ليس كل ما يلمع ذهبا-2
مستمعينا الكرام في إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير – في قاعة البث الحي – وفي كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. ومعكم في الحلقة الثانية من سلسلة ” ليس كل ما يلمع ذهبا “.
في الحلقة الأولى إستعرضنا معكم، عامة، الحريات وأنواعها وكيف أنها غير مطلقة بل محددة بالقوانين التي يضعها النظام الحاكم الديموقراطي. وكما تحدثنا عن محدودية الناس وإختلاف أرائهم بمرور الوقت مما يجعل هذه القوانين الوضعية غير صالحة لكل البشر. واليوم نواصل معكم فضح فساد هذا المبدأ الرأسمالي من أساسه، من الركائز التي يستند عليها ويكون عند حامله وجهة نظر في هذه الحياة، فيتصرف في جميع معاملاته مع من حوله على أساسها. ولا بد لنا هنا من وقفة فما هي وجهة نظر الإنسان في حياته ؟ وهل من المهم أن يكون لنا وجهة نظر مدروسة وصحيحة في هذه الحياة ؟ الأكيد أن الإنسان يجب أن تكون له وجهة نظر معينة في هذه الحياة ليسير على أساسها، فهي عقيدته في هذه الحياة أي القاعدة الفكرية التي تنبثق عنها كل أفكاره. ولتكون وجهة النظر هذه صحيحة ومتكاملة يجب ان تقنع عقل الإنسان وتوافق فطرته وتكون فكرة كلية عن الحياة والكون وليست ناقصة. فمثلا تحدد للإنسان من أين أتي لهذه الدنيا ولماذا أتي وما هو الهدف من وجوده وماذا سيحدث له بعد الموت. فهذه أسئلة مصيرية يجب على الإنسان أن يجد لها حلولا جازمة لتكون شافية وإلا ضل سبيله. وهي أسئلة تطرأ على ذهن كل الناس في مراحل عمرية صغيرة جدا فيتسأل الطفل من خلقني أو أين الخالق ويسأل لماذا نموت ويسأل ماذا سيحدث لنا بعد الموت ويسأل لماذا انا هنا ؟ فهي مجموعة أسئلة فطرية عند كل الناس، ويجب إعمال العقل في حدود مقدرته ليجد لها أجوبة شافية ومقنعة يتوصل لها بعد دراسة للواقع المحسوس، بأدلة دامغة وواضحة، وليس من واقع خيالي أو مؤلف ولا دليل عليه.
إن عقيدة المبدأ الرأسمالي مبنية على أن لله ما لله وما لقيصر لقيصر. هذه هي وجهة نظهرهم في الحياة. أي كل رأي لهم وكل قرار يتخذونه ويتحول إلى عمل معين وسلوك، هو مبني على هذه الفكرة الأساسية. فهذه إذا قاعدتهم الفكرية التي تكون المصدر لكل أفكارهم عن الإنسان والحياة والكون، ويقيسون عليها، ويطبقونها في كل قول وعمل. وإن إقتربنا أكثر من مفاهيم العقيدة العلمانية نجد أن من يحمل هذا المبدأ يقر بوجود الأديان. فهو يعلم أن هناك من يظنون بوجود خالق للبشرية ولكنهم، جميعا، حملة هذا المبدأ، يجزمون بعدم تدخل هذا الخالق في شؤون إدارة حياتهم. فوجود الخالق عندهم ظني ولكن كونه مفصول عن حياتهم، هذا جزم. لذلك تم فصل الدين عن الحياة في كل مناحيها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتعليمية والثقافية، في كل، كل مناحي الحياة. فهم يؤمنون بأن عقل الإنسان قادر على التشريع وقادر على تنظيم الحياة ومعالجة أي مشكلة تطرأ بوضع قوانين هم يريدونها. وفشل هذا المبدأ يكمن بالضبط في هذه النقطة. فهذه العقيدة العلمانية عقيدة ظنية بمعنى أنها لا تجزم بوجود أو عدم وجود خالق فهي تترك ذلك لهوى الشخص وما يريد. فهذه هي حرية العقيدة، وكونها لا تنفي أوتنفي وجود الخالق في نفس الوقت يجعل من عقيدتها عقيدة خطرة تعصف بعقل الإنسان عصفا شديدا وتحمله ما لا يطيق. لأن ذلك يخالف الواقع فلا يوجد مجموعة أراء كلها صحيحة في مسألة العقيدة فهناك فقط إما موجود وإما غير موجود، إما حق وإما باطل، هذا هو الواقع وما عدا ذلك يكون خيال وضلال لأننا نقول للعقل فعليا ليس هناك نتيجة واضحة وحل صحيح فكل الحلول ممكنة وكلها صحيحة فتكون بذلك مخالفة شنيعة للواقع ! فعقل الإنسان محدود وفيه نقص وعجز ولكنه يستطيع إدراك الواقع الملموس من حوله ويستطيع معرفة أن الله تعالى خلقه فهو يتوصل إلى حقائق محددة وأدلة ونتائج يفصل بها بين الحق والباطل بعد عملية التفكير. أما هنا عند حامل هذا المبدأ يخدع العقل ويختلط عليه دوره هذا فيقبل على مضض وبدون إقتناع أن كل الاراء حق أو كلها باطل ! فالعقل إذا يحتاج لأدلة صافية ونقية تقنعه حسب الواقع الفعلي ويحتاج لأن توافق المفاهيم فطرته فتلبي كل إحتياجاته العقلية والنفسية. وذلك لا نجده ابدا في العقيدة العلمانية. ففشلت العلمانية في أن تحدد لعقل الإنسان دور جازم ضمن نطاق واقعه الملموس وتجدها تسببت في ضلال هذا الإنسان. فإذا سألت حامل هذا المبدأ من أين أتيت إلى هذه الدنيا ؟ وهذا سؤال مهم لنحدد وجهة نظرنا في الحياة، يكون جوابه ربما خلقني الله أو خلقتني الطبيعة صدفة أو يقول ربما كنت حيوانا أونبات في حياة أخرى، أو يقول بكل بساطة لم أفكر في ذلك أبدا ! فيترنح بين الإلحاد وبين الإيمان ويبقى كل ما يعتقده مجرد ظن . وايضا إن سألته ماذا سيحدث لك عندما تموت ؟ فالموت هو حقيقة، حقيقة لا يستطيع أي أحد أن ينفيها. يقول لك كما يقول النصارى سأذهب إلى الجنة كما وعدني المسيح عليه السلام فهو مات على الصليب تكفيرا لذنوبي، بحسب زعمهم طبعا. أو يقول لك سأتحول لكائن أخر في حياة أخرى كما يقول البوذي ومع إنه لا يملك دليلا على كلامه، يكون مقتنع به ! أو يكون جوابه بكل بساطة، سأدفن واتحلل واصبح ترابا، أو يقول لك ايضا بكل بساطة لم أفكر في ذلك أبدا ! بل و أكثر من ذلك هو يظن أنك إنسان معقد وتحب النكد فتتحدث إليه عن الموت ونهاية الحياة بينما هو يهتم فقط بالسؤال التالي: ما هو الهدف من حياتك ووجودك في هذه الدنيا ؟ فيقول لك وعلى الفور لأستمتع بكل دقيقة فيها فالعمر قصير ويجب أن نجرب كل شيء وأن نشبع كل رغباتنا وأن نتمتع بالحرية لنفعل ما نريد حتى يأتينا الموت. و إذا لنا هنا تساؤل: ما الهدف فعلا من هذ الجواب ؟ وما الهدف فعلا من وجود شخص كهذا في الدنيا ؟ لا أدري ! فهل الأكل والشرب والرقص والغناء والزنا والعمل وجمع الأموال وبناء البيوت واللهث وراء كل الملذات هو الهدف من هذه الدنيا ؟ فأنت تترك كل ذلك وتذهب بلا رجعة!! فإذا لماذا أنت هنا في هذه الدنيا ؟ لا تجد من حملة هذا المبدأ الرأسمالي لا تجد منهم جوابا غير لأستمتع قبل أن أموت. هذا هو الجواب الذي تجده. فعقيدة المبدأ الرأسمالي ووجهة نظره في الحياة هي فعليا : لا أعلم من أين أتيت ولا أهتم فانا لا أعلم من أين أتيت إلى هذه الدنيا فهناك عدة خيارات غير محسومة، فلا أستطيع أن اجزم ولا أريد أن اجزم ، وأعلم أني موجود فقط لإشباع كل شهواتي وتحقيق أكبر كم من المتع والملذات فأنا حر في ذلك لا يقيدني أي شيء، وأخيرا أنا لا أعلم فعلا ما سيحدث لي بعد الموت وربما اذهب لجنة أو لنار سأعرف ذلك وقتها أو ربما لا يهمني ذلك فما دمت مستمتعا بحياتي لا يهمني أن أعرف! و هل تعتبرون ذلك جوابا شافيا ؟ قطعا لا.
المستمعون الكرام، قدمنا لكم عدة نقاط في هذا النقاش العقلي تدحض المبدأ الرأسمالي من أساس عقيدته عن الإنسان والحياة والكون. فالتناقض الواضح في دور العقل عند حامل هذا المبدأ هو الفشل بعينه. فبينما يدعي أن عقل الإنسان يستطيع التشريع لهذه الحياة المعقدة ويقدر على أن يضع نظاما يحكم به ملايين البشر، تجده عاجزا تماما على بناء عقيدته الفكرية على أجوبة جازمة قاطعة ليس فيها ذرة من الظن فهذه العقيدة العلمانية تتركهم هكذا في مهب الريح لا يعلمون ماذا سيحدث لهم بعد الموت ولا يعلمون إن كان الله تعالى موجود أو غير موجود. ونتوقف هنا وتابعوا معنا تداعيات هذه الأفكار الخطرة في الحلقات القادمة وجزيتم خيرا كثيرا وصلي اللهم على محمد وعلى آل محمد وسلم تسليما كثيرا والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.