كلمة في ذكرى هدم الخلافة-1431هـ
في مثل هذا اليوم نتذكر أعظم فرائض المسلمين المغيبة عن واقع التطبيق و هو فرض الخلافة و هي رمز وحدة المسلمين و قوتهم و عزتهم و كرامتهم و هيبتهم في وجه أعدائهم و زوال كل عذاباتهم التي يعيشونها الآن و في كل مكان. نعم إنه الصراع بين الكفر و الإيمان على مر العصور منذ بعث رسالة الإسلام على يد سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و إلى قيام الساعة سيظل الصراع قائماً على أشده إن لم يتنبه المسلمون لواقعهم و يحذروا عدوهم و لا يأمنوه. فلقد عملت دول الكفر بزعامة بريطانيا حوالي مئتين و خمسين سنة بوسائل شتى للقضاء على دولة الخلافة فما استطاعت هدمها بالناحية العسكرية فكلما هاجمت دول الكفر دولة الخلافة كانت تعزز وحدتها و تزداد قوتها و منعتها و لكن عندما عمدت دول الكفر إلى المكر و الخديعة و تجنيد العملاء من أبناء المسلمين تم نخر جسم هذه الدولة العملاق بعد هذا الجهد الكبير من العمل في زمن طويل إلى أن تم لهم هذا الأمر يوم نهاية هذه الدولة في الثامن و العشرين من رجب لعام 1342 هـ يوم قادت بريطانيا هذا التآمر بمعاونة ما يسمى الشريف حسين من العرب و مصطفى كمال من الترك بالتأمر على دولة عزتهم و كرامتهم الدولة أمهم الرؤوم و تاج عزتهم, تآمروا عليها و ما دروا أن كل عذابات المسلمين منذ ذهابها إلى اليوم بسبب هذا التآمر الذي صنعوه و سيبقى هذا العذاب لكل الأمة الإسلامية و سيبقى هذا العذاب لكل الأمة إسلامية في شتى أقطار الأرض ما لم يوحدوا جهودهم و يزيلوا كل معاني الفرقة بينهم و يوحدوا هذه الأقطار بقطر واحد تحت إمرة خليفة واحد عندها يكون الفرج لهذه الأمة من هذا العذاب المتواصل. و بعد أن تم للغرب ما أراد من المسلمين بهدم دولتهم فقد عمل بعدها بشتى الوسائل والأساليب للحيلولة دون نهضة المسلمين و عودة دولتهم فقد عمد إلى الدولة الواحدة العظيمة فقسمها إلى كيانات هزيلة لا تقوى على الدفاع عن نفسها و كلما سنحت له الظروف جزاء هذا المجزأ من بلاد المسلمين و زرع بينها حدوداً مصطنعة و وضع على كل قطر عميل له يقوم بحراسة مصالحه في بلاد المسلمين و غير فكر الأمة بما يوافق مصلحته و جعل من جيوش الأمة المتعددة حراسا للأنظمة العميلة التي زرعها في الأمة من الأمة إن أرادت أن تتحرر من ربقة الاستعمار و إزالة هؤلاء العملاء و أقنع هذه الجيوش بالعداوة مع الأمة و الإخلاص لهذه العروش العميلة و زرع الفتنة في الأمة و أوجد لهذه الفتنة ما يغذيها في كل بلد من أجزاء متنازع عليها يثيرها وقت أراد في أي مكان يريد و قتل في الأمة الارتباط بهذه العقيدة المحركة لهذه الأمة وعدّها ضرباً من الماضي و قتل فيها روح الجهاد و قدس عندها روح الانفصال بتقديس الوطنية و كبر في نفوس الأمة الواحدة القوميات العصبية التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله: ((دعوها فإنها منتنة)) و بقوله: ((ليس منا مَن دعا إلى عصبية)) و بقوله: ((الفتنة نائمة لعن الله موقظها)). و جرد الغرب بلاد المسلمين كل معاني قوتها و الإعداد لها و جعلها تابعة له وفق ما يسمح هو به فقط. فمنع كل معاني التصنيع الحربي و الثقيل و كلما علم بوجود معنى للقوة في بلد من بلاد المسلمين اصطنع فيها الفتنة و دمر هذه القوة و قتل فيها التعليم الحقيقي و الروابط الاجتماعية و الأخلاقية و كل معاني الحياة الشريفة و نشر كل مفاهيم الفساد و الانحلال في الأمة و حرسها بقوانينه فعندما يشعر الغرب بعودة الإسلام أو برغبة عند شعب معين من شعوب المسلمين إلى الإسلام و كأنه يرقب فيها هذا عن كثب فلا يعطيها ادني فرصة للخلاص من الواقع المزري فيزرع الفرقة بين الشعب الواحد و الاقتتال إلى أن تصبح العداوة السائدة بدل الأخوة و الضعف بدل القوة و لكن نقول أن الخلافة هي وعد الله المصدوق و بشرى رسول صلى الله عليه و سلم و ليتمن الله هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار و لكن على الأمة العمل الجاد المخلص مع مَن نذر نفسه في الأمة لهذه الغاية فلم يغير و لم يبدل منذ بدأ و هو حزب التحرير إلى أن يتم هذا الأمر بإذن الله.
يقول تعالى: ((وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض)) فالاستخلاف في الأرض وعد الله المصدوق فلن يخلف الله وعده ولكن أولويات العمل الصالح الذي من شأنه الاستخلاف يجب أن يكون محدداً دون غيره من الأعمال الصالحة فالأعمال الصالحة كثيرة و لكن ليست كلها موصلة إلى هدف الخلافة فالخلافة العمل لها عمل محدد دون غيره و قد يكون بعض الأعمال الصالحة من ملهيات الأعمال المبعدة و المؤخرة عن الاشتغال بالأعمال المحققة لعودة الخلافة. فالأمة مطالبة بالعمل الجادّ لهذه الغاية و عدم التلهي بأي عمل آخر فواقع الأمة لا يحتاج إلى التأخير إن هي أرادت أن تخرج من ما هي فيه الآن فكل تأخير للأمة لهذه الغاية إعطاء فرصة جديدة للغرب من أجل حياكة مؤامرة جديدة على الأمة يوقعها في أحابيله. فيا أيتها الأمة الكريمة التي كرمها الله دون الأمم عودي لسابق عهدك عودي إلى رضا ربك و حققي الخيرية التي قال عنها الله ((كنتم خير أمة أخرجت للناس)) أقول كنني و ما زلتي أيتها الأمة إن أنتي عدتي إلى أمر ربك إلى إقامة الخلافة التي فيها رضا الله و فيها عزتك و كرامتك و مهابة الأمم لك و عودة سلطانك على الأرض و عودة قوتك و صدارتك بين الأمم ألا تشتاقين إلى ذلك إلى النصر الحقيقي و مواطن العزة الحقيقية لا المزيفة التي يصنعها حكام اليوم بلا واقع يؤكدها فاعملي أيتها الأمة مع من يعمل بإخلاص في الأمة لهذه الغاية و هو جادّ فيها غير مخادع اعملي مع حزب التحرير لينجو كل واحد فيك من الميتة الجاهلية التي حذرنا رسولنا الكريم منها بقوله: ((و من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)).
أمّا انتم أيها الحكام يا مَن ملّككم الغرب رقاب الأمة بلا حق رضيتم بأن تكونوا عبيدا للغرب ظالمين لشعوبكم قاهرين لهم تعملون فيهم بالإثم و العدوان و تعتبرون شعوبكم أعداءكم تسخرون مقدرات الأمة كلها لصالح الغرب لا تنصرون مظلوماً و لا مستغيثاً بكم بل تلاحقون كل مخلص و تحاول الخلاص منه تقتل الإخلاص بالأمة كل ذلك لتبقوا حكاماً عبيداً للغرب مقابل دراهم بخس معدودة.
أيها الحكام: إن كنتم لا تستطيعون الوقوف في وجه الغرب وقفة الرجال ففي الأمة كثير و الأمة ولادة و فيها الخير الكثير فأعلنوا لشعوبكم عجزكم عن ذلك و انزاحوا من وجه الأمة و اتركوا الأمر لها لكي تعرف طريق خلاصها و تسير فيه فارتاحوا و أريحوا قبل أن يأتي يوم لا مفرّ فيه لكم من الأمة التي قد تدوسكم فيه.
أما انتم يا أيها القوة و المنعة من ضباط جيش و أجهزة أمنية مختلفة أما آن لكم أن تعوا على حكامكم و أنهم يوردونكم موارد الهلاك و يسخرونكم في حراسة مصالح الغرب و لضرب الإسلام و المسلمين و يصنعون في كل يوم لكم خديعة لإشعال العداوة بينكم و بين المسلمين فيعود أحدكم يقتل أخيه المسلم و لا يكترث بغضب الله و كأنه قام بإنجاز يشكر عليه و كل ذلك في مصلحة الغرب و تمكيناً للغرب في بلاد المسلمين كما هو الحال في العراق و في أفغانستان و في باكستان و في قرغيزيا و في فلسطين و يكون القتل في كل مكان في المسلمين و بأيدي المسلمين لماذا نصبوا منكم قتلة و لم يجعلوا منكم حماة للإسلام و المسلمين حماة لأعراض المسلمين حماة لمقدسات المسلمين حماة لأرض المسلمين فاتحين دياراً جديدة لتخضعوها لسلطان الإسلام ناشرين للإسلام و عدله على ربوع العالمين فلا بارك الله في الرتب و لا الرواتب ولا النياشين إن لم يكن لها سهم في إعلاء شأن الإسلام و المسلمين و إقامة حكم الله في الأرض مقتدين سيرة الأبطال الفاتحين الأوائل من المسلمين من مثل خالد بن الوليد و صلاح الدين الأيوبي و محمد الفاتح و القائمة تطول بالغر الميامين من المخلصين الأبطال فكونوا أمثالهم ولا تتنكبوا الطريق لتكتب صفحاتكم بماء من نور فهذا شرف عظيم لا يمكنه الله إلا لمن أحبه و اصطفاه فكونوا أهلا لهذا الشرف العظيم الذي تنالونه من رب العباد لا الشرف المزيف الذي يصنعه لكم الحكام زوراً و بهتاناً في مواطن الخزي و العار و التآمر فإلى مواطن العز أدعوكم جميعاً أيها المسلمون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو عبد الله