Take a fresh look at your lifestyle.

أفلحت الوجوه يا شباب حزب التحرير باكستان

 

الحمد لله ذي الطول والآلاء، مميت الأحياء ومحيي الأموات، ومبيد الأشياء ومعيد البريات، ومنزل القرآن ومجزل العطيات، مجري الفلك، ومالك الملك، مقدر الآجال والأفعال والأقوات، ومحصي عدد الرمل والقطر والنبات. وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأتقياء… وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مدخرة لوقت الممات. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبوات وأفضل المخلوقات. وبعد:

الحمد لله القائل في كتابه الحكيم: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.

عندما رأفت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها لحال الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تراه يحمل الرسالة الجديدة لقومه ويتعب ويكد ويلقى ما يلقى في حملها؛ قالت له: ارتح يا بن عم. فأجابها صلى الله عليه وسلم: لا راحة بعد اليوم يا خديجة.

فالأمر في نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من أن يحسب فيه للراحة حسابا.
وثقل همّ الدعوة كثقل حملها، نقيضان للراحة، إذا أدرك حامل الدعوة مسئولياته في الدعوة، واستشعر عظم العمل الذي هو بصدده.

والثبات على حمل الدعوة، أيها الإخوة، أن يستمر حامل الدعوة في حملها دونما كلل أو ملل، وأن يصبر على شدائدها، مهما اختلفت هذه الشدائد وتنوعت، فقد تكون نفورا من النّاس، وقد تكون ملاحقة من السلطة، وقد تكون محاربة وتضييقاً في الرزق، وضنكاً في العيش وقد تتعدى ذلك كله فتكون القتل في سبيل هذه الدعوة.

ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة لنا، به نتأسى وبهداه نسترشد، ولم يزل صحابته هم المثال الصادق لحملة الإسلام، نسرّي عن أنفسنا بسيرتهم العطرة ونستصغر ما نقدمه تجاه ما قدموه، وما هذه الكلمة إلا وقفة يسيرة مع السيرة الطيبة للرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم في مكة المكرمة، مهد الرسالة، وموضع التفاعل، وموطن اختبار الثبات على الدعوة وتحمل شدائدها، لنرى ونستهدي بسيرتهم وهم يعملون لإقامة دولة الإسلام التي كرّمنا الله بالعمل لها، ونذرنا أنفسنا لتحقيقها. فقام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإعداد كتلةٍ سياسيةٍ كان أفرادها رضي الله تعالى عنهم قرآناً يسير على الأرض، صَقَلَت شخصياتهم بالإسلام، فكانت عقلياتُهم عقلياتٍ إسلاميةً تفكر وتخطط وتقيس الأمور بمقياس الإسلام، وكانت نفسياتُهم نفسيات إسلامية تُحب لله وتُبغض لله، ترضى برضا الله وتغضب لما يغضب الله، فكانوا خير أمّةٍ أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر ويؤمنون بالله. وعلى أكتافهم قامت دولة الإسلام الأولى وقد تعاهدها هؤلاء الكرام بعد النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن تبعهم رضي الله عنهم يسوسون الناس بالقرآن والسنة ومقياس أعمالهم الحلال والحرام، وغاية غاياتهم رضوان الله عز وجلّ، وطريقة حملهم الإسلام للناس هي الدعوة والجهاد، حتى استمرت هذه الدولة ما يقارب أربعة عشر قرناً من الزمان إلى أن تآمر عليها الكفار وقاموا بهدمها وإلغاء نظام خلافتها عام 1342هجري. وقاموا بتقسيم بلادها فيما بينهم، لامتصاص خيراتها واستعباد أهلها فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

وبما أنّنا على طريق المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سائرون بدءاً بالتثقيف المركّز ومروراً بالتفاعل وانتهاءً باستلام الحكم وتطبيق الإسلام إن شاء الله، كان لزاماً علينا الشرب من النبع الصافي، والماء العذب الذي لا ينضب، النبع الذي شرب من مائه الصحابة الكرام الأطهار البررة، محمد طبّ القلوب ودوائها صلى الله عليه وسلم.

كم هي جميلة تلك الكلمة التي قالها حبيبنا المختار عليه أفضل الصلاة والسلام لصحابته الكرام حين طلب منهم أن يقتلوا عدو الله كعب بن الأشرف الذي كان من أشد اليهود حنقاً على الإسلام والمسلمين، وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتظاهرا بالدعـوة إلى حربه. فلما انتهوا إليه وقتلوه عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآهم نظر إليهم وقال على الفور‏:‏ ‏(أفلحت الوجوه‏)‏، قالوا:‏ ووجهك يا رسول الله، ورموا برأس الطاغية بين يديه، فحمد الله على قتله.

كم هو جميل ومؤثر قوله عليه الصلاة والسلام لهم: أفلحت الوجوه. بعد تمام العملية ونجاحها.
وإني أقول بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لشباب حزب التحرير بباكستان: أفلحت الوجوه يا شباب…

صدعتم وأسمعتم وأخفتم وثبتم، فله الحمد في الأولى والآخرة

وفشل النظام الباكستاني في منعكم من إلقاء ندائكم لأن الله مولاكم ولا مولى لهم

أسمعتم القوم ما يكرهون حتى إذا رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت

رجّت باكستان رجّاً لندائكم واستنصاركم جيوش المسلمين فيها في التاسع من أيار، فدوت نداءاتكم جنبات الأرض وبقاعها.

وصدق القائل: لقد أَمِرَ أَمْرُ حزبُ التحرير أمراً عظيماً، حتى بات ملوك الأرض وحكامها وقادتها ومن والاهم يحسبون له ألف ألف حساب.
سبحان ربي.. وكأن الزمان يدور كعهد النبوة والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، كفاح سياسي وصراع فكري.

فكما وقف عبد الله بن مسعود وأبو ذر الغفاري رضي الله عنهم في مكة يُسمعون قريشاً ما يكرهون دارت الأيام وانطوى الزمان لنرى شباباً يتأسون بالصحابة ليقفوا للحكام الخونة الفسقة الفجرة مثل لُيوث غابات تأكل الثرى، لا يخافون في الله لومة لائم، حملوا الرسالة وأدوها بلا وجل ولا خوف إلا من الله عز وجل .

فأسأله تعالى أن يتقبل منهم ويجزيهم خيرا، وأن يجعل نداءهم هذا يلامس قلوبا وعقولا طالما أُغلقت وصدت فينيرها بالإسلام وتقوى من الله ورضوان، فيهب أهل القوة والمنعة ليعيدوا الزمان الأول بإعطاء النصرة وإقامة الخلافة الإسلامية الثانية الراشدة على منهاج النبوة فيتبوؤا جوار أنصار الأمس في الجنة وما ذلك على الله بعزيز.

فالبدار البدار أيها المسلمون، فإن الغرس قد آن حصاده، وإن الأرض دارت كما كانت في عهد الرسالة حيث الروم والفرس قد خالطهم هرم وشيخوخة، وغرور بالنفس وعنجهية، وإن العنجهية تقتل صاحبها مهما بلغ من قوة، وهذا واقع الكفار في عالم اليوم، فاستبشروا، أيها المسلمون، بظهور الغلبة عليهم، وعودة الخلافة على منهاج النبوة، فتعودوا كما كنتم خير أمة أخرجت للناس، وتعود دولتكم، الدولة الأولى في العالم، تطبق الإسلام بينكم وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، ناشرةً الحق والعدل في ربوع العالم، فتفتح روما وتُطهر فلسطين من رجس يهود، وعندها يرضى عنا ساكن الأرض وساكن السماء، فالعمل العمل لها من قبل أن يأتي يوم لا ينفع النادمين ندمهم، وعندها ولات ساعة مندمٍ، ولات حين مناص.

{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} غافر 44

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو عبد الله الدرابي