Take a fresh look at your lifestyle.

حقيقة وأبعاد الدور التركي الجديد

 

بعد أن سطع نجم حزب العدالة و التنمية و برز على مسرح السياسة التركية و مسرح الأحداث في المنطقة بزعامة الثلاثي الحاكم أردوغان و غول و مهندس السياسة الخارجية أحمد أوغلو ، حصلت استدارة و انعطافة في السياسة التركية و الدور التركي بمقدار 180 درجة ، و لم تعد تركيا اليوم هي تركيا الأمس . و لتسليط الأضواء على هذا التحول و على واقع السياسة التركية الجديدة و معرفة حقيقة و أبعاد هذا التحول ، لا بد من معرفة مراكز القوى المؤثرة و الحاكمة في تركيا طوال العهود السابقة و ماذا حصل لهذه القوى و أصحاب النفوذ و أين أصبحت …. فقد كان الذي يتحكم في السياسة التركية على مدى العقود السابقة ورثة و عبدة الصنم كمال أتاتورك الماسوني عميل الإنجليز هادم الخلافة الإسلامية ، و هم : حزب الشعب و العلمانيين و العسكريين و أباطرة الإعلام المضلل و من تسموا بأسماء إسلامية و هم في حقيقتهم من يهود الدونمة الذين احتضنتهم الخلافة العثمانية بعد مذابح محاكم التفتيش في إسبانيا الذين تآمروا على الخلافة العثمانية مع بريطانيا و نسقوا و تحالفوا لاحقاً مع العدو الإسرائيلي . و قد اتبع حزب العدالة و التنمية سياسة الخطوة خطوة للوصول إلى الحكم و الاستمرارية فيه و بسط سيطرته على الأوضاع الداخلية و ضرب مراكز القوى حتى يتأتى له تأمين و تقوية جبهته الداخلية و من ثم التفرغ لعلاقاته و سياساته الخارجية من خلال :

 

* أولاً إيجاد قاعدة شعبية له بإسم الإسلام و تحت هذا الشعار ليستند إليها و يتقوى بها للوصول إلى الحكم و السلطة و إيجاد أغلبية برلمانية تدعم حكومته في أعمالها و تحركاتها و تعدّل القوانين المعادية لها و تسن القوانين التي تقوي مركزها .

 

* استعمل الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي كفزاعة تخيف الجيش و تمنعه من القيام بانقلاب عسكري و هو صاحب الباع الطويل في الانقلابات العسكرية كلما لزم الأمر .

 

* عمل على خلع أنياب العسكريين و قلم أظافرهم و قصقص أجنحتهم و ذلك باتهامهم بمحاولات انقلابية و تقديمهم إلى المحاكمة و إذلالهم و زجهم في السجون ، و هذا يشكل ضربة قوية للجيش الذي كان الحاكم الفعلي لتركيا بلا منازع .

 

* قام بتوجيه ضربة قوية إلى رأس الإمبراطورية الإعلامية “دوغمان” و الذي يعتبر من المعارضين الرئيسيين لأردوغان و اتهمه بالتهرب من الضرائب و فرض عليه ضريبة ممكن أن تضع حداً لإمبراطوريته الإعلامية .

 

* ثمّ أتبعها بضربة قوية إلى حزب الشعب الذي يعتبر نفسه الحارس الأمين لإرث الصنم أتاتورك و العدو الأول للإسلام و العربية و المخلص في عمالته للإنجليز حتى النخاع ، و يعتبر من ألد الخصوم الرئيسيين لحزب العدالة و التنمية ، و ذلك بإضطرار رئيسه دينز بيكلي إلى الإستقالة على أثر فضيحة جنسية و نشر فيلم فيديو يظهر فيه في وضع فاحش مع إحدى مساعداته .

 

* و لم يقف قادة حزب العدالة و التنمية عند هذا الحد بل ساروا بخطوات تكميلية و ذلك بمطالبتهم باستفتاء شعبي لإدخال تغييرات على الدستور بحيث يقلص صلاحيات الجهاز القضائي و الجيش و هما العمودان الفقريان للحكم الذي أقامه صنمهم أتاتورك .

 

* و لا ننسى من جانب آخر مساعدة دول الطوق – إيران و العراق و سوريا- تركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني حتى تتقوى جبهتها الداخلية و تستطيع التصدي لخصومها ، و باستطاعتنا القول أنّ هنالك حلفاً غير معلن بين إيران و العراق و سوريا و تركيا و حتى لبنان حزب الله . 

  

و لكن و يا للأسف فإنّه بالرغم من نجاح النظام الحاكم الحالي في تركيا بضرب هذه القوى و الخصوم التي ذكرناها و التي عاثت فساداً منذ أن هدمت الخلافة الإسلامية و ناصبت العداء للإسلام و المسلمين و تحالفت و تآمرت مع الدول الكبرى المستعمرة و مع كيان يهود ، فقد كان باستطاعة حزب العدالة و التنمية أن يجعل من تركيا بإرثها التاريخي و موقعها الاستراتيجي و قوتها البشرية و العسكرية و الاقتصادية دولة كبرى يحسب لها ألف حساب و تعيد أمجاد أجدادهم العثمانيين الذين تباهى بهم أردوغان و نتباهى نحن بهم و نفتخر بالمجد الذي صنعوه لتركيا و للأمة الإسلامية و حافظوا على فلسطين و البلاد الإسلامية قرون عديدة ، فما تحتاجه الأمة هو قيادة مخلصة واعية تعيد أمجادها و ترقى بها إلى ذرى المجد و العزة ، لا أن تستبدل قوى و أحزاب معادية للإسلام بقوى و ولاءات لدول كبرى و سياسات تخدم مصالح أمريكا ، فقد سارت القيادة التركية الحالية مع أمريكا و خدمتها في كثير من القضايا ، و الأمثلة على ذلك كثير :

 

* احتضان تركيا لكل المؤتمرات التي تبحث في المشاكل و الأزمات التي تورطت بها أمريكا بدءاً من أفغانستان و باكستان مروراً بالعراق و ليس انتهاءاً بالصومال و دعم تركيا لهذه الحكومات العميلة التي أوجدها و نصبها المحتل الأمريكي ، و محاولة هذه المؤتمرات برعاية تركيا إيجاد السبل و الوسائل التي تساعد أمريكا في الخروج من أزماتها و مشاكلها و المستنقعات التي أوقعت نفسها بها ، ناهيك عن دور القوات التركية في أفغانستان المساند للقوات الأمريكية و الدولية ضد المجاهدين الأفغان . فلماذا لا تترك أمريكا المأزومة في المستنقعات و الأوحال التي أوقعت نفسها بها و دمرت و قتلت و اعتقلت و عذبت أبناء هذه الأمة الكريمة و نهبت ثرواتها و خيراتها كي تخرج مهزومة تجر ورائها أذيال الخزي و العار . و لقد أصبح الدور التركي الجديد بزعامة حزب العدالة و التنمية ودوره في خدمة أمريكا و مساعدتها في الخروج من أزماتها واضح لكل من له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد ، فالمخلص لربه و أمته لا يمكن أن يخدم الكافر المستعمر أو أن يساعد عملاءه بأي شكل من الأشكال لقوله تعالى “لا تجدُ قوماً يؤمنون باللهِ و اليومِ الآخرِ يوادّون من حادّ اللهَ و رسوله” صدق الله العظيم ((سورة المجادلة الآية 22)) ، و لا ننسى دور تركيا و البرازيل حليفة أمريكا في حل أزمة إيران بالإتفاق الأخير على تبادل اليورانيوم في الأراضي التركية .

 

* عرض القيادة التركية القيام بدور الوساطة بين دمشق و تل أبيب ، إلا أن جمود هذه المساعي يعود إلى تطورات الأحداث في المنطقة و النفور القائم بين تل أبيب و أنقرة و تركيز أمريكا جهودها على حل القضية الفلسطينية بدلاً من اتفاقيات الصلح بين سوريا و اسرائيل .

 

* أما علاقة تركيا الحديثة في عهد أردوغان بالكيان الإسرائيلي فقد شملت التنسيق الأمني و المناورات العسكرية المشتركة و الزيارات المتبادلة ، و لكن هذه العلاقة بدأت بالفتور و التوتر و بعدت المسافة بينهما لبعد المسافة بين الإدارة الأمريكية الحالية و حكومة نتنياهو ، و من الصعب أن يلتقيا ما دام التوتر قائماً بين واشنطن و تل أبيب . هذا بالإضافة إلى تصرف هذا الكيان الغاصب مع الزعماء و الدبلوماسيين الأتراك بمنتهى الغباء و الغطرسة و الغرور ، بدءاً من جعل أردوغان يقف على حاجز رام الله العسكري مدة نصف ساعة مما اعتبرها إهانة شخصية له و ردّ عليهم بخطابه الشهير ” نحن أبناء العثمانيين الذين احتضنا و حمينا اليهود ” و رفض هذا الكيان الغاصب للوساطة التركية بينه و بين الفلسطينيين ثمّ المعاملة السيئة و المتعجرفة لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني يالون للسفير التركي في تل أبيب و اضطرار الأخيرة للاعتذار عن هذا الموقف .

 

* أما الموقف التركي المؤيد للفلسطينيين و الداعم لفك الحصار عن غزة فهو موقف سياسي يزيد من شعبية أردوغان و أركان إدارته و حزبه و يقوي موقفهم و جبهتهم الداخلية في مواجهة خصومهم من الجيش و ورثة الصنم أتاتورك ، فالشعب التركي شعب مسلم و مشاعره مع قضايا أمته و خاصة القضية الفلسطينية و القدس ، و وقوف القيادة التركية مع حركة حماس معنوياً و سياسياً و محاولة فك الحصار عن غزة -و يا ليتهم نجحوا في فك هذا الحصار الظالم عن أهلنا في غزة و وضع حد لهذه القرصنة و العربدة الإسرائيلية- فهذا الموقف التركي هو امتداد للموقف الإيراني الداعم مادياً و عسكرياً و سياسياً لحركة حماس و كذلك الموقف السوري الحاضن لحركة حماس ، كلّ هذه المواقف تهدف إلى تقوية جبهاتهم الداخلية لتناغم هذه المواقف و السياسات مع مشاعر شعوبهم الإسلامية و لمحاولة هذه الأطراف التأثير على حماس و احتوائها و من ثمّ الضغط على إسرائيل لتقبل بحل الدولتين ، كما الموقف المصري الضاغط على حماس سواءاً بإغلاق المعابر أو التوسط بين إسرائيل و حماس أو بين حماس من جهة و حركة فتح و السلطة من جهة أخرى ، فكل هذه المواقف تصب في مصلحة أمريكا سواءاً من جهة الضغط على حماس و سلطتها في غزة لمحاولة كسبها و احتوائها أو لجهة إيجاد الزخم لما يسمى بعملية السلام و الضغط على إسرائيل بكل السبل و الوسائل حتى تقبل بحل الدولتين و وقف الإستيطان و الإمتثال للقرارات الدولية . و من نافلة القول أنّ هذا الموقف التركي الضاغط على الكيان الإسرائيلي كما المواقف الإيرانية و السورية و المصرية و اللبنانية هو من جملة الوسائل و أدوات الضغط التي تريدها أمريكا ضد كيان يهود ، إذ تستعين بالقوى الدولية و الإقليمية للتعويض عن ضعف موقفها لوجود اللوبي الإسرائيلي القوي داخل أمريكا .

 

و نحن إذ نحلل هذا الدور التركي الجديد لنستذكر التاريخ المجيد لتركيا كمركز للخلافة الإسلامية و كقوة عالمية حكمت ما يقارب خمسماية عام و حملت لواء الإسلام و حمت بلاد الإسلام و فلسطين ، لندعو الله أن تعود تركيا لماضيها المجيد و تعيد أمجاد الخلافة الإسلامية و ما تحمله من معاني القوة و العزة و العدل .

 

” كذلك يضربُ اللهُ الحقَّ و الباطلَ فأما الزبدُ فيذهبُ جُفاءً و أما ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرضِ كذلك يضربُ اللهُ الأمثال ” صدق الله العظيم ((سورة الرعد الآية 17))

  

أبو عمار

1-6-2010