسهم في السوق المالية-البورصة- دون الإطلاع على واقع الشركة فلا يعرف العاقدان البائع والمشتري كم للشركة من أموال وكم عليها من التزامات، ولا يعرف المشتري هل أن الثمن الذي دفعه للأسهم -أي للحصص في الشركة- له ما يساويه ولو على وجه التقريب من موجوداتها، فالبيع هنا باطل يقينا للجهالة، جهالة المبيع ما هو؟ وكم يساوي؟ ذلك أن من شروط صحة عقد البيع أن يكون المبيع معلوما بالرؤية أو الوصف النافي للجهالة، وهنا لا توجد رؤية ولا يوجد وصف، فالبيع هنا نوع من أنواع بيوع الغرر، وبيع الغرر باطل باتفاق الفقهاء.
إن بيع الأسهم إنما يتم على السند، أي على الورقة التي تمثل عدد الأسهم وسند ملكيتها، أما ماهية المبيع فمجهولة، وترتفع أسعار الأسهم وتهبط حسب العرض والطلب، فالسهم بعد أن بدأ العمل في الشركة انسلخ عنها ولم يعد يمثل جزءا من رأس مالها، وإنما أصبح ورقة مالية كباقي الأوراق المالية.
والحكم الشرعي في الأوراق المالية، إن كانت هذه الأوراق تتضمن مبالغ من المال الحلال كالنقود الورقية النائبة عن الذهب والفضة، فإن بيعها وشراءها يكون حلالا وإن كانت سندات تتضمن مبالغ من المال الحرام، كسندات الخزينة وغيرها من السندات التي تتضمن الربا، فإن بيعها وشراءها يكون حراما.
و أسهم الشركات المساهمة هي سندات تتضمن مبالغ مخلوطة من رأس مال حلال ومن ربح حرام في عقد باطل، ومعاملة باطلة، دون أي تمييز بين المال الأصلي والربح، وكل سند منها يمثل قيمة حصة من موجودات الشركة الباطلة، فتكون هذه الأسهم مبالغ من المال الحرام، و يصبح حراما بيعُها وشراؤها والتعاملُ بها.
وكذلك فإن سماسرة الأسهم إنما يمارسون عملا حراما، ذلك أنهم وكلاء في عقود باطلة شرعا، ولأنهم كذلك وكلاءٌ عن البائع والمشتري في آن واحد، وهذا لا يجوز شرعا، لأن الوكيل لا بد أن يرعى مصلحة الأصيل، والسماسرة إنما يكونون وكلاء عن شخصين تتعارض مصالحُهما في الصفقة الواحدة ويكون من مصلحتهم عقد البيع ليأخذوا عمولتًهم، كما أنهم يتقاضون العمولة أو الأجر مرتين، مرة من البائع ومرة من المشتري.
وقد أخطأ كثير من العلماء، حيث أفتى بعضهم بجوازبيع الأسهم وشرائها، وبعضهم الآخر أفتى بجوازالبيع والشراء بشروط.
وأبين فيما يلي بعض تلك الفتاوى والخطأ الذي وقع فيه من أصدرها:
1) المفتي الدكتور أحمد الحجي الكردي، خبير في الموسوعة الفقهية، وعضو هيئة الإفتاء بالكويت- رقم الفتوى 1893- تاريخ النشر 2/2/2006- الناشر شبكة الفتاوى الشرعية- الراعي الإعلامي- قناة اقرأ الفضائية.
عنوان الفتوى: حكم المتاجرة بالأسهم.
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سماحة الشيخ ما حكم المتاجرة بالأسهم والاشتراك بها وللعلم فقد كثرت الفتاوى حول هذا الأمر، فمنهم من حرمها ومنهم من حللها، حتى اختلط علينا الأمر. جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء؟
الفتوى: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد. “فأسهم الشركات التي لا تتعامل بالربا والمحرمات الأخرى لا مانع من شراء وبيع أسهمها لحرمة التعامل بالربا، أما الشركات التي تتعامل بالربا والمحرمات الأخرى فلا يجوز شراء أسهمها والله تعالى أعلم”.
و الخطأ الذي وقع فيه المفتي هنا، هو أن العقود الشرعية لا بد أن تتوافر فيها أركانها الشرعية التالية:
أ) العاقدان ب) الصيغة ج) محل العقد.
و محل العقد هنا، هو شراء حصة في شركة عقدها باطل،هي الشركة المساهمة، والحصة محل التعاقد غير معلومة لا بالرؤية ولا بالوصف، فالجهالة هنا حتمية، فالبيع هو بيع غرر هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن البائع قد أحل المشتري محله شريكا في الشركة دون علم الشركاء أو موافقتهم، فالمشتري في هذه الحال أصبح شريكا لشركاء دون إرادتهم أو علمهم، وأصبح شريكا لشركاء لا يعرفهم، فكيف يصح ذلك شرعا وعقلا.
وأخيرا، فإن المبيع إن كان هو الحصة في الشركة فهو غير قابل للتسليم، بل مستحيل التسليم، وإن كان المبيع هو السند، فالسند يمثل أموالا مخلوطة من حلال وحرام دون تمييز، فرأس المال المدفوع حلال، وعقد الشركة باطل، والمعاملة باطلة، وما نتج عن الشركة الباطلة التي نهى الشرع عنها حرام.
2) المفتي: الشيخ عبد الرحمن السحيم
المصدر: أسئلة هامة في بيع وشراء الأسهم- شبكة البورصة الأردنية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم، نرجو من فضيلتكم إفادتنا حول الأسهم المعروضة في الأسواق وذلك لأخذ الحيطة حول الحلال والحرام فيها.
والسؤال كالتالي:
ما حكم تداول الأسهم حسب الحالات التالية:
1) ما حكم شراء وبيع أسهم البنوك الإسلامية والشركات الإسلامية؟
إجابة الشيخ:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا.
شراء وبيع أسهم الشركات الإسلامية جائز.
وردنا على فضيلته أنه لم يبين لنا دليل الجواز، كما لم يبين لنا أن عقود هذه الشركات المسماة إسلامية، قد استوفت أركان العقد الشرعي أم لا؟
3) المفتي: الشيخ سعيد رمضان البوطي.
المصدر: موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
السؤال: هل يجوز أن نتعامل بالأسهم؟
الجواب:
إذا كانت الأسهم عبارة عن حصص من رأس مال شركة مثلا فيجوز التعامل بها، ويجوز بيعها وشراؤها، ويجب إخراج الزكاة عنها.
أما الأسهم التي تتحول في سوق البورصة إلى سلعة يخضع ثمنها للتلاعب بها هبوطا وارتفاعا، فلا يجوز التعامل بها، وهي عبارة عن ميسر وقمار.
وردنا على فضيلة الشيخ ما يلي:
لم يبين لنا دليل جواز تأسيس الشركة المساهمة كما لم يبين لنا أين هي الشركات التي لا تتحول أسهمها إلى سلعة يخضع ثمنها للتلاعب بها هبوطا وارتفاعا؟
3) المفتي: د.يوسف بن عبد الله الشبلي.
تاريخ الفتوى: 4/3/1426
المصدر: موقع ساحات القصيم على الإنترنت.
السؤال: أرجو من فضيلتكم بيان الشركات المساهمة المحلية التي يجوز الدخول فيها والتي يحرم، وحكم الدخول في صناديق الاستثمار بالأسهم المحلية؟
الجواب: من خلال دراسة آخر القوائم المالية للشركات المحلية، يمكن تصنيف هذه الشركات إلى ثلاث فئات.
1) الشركات المحرمة 2) الشركات المختلطة 3) الشركات النقية.
و الجواب لا يحتاج إلى تعقيب، فهو لم يبين أن الشركات المساهمة شركات باطلة، ويستشف من الجواب أن الحكم على الشركة ليس من خلال عقدها، بل من خلال محلها، أي العمل الذي نمارسه.
5) المفتي: الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.
رقم الفتوى: 3558
المصدر: الموقع الرسمي لسماحة الشيخ على الإنترنت.
الموضوع: حكم تجارة الأسهم.
السؤال: لدي رغبة في الدخول في تجارة الأسهم، أي بيع الأسهم وشراؤها، وعما إذا كان يجوز لي العمل في هذا المجال، حيث قد تكون بعض الشركات أو لنقل أغلبها قد حصلت على قروض بفوائد من البنوك أو مؤسسات مالية أخرى؟
الجواب:
لا بأس بالتجارة في أسهم الشركات المنتجة إذا كان رأس مالها معروفا، وكذا ممتلكاتها وأدواتها ومعداتها، ويكون الشراء والبيع لأسهم معلومة من تلك الشركة، ربع الشركة أو عشرها، سواء كانت تلك الشركة تجارية تستورد البضائع وتتجر بها، أو تشتري عقارا وتبيعه أو كانت الشركة زراعية أو صناعية أو معمارية.
وإذا كانت تقترض من البنوك بفوائد، أو تودع أموالها في البنوك وتأخذ عليها فوائد، فإن عليك أن تخرج من الأرباح التي تحصل عليها قدر تلك الفوائد الربوية إذا لم تكن تنتظر قبض الأرباح، بل أنك تبيعها بعد شرائها بزمن قليل، فلك أن تنتفع بثمن تلك الأسهم، أو تشتري بها أسهما أخرى بشركة أخرى ولا يضرك كون الشركة تقترض أو تودع حيث أنك تشتري أعيانا معروفة،وسهاما محددة، ومع ذلك فالأولى أن تحرص على اختيار الشركات التي لا تتعامل مع البنوك بمثل هذه المعاملات الربوية إن وجدت، والله أعلم.
وردنا على الفتوى أن المفتي لم يتعرض لبحث حكم عقد المساهمة، إن كان عقدا صحيحا أم كان عقدا باطلا، بل افترض أن العقد صحيح.
وثانيا: وقع المفتي في خطأ إباحته للشريك أن يشتري أسهما لشركات تتعامل بالفوائد الربوية، إذا لم يكن ينتظر قبض الأرباح، إذ أنه لم يعتبره شريكا في شركة محرمة، بل نظر إلى الأرباح التي تعود إليه، هل هي من بيع الأسهم أم من الربا. فأجاز بيع الأسهم والتجارة فيها، وحرم عليه أخذ الربا فقط. أما ما اشترطه من معرفة رأس مال الشركة وأدواتها ومعداتها، أي أن يكون المبيع معلوما برؤية أو وصف فهو صحيح.
6) المفتي: الدكتور علي محي الدين القره داغي.
أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بجامعة قطر.
المصدر: كتاب حكم الاستثمار في الأسهم- صادر عن مطابع الدوحة الحديثة، ورقم الإيداع بدار الكتب القطرية 310/2005
الموضوع: أحكام الأسهم من حيث الحل والحرمة.
يقول الدكتور: وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي (قرار رقم 63(1/7)) تضمن أحكام الأسهم بشيء من التفصيل نذكره لأهميته:
أولا: الأسهم
أ) بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز.
ب) لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها.
ج) الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات كالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.”ص 30″
أما عن التكييف الفقهي للشركة المساهمة فيقول الدكتور القره داغي في كتابه المشار إليه (ص 41 ) ما يلي:
1) التكييف الفقهي للمؤسسين أنهم مشاركون، وإن ما قدمه كل واحد منهم هو مقدار المشاركة، وأن العقد الفقهي الذي ينظم هذه العلاقة يسمى شركة العنان في الفقه الإسلامي، وهي محل اتفاق لدى الفقهاء.
وردنا على الدكتور ما ذكره سابقا من بطلان عقد الشركة المساهمة فلا داعي لتكراره. أما ما ذكره من أن التكييف الفقهي للشركة بأنها شركة عنان، فقد جانب الصواب، ونستغرب ونستهجن من أستاذ جامعي ورئيس قسم الأصول أن يقول هذا القول. ذلك أن الشركة المساهمة لا تمت بصلة لشركة العنان لا من قريب ولا من بعيد. فهي شركة رأسمالية أنشأها الرأسماليون ولم يرد لها ذكر في الفقه الإسلامي، وبينها وبين شركة العنان فروق هامة:
1) في شركة العنان يشترك الشركاء بأبدانهم، أي أنهم يقومون بأعمال الشركة بأنفسهم، ولا يصح أن يوكلوا أو يوكل أحدهم غيره للقيام نيابة عنه في التصرف، وإنما لكل شريك أن يستأجر من يقوم بعمل من أعمال الشركة المادية، أما التصرفات فإن شخص الشريك هو الذي وقع عليه التعاقد، فلا يجوز أن يحل محله غيره بوكالة من الشريك أو بغير وكالة.
2) يشترط في شركة العنان أن تكون أيدي الشركاء على مال الشركة، فهم الذين يتصرفون بالقبض والاتفاق من أموال الشركة وعلى مصالحها، أما الشركة المساهمة فلا يجوز للشركاء أن يتدخلوا أو يتصرفوا أو يسألوا عن أي عمل من أعمال الشركة، فأبدانهم ليست محل اعتبار في التعاقد، ودليل ذلك أنهم يبيعون حصصهم-أسهمهم- دون إعلام شركائهم أو موافقتهم.
3) شركة العنان مبنية على الأمانة والوكالة، فالوكالة الضمنية هي التي تخول الشريك أن يتصرف في أموال الشركة، وهذه الأموال ليست ملكا للمتصرف وحده، فهو يتصرف بماله ومال شريكه أو شركائه، وليس في شركة المساهمة وكالة من كثير من الشركاء لأن الذي يتصرف في أموال الشركة هو مجلس الإدارة، ومجلس الإدارة ينتخبه من يملكون أكثر من نصف الأسهم، والشركاء ممنوعون من ممارسة أي تصرف في الشركة.
7) المفتي: الدكتور يوسف القرضاوي.
المصدر: موقع الدكتور القرضاوي.
التاريخ: 13 مايو 2009
الموضوع: تجارة الأسهم في ضوء الشريعة الإسلامية.
السؤال: باعتبار الشركات المساهمة، وتأسيس الشركات المساهمة صورة من الصور الواضحة والكبيرة جدا في واقعنا المعاصر، هذه الصورة هل كانت موجودة في السابق؟ وما هو التكييف الشرعي للشركات المساهمة والتجارة بالأسهم؟
القرضاوي:
هذه الصورة كما هي في عصرنا- لم تكن موجودة، هذا مما استحدثه الناس وفق حاجات العصور المتجددة، ومن فضل الله علينا أن شريعتنا هي شريعة تتسم بالمرونة والسعة وقابلية التطور، وهي صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، ولذلك لا يضيق صدرها بالجديد من المعاملات، لا يمكن أن يقف الإسلام عند معاملات كانت في عصر النبوة، هذا مستحيل، ومن أجل هذا نجد في الشريعة الإسلامية هناك أشياء لم ينص عليها الشرع قط، منطقة نسميها “منطقة العفو” منطقة حرة فيها فراغ من التشريع الملزم ليس فيها أوامر ولا نواهي، وهذه جاءت في الحديث الذي رواه الحاكم عن أبي الدرداء “ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا”، ثم تلا قوله تعالى: “و ما كان ربك نسيا”، فهذه منطقة العفو، المنطقة الحرة، هناك أشياء نص عليها جاءت عليها نصوص من القرآن والسنة ولكن نصوص كلية على وجه إجمالي ولم يكن فيها تفصيلات، مثل قضية الشورى، الله تعالى قال: “وأمرهم شورى بينهم”، “وشاورهم في الأمر”. إنما ما هي الشورى؟ كيف تكون الشورى؟ من هم الذين يستشارون؟ وفيم يستشارون؟ وكيف نختار أهل الشورى أو مجلس الشورى؟ القرآن والسنة لم يحددا لنا صورة معينة، لأنهما لو حددا لنا صورة لجمدونا في هذه الصورة، صورة تصلح لعصر النبوة أو عصر الصحابة، وربما لا تصلح للعصور التالية، ولذلك من فضل الله أن جاءت هذه النصوص كلية، “و أحل الله البيع وحرم الربا”، ما هي صور البيع؟ تركها لنا، المهم أننا نعرف أن الأصل هو البيع إنما يستحدث الناس من صور البيع ما شاءوا، ثم من ناحية أخرى، حتى الأشياء التي نص عليها القرآن والسنة نصوصا مفصلة، هذه النصوص تتسع لأحكام كثيرة، تتعدد فيها الاجتهادات، إلا منطقة معينة، هناك منطقة في الشريعة نسميها المنطقة المغلقة، لا تقبل الاجتهاد ولا التجديد ولا التطور، هذه هي المنطقة التي فيها نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهذه محدودة جدا ولكنها مهمة جدا أيضا، لماذا؟ لأنها تجسد وحدة الأمة، يتمثل فيها الثوابت التي لا يجوز اختراقها أو تجاوزها، نصوص قليلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة، لكنها في غاية الأهمية، إنما معظم نصوص الشريعة وأحكام الشريعة تتعدد فيها الاجتهادات، مسائل المعاملات الإسلام وسع فيها جدا، من القواعد المهمة التي قررها المحققون من علماء المسلمين، أن الأصل في العبادات التوقيف والمنع إلا ما شرعه الله حتى لا يشرع الناس في الدين ما لم يأذن الله، لا يجوز أن تعمل عبادة من عندك.. لا بد للعبادة أن يكون منصوص عليها.
وردنا على الشيخ القرضاوي بسيط وواضح، فرغم طول الإجابة ، لم يبين كيف يعقد عقد الشركة المساهمة؟ وهل استوفى أركان عقد الشركة أم لم يستوفها؟ بل إنه ذهب يستدل بنصوص عامة، فحين يستدل’ بقوله تعالى “وأحل الله البيع وحرم الربا”، ما هي صور البيع تركها لنا المهم أننا نعرف أن الأصل هو البيع، إنما يستحدث الناس من صور البيع ما شاءوا’ فهذا كلام غريب ومستهجن من الشيخ القرضاوي، نعم أحل الله البيع، ولكن البيع عقد من العقود، لا بد أن يكون مستوفيا لشروط العقد الصحيح، شروط تتعلق بالعاقدين، من تمتعهما بالأهلية الشرعية، البلوغ والعقل، ومن السلامة من العيوب التي تفسد الرضا، كالإكراه، والغش والتدليس وغيرها.
و شروط تتعلق بمحل العقد، فلا بد أن يكون مالا متقوما مملوكا للبائع وقابلا للتسليم، وإن يتم على الوجه الشرعي، فقد حرم الشرع بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا وزنا بوزن. ويدا بيد وحرم بيع الثمار على أصولها قبل أن يبدو صلاحها وحرم بيوعا أخرى غيرها.
و شروط تتعلق بالصيغة، فلا بد أن يتطابق الإيجاب والقبول في مجلس العقد، وأن تكون الصيغة دالة دلالة يقينية على البيع، فلو قال وهبتك أو أعرتك أو أجرتك لم يقع البيع ولم ينعقد.
إنما أباح لنا الشرع أن نبيع الفاكهة ونبيع الثياب ونبيع العمارات ونبيع الكتب والأثاث، وأباح لنا أن نبيع أشياء لم تكن موجودة في عصر النبوة، كالسيارات والطائرات والثلاجات وغيرها مما استحدثه الناس. ولكن كل صور البيع لا بد أن تبقى محكومة بالضوابط الشرعية سالفة الذكر.
و كذلك الأمر بالنسبة للشركة، فلا بد أن يكون الشركاء حائزين على الأهلية الشرعية، فلا تجوز شراكة المجنون ولا الصغير ولا المحجور عليه، وتنتهي الشركة بموت الشريك ، لأن الموت ينقل ملكية مال الميت إلى ورثته، فكيف تستمر الشركة معهم دون رضاهم، وكيف يمنع الشريك من فسخ الشركة، وكيف ينعقد الإيجاب والقبول بين شركاء لا يعرف بعضهم بعضا، إن تخلف هذه الشروط يبطل عقد الشركة المساهمة، وتبقى الشركة على الإباحة، فتجوز الشركة على قلع الحجارة وبيعها، وتجوز الشركة في تجارة الحبوب والسيارات والطائرات والملابس ولكن ضمن الضوابط الشرعية التي تطلبها الشرع في الشركة.
السؤال الثاني: بالنسبة لهيئة إدارة الشركة المساهمة، هل تُعتبر هي وكيلة عن المساهمين بحيث أنها أحيانا لو اضطرت هذه الشركة- كما ورد في بعض الإجابات- للاقتراض لحاجة معينة اقتراضا ربويا هل يلحق هذا المساهم الإثم أم أنها تبرأ ذمته؟
القرضاوي: إذا كان مجلس الإدارة الذي اختاره الناس، إذا كانت الشركة ملتزمة بالاحتكام إلى أحكام الشريعة فينبغي ألا تقترض بالربا، إذا كان النظام الأساسي أو قانون التأسيس يلزمها بأن تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، كما في البنوك الإسلامية، القوانين التي أنشأت هذه البنوك تلزمهم بهذا، البنوك الإسلامية تشترط هيئة رقابة شرعية، لكل مصرف أو بنك او مؤسسة يرجع إليها في الأمور التي تحتاج إلى رأي، حتى يعرف حكم الشرع تماما، فالمفروض أن هؤلاء ملتزمون بحسب النظام برأي هذه الهيئة، ولا يستطيعون أن يودعوا بالربا، ولا أن يقترضوا بالربا، إنما إذا لم يوجد مثل هذا ودخل المساهمون في هذه القضية، فإذا عرف المسلم هذا عليه أن يُخرج من الربح ما يساوي نسبة الأرباح التي نشأت عن هذا الاقتراض الربوي، ولو بالتقريب ويخرج من الربح ما يساويها.
وردنا على هذه الفتوى أن الشيخ تهرب من الإجابة حتى لا يقع في الحرج، فمجلس الإدارة الذي سماه السائل هيئة إدارة الشركة، إما أن يكون وكيلا عن الشركاء أو المساهمين، أو لا يكون، فإن كان وكيلا عن الشركاء، فهو إما أن يتصرف ضمن صلاحيته، أي يقترض بالربا ويودع بالربا، فتكون الشركة شركة ربوية، فيكون الاشتراك فيها حراما، وإما أن يتصرف خارج حدود الوكالة، وهنا يكون من حق المساهمين عزله، وهم في الحقيقة لا يستطيعون.
وإن لم يكن وكيلا عنهم، فمن أين استمد صلاحيته في التصرف في أموال المساهمين، والاقتراض بالربا والإيداع بالربا بأموال لم يوكله أصحابها بالتصرف فيها.
هذا هو واقع الشركة المساهمة إنها شركة بين أموال لا بين أشخاص، فالمال هو الذي يشترك مع المال، وهذا لا يجوز شرعا، فالشركة في الإسلام هي عقد بين شخصين فأكثر يتفقان فيه على القيام بعمل مالي بقصد الربح، وهي كسائر العقود لا بد فيها من إيجاب وقبول وهي من التصرفات القولية، التي لا بد فيها من التعبير من العاقدين بألفاظ تدل على التعاقد. وهذا كله معدوم في الشركة المساهمة.
هذه هي الشركة المساهمة، وهذه هي تجارة الأسهم، وقد ثبت لنا أنها باطلة شرعا، وإنه يحرم على المسلم الدخول شريكا في الشركة، كما يحرم عليه بيع الأسهم وشراؤها، فهي تجارة سحت، والسحت هو الكسب الخبيث وهو صفة من صفات المنافقين، قال تعالى: “سماعون للكذب أكالون للسحت”.
إن تجارة الأسهم فوق حرمتها مصيدة من مصائد المغفلين الذين يركضون لاهثين وراء سراب الربح الكثير والثراء الواسع، فلا يلبثوا أن يقعوا فرائس في مخالب من يمتص دماءهم، ويلقي بهم حزانى أو منتحرين، بعد أن فقدوا ما ادخروه من كدهم أو بعد أن باعوا بيوتهم التي تؤويهم، أو أراضيهم التي يكسبون منها لقمة عيشهم، بل إن دولا كاملة كادت أن تسقط بعد أن ضُرب اقتصادها ضربات مميتة من مضاربي الأسهم المحترفين، عباقرة فنون المقامرة، وهذه بعض الأمثلة:
1) في عام 1983 انهارت سوق الأسهم الكويتية، أو ما كان يعرف حينها بسوق المناخ، وقد بلغت خسائر السوق أنئذ ما قيمته مائة مليار دولار أو 29 مليار دينار كويتي. وقد وجهت أصابع الاتهام إلى ثمانية من كبار المقامرين، حيث اشتروا كميات هائلة من الأسهم بشيكات مؤجلة، ثم قاموا ببيع هذه الأسهم نقدا، ثم قاموا بتهريب النقود خارج الكويت، حيث يعيشون حياة ألف ليلة وليلة.
2) في نهاية القرن الفائت قام المقامر اليهودي جورج سوروس، بعملية شبيهة، فانهارت بورصات النمور الأسيوية: ماليزيا- اندونيسيا- سنغافورة، حتى أن رئيس وزراء ماليزيا في ذلك الوقت محاضر محمد أتهم اليهود صراحة بأنهم كانوا وراء تخريب اقتصاد ماليزيا.
3) في مقال نشرته صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 3/5/2009 جاء فيه “أعلن بنك الكويت الوطني أن الأسواق المالية- أسواق الأسهم الخليجية- فقدت نحو 500 بليون- مليار- دولار من قيمتها في السوق منذ بداية الأزمة المالية في أيلول 2008″، إن هذا الرقم الهائل لا يعبرعن حقيقة الخسائر التي تكبدتها دول الخليج، فإن الصناديق السيادية ظل ما خسرته طي الكتمان، ويدور الحديث عن خسائر وصلت إلى 2.5 تريليون دولار، وقد استنزفت هذه الخسائر في معظمها من جيوب صغار المستثمرين والمضاربين، ما دفع البعض منهم إلى محاولة الانتحار، وبحسب مصادر طبية واستشارية سعودية فقد زاد عدد المراجعين لعيادات الطب النفسي في السعودية بنسبة 20%، وإن أمراض القلق والاضطراب وارتفاع ضغط الدم ألقت بظلالها على علاقات المصابين بأسرهم، حسب ما ذكرته صحيفة الحياة اللندنية يوم 14/ 10/ 2008. ومن يراجع سجلات أسواق الأسهم (البورصات) لا يكاد يصدق ما يراه، فقد زاد عدد المتعاملين بالأسهم في السعودية وحدها من 250 ألف متعامل عام 2002 إإلى أكثر من ثلاثة ملايين متعامل عام 2006، حسب ما ذكرته صحيفة الجزيرة السعودية في 20/3/2006.
و في ذروة نشاط سوق السعودية وصل مؤشر أسهمها رقما قياسيا حيث بلغ 20900 نقطة في عام 2005 ثم انهار إلى 3297.5 نقطة يوم السبت 15 نوفمبر 2008، وبحسبة بسيطة يمكننا أن نعرف نسبة الخسارة في الأسهم السعودية بين النقطتين 20900 و3297.5 وهي تعادل ما نسبته 85% من قيمة الأسهم أو ما يعادل 400 مليار دولار.
لا شك أن هذه نسبة مرعبة قد لا يصدقها البعض، ولكنها الحقيقة المُرّة، ومن أراد أن يتأكد من صحة هذه الأرقام فليدخل إلى مواقع أسواق الأسهم ومؤشراتها على شبكة الانترنت.
و هنا يرد السؤال لماذا حصل ما حصل؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال نقرأ ما كتبه المحلل والأكاديمي يوسف مكي في جريدة الوطن السعودية، ونقله عنها موقع الأسواق العربية 15/مارس/2006، ومما جاء فيه: ” لم يستثن الهبوط أي شركة، وقد استمرت الأزمة منذ 2006 فبراير حتى يومنا هذا، ولا يلوح في الأفق ما يؤذن بقرب نهايتها، وقد حذر المحللون من استمرار انهيار الأسعار، مشيرين إلى أن العرض يفوق الطلب بكثير، مع اتجاه الكثير من المضاربين المرتبطين بقروض بنكية إلى البيع…ثم يقول وقد تزامن هذا التراجع الكبير مع تراجعات مماثلة في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، في الكويت والإمارات وقطر والبحرين، وحتى تاريخه عجزت التحليلات الفنية والأساسية والاقتصادية عن إيجاد تحليل موضوعي ومقنع لهذه الهزة”.
و في الحقيقة فإن المراهنات لا تخضع لتحليل موضوعي أو فني، لكن سبق لكثير من المخلصين أن حذروا من هذه الكارثة، فسمع من سمع وهم قلة من الناس، وأصم أذنيه أغلب الناس، واتبع هواه فأرداه، واتبع فتاوى من أفتى له بحل هذه التجارة.
إن من يدقق النظر في انهيار أسواق الأسهم هذه، يجد أن دول الخليج العربي بما تحوزه من ثروة نفطية هائلة، أدت إلى جريان المال بين أيدي الكثيرين هناك، فكان من الطبيعي أن يبحث الناس عن مشاريع لاستثمار أموالهم، وبدل أن يقوم أولياء الأمور وساسة هذه الدول ببناء اقتصاد سليم وحقيقي عماده الصناعة والزراعة، وتوجيه الناس للاستثمار في هذه القطاعات المنتجة. بدل ذلك جعلوهم يتوجهون للمضاربة بالأسهم. وبدل أن يقوم العلماء بتحقيق مناط الشركات المساهمة وتجارة الأسهم، ثم ينزلوا عليها الأدلة من الكتاب والسنة، قاموا يلوون أعناق النصوص لمسايرة الواقع خشية الاصطدام مع أصحاب السمو وأولي الأمر ومراكز القوى.
وكانت الأرباح التي يجنيها البعض من هذه التجارة بمثابة الطعم الذي استدرج السواد الأعظم من الناس، فازداد الإقبال على شراء الأسهم وازداد الطلب عليها، فارتفعت أسعارها إلى أرقام قياسية لا تتناسب وقيم الشركات الحقيقية، فأصبحت كالفقاعة التي يلعب بها الأطفال عند مزج الماء بالصابون، وعندما وصلت إلى حدها الأقصى كان لا بد أن تنفجر مخلفة وراءها كوارث اقتصادية واجتماعية هائلة.
و إلا كيف لعاقل أن يصدق أن شركة مثل شركة سابك السعودية، يتكون رأس مالها من 300 مليون سهم، كان سعر سهمها 300 ريال سعودي عام 2004، ارتفع إلى 1200 ريال في 12/2/2005 فهل تضاعفت موجوداتها حقيقة بهذه النسبة العالية وفي هذه الفترة الزمنية القصيرة، ثم ارتد سعر السهم بعد ذلك إلى هوة سحيقة، حيث وصلت قيمته إلى 40.60 ريال.
إن هبوط أسعار الأسهم بهذه النسبة يستحيل عقلا، إلا أن تكون الشركة قد أصابتها جائحة مثلا كزلزال أو نحوه.
وما حصل في السعودية، جرى مثله في الكويت وقطر والإمارات ومصر، حيث هبطت البورصة المصرية ما نسبته 18% في يوم واحد، وجرى الشيء نفسه في الأردن وروسيا وأمريكا، وسائر أسواق الأسهم الأوروبية بنسب كبيرة ومتفاوتة، ولم تنج حتى المؤسسات المالية العملاقة من هذا الهبوط، فقد انخفضت أسهم سيتي غروب بنك من 50 دولار للسهم عام 2007 إلى أقل من أربعة دولارات في شهر ابريل 2009.
كما انخفض سهم بنك غولدمان ساكس من 250 دولار إلى 52 دولار في شهر نوفمبر 2008.
بل لم تنج بعض المؤسسات الدولية من كارثة انهيار أسواق الأسهم العالمية مثل الأونروا التي أبلغت موظفيها بالأردن بخفض مكافآتهم بسبب الخسائر التي لحقت استثماراتها في الأسهم.
4) يتلاعب بعض كبار المسئولين والمتنفذين في أحيان كثيرة بإدارة الشركات المساهمة الكبرى، كما تقوم مكاتب تدقيق الحسابات التي يختارها هؤلاء المسئولون بالتلاعب بالحسابات بطريقة فنية، بحيث يقع المساهمون في وهم أن الشركة تحقق أرباحا جيدة، وأنها في وضع مالي ممتاز، على حين يكون وضعها المالي خلاف ذلك تماما، وأوضح مثال على ذلك شركة “إنرون” للطاقة التي كان يرأسها ديك تشيني قبل أن يصبح نائبا للرئيس الأمريكي جورج بوش حيث تبين بعد تركه لإدارتها أنها كانت تعاني من خسائر جسيمة أدت فيما بعد لإعلان إفلاسها.
وفي 16 تشرين الثاني 2008 اتخذت إدارة سوق الأسهم الكويتية إجراءات عقابية مع مجموعة الخرافي لانتهاكها قواعد الشفافية، وقالت أنها تحقق مع نحو 150 شركة أخرى (منتديات جزيرتنا الجديدة) 18/4/ 2009م.
لا يجري هذا التلاعب في الشركات الكبرى في العالم فحسب، بل وفي الدول المتقدمة ايضا، فقد كتب وليام كوهان ويعمل محررا في مجلة فورتشن وله عدد من المؤلفات منها (كتاب الإفراط البائس في وول ستريت). كتب في نيويورك تايمز ما يلي: “السؤال الذي يدور على ألسنة الكثيرين من أهل وول ستريت هو كيف تمكن بنك جولدمان ساكس مرة أخرى من إنتزاع النصر من فك الهزيمة؟”
كثيرون يشيرون إلى قيام البنك بالتلاعب المتمكن في مقاليد القوة في واشنطن، منذ أن التحق روبرت روبين الرئيس السابق لمجلس إدارة البنك بإدارة الرئيس كلنتون عام 1993، حيث عمل في البداية كمدير للمجلس الاقتصادي القومي، ثم كوزير للمالية فأصبح البنك معروفا كما جاء في نيويورك تايمز بأنه جفرنمنت ساكس، أي بنك الحكومة ويضيف الكاتب قائلا “لقد إقتفى هنري بولسن خطوات روبين في الوصول إلى المنصب الأعلى في بنك جولدمان ساكس ثم أصبح وزيراً للمالية وكان لدوره أكبر الأثر في إنعاش البنك حيث كان البنك يتعرض لأزمة اقتصادية خانقة حيث تدنى سهمه من 250 دولار إلى 52 دولارا، وبعد تولي بولسن وزراة المالية أرتفع السهم إلى 115 دولارا حيث مارس ضغوطاً هائلة على البنوك المنافسة حيث أضطر بنك ليمان برذرز لإعلان إفلاسه، كما ضغط على بنك أوف أمريكا لشراء بنك ميريل لنش بسعر مبالغ فيه لإضعاف البنك، كما قام بإقناع الرئيس الأمريكي بإنقاذ مجموعة التأمين الأمريكية العملاقة A.I.G حيث تم إقراضها مبلغ 170 مليار دولار، ثم قرر تعيين زميله السابق في البنك إدوراد ليدي في منصب كبير المدراء التنفيذيين لمجموعة A.I.G وقام هذا بدوره بتقديم تسهيلات بنكية ورهون مقبوضة من A.I.G لبنك جولدمان ساكس بمبلغ 13 مليار دولار وهذا ما أنعش البنك ورفع أسهمه، ومن هنا نفهم كيف يتلقى المدراء التنفيذيون للبنوك مكافآت بعشرات الملايين من الدولارات.
هذه بعض الأمثلة ذكرناها بعد أن نفذت أخبارها من جدران الغرف المغلقة التي تجري فيها صفقات المليارات ومئات المليارات. يديرها رأسماليون لا يؤمنون بأية قيمة إنسانية أو خلقية أو روحية، بل يعبدون مصالحهم الذاتية ومقياسهم في ذلك النفعية، ومعيار النجاح عندهم الوصول إلى الغاية بغض النظر عن شرعية الوسيلة.
إن ما يعانيه العالم اليوم بعامة والمسلمون بخاصة إنما هو جزء من ثمرة الزقوم الرأسمالية، التي أظلت شجرتها الخبيثة كل جوانب الكرة الأرضية، وما الشركات المساهمة وما يتبعها من تجارة أسهم وما جرته وتجره هذه التجارة من ويلات إلا فرع واحد من فروعها غير المباركة.
وستبقى البشرية كلها تعاني من هذه الويلات في غياب الإسلام وعدل الإسلام ودولة الإسلام.
قال تعالى ” ومن أعرض َ عن ذكري فإن له معيشةً ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى”
فالله تعالى نسأل أن يعجل بإقامة الخلافة على منهاج النبوة حتى تملأ الأرض عدلاً ونوراً بعد أن ملئت ظلاماً وجورا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين