من ارث مفكرينا وعلمائنا حملة الدعوة – قصيدة في ذكرى هدم الخلافة
مستمعينا الكرام! مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير،
أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد:
فموضوعنا لهذا اللقاء هو قصيدة نبحر فيها معكم هي من إرث المرحوم بإذن الله تعالى المفكر السياسي والشاعر الأستاذ يوسف أحمد السباتين – أبي العز.
يقول شاعرنا رحمه الله في قصيدة طويلة بعنوان:
حال الأمة الإسلامية بعد هـدم دولة الخلافة
ولا يسمح المقام بذكرها كاملة, ولكنني أقتطف لكم منها هذه الأبيات الرائعة الجميلة حيث يبين شاعرنا وأستاذنا في بداية القصيدة كيف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام, وكيــف طلـب النصرة من أهــل القــوة والمنعة؛ ليقيم معهم وبهم دولة الإسلام, وكيف أن الأوس والخزرج من أهـل يثرب بايعوا على الموت رسولَ الله, وكيف نصروا دعوة الله, فهدمـوا صـروح الكفـر والفـساد, وأقامـوا صرح دولـة الإسلام فنالوا عز الدنيا, وفازوا بنعيم الآخرة.
رسُـــولَ اللهِ يـَـــا خيـــرَ العـِبَــادِ فيـَـا مَــن أنــتَ للثـقـليــن ِ هـــادِ
دَعَـوتَ النـَّـاسَ للإسـلام ِ طـُــراً فآمــنَ حَاضـــرٌ منهـــم وَبَــــــادِ
أبَى زُعمَـــاءُ قـومِـكَ أنْ يـكونـُوا دُعَـــاة َ الحَــقِّ أهـــلا ً للرَّشـَــادِ
خرَجْــتَ تـُريــدُ نصرًا من أناس ٍ فكــانَ جـَوابُـهُمْ شَــوكَ القــتــَــادِ
ولمَّـــــــــا أنْ أرَادَ اللهُ عِــــــــزًا أتــَـاكَ الــوَحْــيُ أوقــَاتَ الرُّقــَادِ
وأرْكبكَ البُـرَاقَ وَطِـرتَ شوقـــاً إلــى الأقصَــى لهاتيـــكَ البــِـلادِ
وَعَـــرَّجَ في السَّماءِ بجُـنح ِ ليل ٍ لأمــر ٍ جَــاءَ مِــنْ رَبِّ العـِـبـَــادِ
وَقــدْ فـرَضَ الإلـهُ عليـكَ خمْسـاً مـنَ الصلـوَاتِ تدعـُــو لِلرَّشــَــادِ
وعـُـدْتَ وَعَـــادَ للإســلام ِ ذكـــرٌ قـــَويٌ فـي الحَواضِـر ِ وَالبَـوادِي
طلبْتَ النـَّـصرَ مـِنْ زُعَمَـاءِ قوم ٍ فمَــا بَرحَـــتْ قبائلـُهُــم تـُعـَــادِي
وَجَـــاءَك وَفـْـدُ يَثــربَ مِــنْ بَعيــدٍ قـُلوبُهُــــــمُ تـُهَيـَّـــــؤُ لِلرَّشــَــــادِ
وَعَــادُوا مَـــرة أخــرى لعَهْــــدٍ لِنصْــر ِ الدِّيـن فــي كـُـلِّ البــِلادِ
وَلمَّــا أنْ دَعَـــوكَ لأرض ِ عــز ٍ هَجَــرْت بطـاحَ مَكـة َ وَالبـَـوَادِي
وخلَّفــْــتَ المَنــَـــازلَ بَاكـِيـَـــاتٍ وَجَــاءَ الصَّحْــبُ بَعــدَكَ لِلجهَــادِ
مَضيتَ مُهاجـرًا فـي جُنـح ِ ليــل ٍ وَشوقــُــكَ لِلمَدينــَـةِ فــي ازديـَـادِ
أقمْــتَ بهَـــا لِديـــن ِ اللهِ صَرْحــاً هَدَمْــتَ بـــهِ صُرُوحــــًا لِلفـَسَـادِ
هَدَمْتَ حُصُونَ خيبَرَ في عِــرَاكٍ وَنازلــْــتَ القبائـِـــــلَ بالطـِّـــرَادِ
وَمَكــَّة ُ يـَا لـَمَكــَّـة َ كيـفَ دانـَـتْ وَدَانــَـتْ بَعدَهــَــا كــُــلُّ البـِـــلادِ
وَجـَاءَتْ بَعـدَكَ الخـُلـَـفــَاءُ تتــرَى لِنشر ِ هُـدَاكَ فـي وَسَــطِ البَـوَادِي
ويقول شاعرنا الأستاذ يوسف السباتين رحمه الله واصفاً كيف تآمر أعداء الإسلام على دولة الخلافة ممثلين بالإنجليز, وكيف عملوا على هدمها بالتآمر مع حفنة من خونة العرب والترك:
وظلَّ الصَّـرحُ صَرْحُــكَ مُستقـراً إلــى أنْ جَـــاءَ أشــــرَارُ العِـبـَـادِ
أتاتـُــوركُ اللـَّعـيــنُ وَناصِــــرُوهُ رُمُـوزُ الكفـر ِ مِـنْ أهْــل ِ العِـنـَادِ
يَهُـــودِيٌ تسلــَّــــقَ فِـــي خفـَـــاءٍ قيـَـــادَة قــُــوَّةٍ رَهْــــنَ الجـِهَــــادِ
تآمَـــرَ مَــــعْ فِئــَــاتٍ كافـِـــرَاتٍ فـَهُــدَّ الصَّــرحُ واحتـُلـَّـتْ بـِلادِي
وَجَـاءَ شريـفُ مَكـَّـة َ فـي غـُـزَاةٍ حِمَــارُ سيَاسَـــةٍ يَرعـَــى بـِـــوَادِ
وَلـــمْ يَفقــَـــهْ كـِتــَــابَ اللهِ لمَّــــا نهَاهـُـمْ عَــنْ مُحَالفــةِ الأعـَـــادِي
رَصَاصَـة ُغدرهِـمْ قـدْ صَوَّبـُوهـَا لأمَّـتِنــَـا فحَـلــَّــتْ فِــــي الفـُــؤادِ
وَصـَـارَ الإنجليــــزُ لهـُـمْ حليفـــًا يُوَجِّهُهُـــــمْ لإحْــــــدَاثِ الفسَــــادِ
فكــمْ قـتـلـُـوا ببيــْـــتِ اللهِ جُـنـــدًا مِنَ الإسـلام ِ ليـسَ مِـنَ الأعـَـادِي
ثم يصف شاعرنا الجليل بكل حسرة وألم الحال المزري الذي وصلت إليه أمــة الإسـلام بعــد هــدم دولة الخلافة فيقول:
وَبَعْـــدَ كِيــــان ِ إيمَــان ٍ غـَدَونــا كِيَانـَـــاتٍ شدِيـــــدَاتِ السَّــــــوَادِ
تـَـرَأسَ كــُــلَّ وَاحِــــدةٍ عَميــــلٌ وَبُغضُهُــــمُ لِديــــنِ اللهِ بـَــــادِي
بَنـَـوْا غيــرَ الـذي يَرْضـَاهُ رَبـِّـي بَنـَـوْا أحْكامَهُـــمْ ضِـــدَّ الرَّشـَــادِ
وَهـَـذا الحَـــالُ إذ يُنبيــكَ عَنهُـــمْ خزايـَـا خانِعـيــنَ لِكــُــلِّ حـَــادِي
رَسُـــولَ اللهِ قـُـمْ وَانظـُــرْ بـِــلادًا تقحَّمَهـَــا الـــرَّدَى فـِـي كــُـلِّ وَادِ
تـرَى الرَّايــاتِ فيهـَــا قــدْ أذلـَّــتْ وَلـُطـِّخـَــتِ البَيـَـــارقُ بالسَّــــوَادِ
تـرَى القـُـدْسَ الشريفـَة َ قـدْ أهينـَتْ يَجُــوبُ رُبُوعَهَــا خـَصْــمٌ مُعـَـادِ
وَدَالــَـتْ دَولــَــة ُ الإسـلام ِ لمَّـــا هَجَرنـَا الشـَّـرع حـُكمـــًا لِلعِـبَـادِ
وَأصبَحْـنـَا كمِثـــل ِ غـُثــَاء سَيــل ٍ تمُــرُّ بــِـلا حِسَــــاب ٍ أو عِــــدَادِ
أو الأيتــام ِ قــَـدْ فـقـَــدُوا أبَاهـُـــمْ وَلا أمٌ تزوِّدُهـُـــــــــمْ بـِـــــــــزَادِ
نـَهيمُ علـى الوُجُــوهِ بكـُـلِّ أرْض ٍ وَنخضَـــعُ رَاكِعـيــنَ لِكـُــلِّ حـَـادِ
وَحُكــَّامٌ لـَـنـَــا فيهــــمْ فعــَـــزِّي مُرُوءَتـَهُـــمْ وَكـُرهَهُـــمُ الجهَــــادِ
فــَـلا عِـــزَّ وَلا إسْــــلامَ فيهـــــمْ وَلا غـَــوْثٌ إذا نـَــادَى المُنــَـادِي
ثم يتوجـه شاعرنا رحمه الله تعالى بالخطاب إلى جميع المسلمين في أنحاء العالـم, وإلـى أهــل القــوة منهـم على وجه الخصوص حاثاً إياهـم على العمـل مـن أجـل التغيـير على هـؤلاء الحكام الرويبضات الذيــن خانـوا الله وخانـوا الرسول وجماعة المؤمنين, وقـد نصبـوا أنفسـهم آلهـة دون الله, يشرعون للبشر ما لـم يأذن به الله, فيحلوا ما حرم الله افتراءً عليه. يقول شاعرنا وأستاذنا:
برَبـِّـــكَ أيُّهـَــــا الغـَافـِـي تـَيـَقــَّظ فهَــلْ بَعـــدَ الفظائِــع ِ مِــنْ رُقــَادِ
ألــمْ تـُوقِظـْــكَ هَجْمَــاتُ افـتِــرَاءٍ عَلـَى الإسـْلام ِ مِـنْ أهْـل ِ الفـَسَـادِ
فهـَـــذا الكـُفـــرُ أبـــدَى نـَاجـِذيْــهِ وَليـــسَ أمَامَنـــَا غـَيــرُ الجـِهَـــادِ
وَحُكــَّـامٌ لـنـَــا رَفـَعُــوا شِعـَـــارًا بفصل ِ الديـن ِ عـنْ حُكــم ِ العـِبادِ
فـَــوَاحِدُهـُـــــمْ غـَـــدَا للهِ نـِــــــدًا يَقــُـولُ أنــَـا المُشــرِّع ُ لِلرَّشـَـــادِ
حَرَامُ الخمْر ِ قـدْ أضحَى حَــلالا ً ربَــا فضـْــل ٍ عِمـَــادَ الاقتِصـَــادِ
ثم يذكر شاعرنا رحمه الله تعالى دور هؤلاء الحكام المجرمين في الصد عـن سبيل الله, ومحاربة حملة الدعوة الذين لا ذنب لهم سوى قولهم ليس لنا رب سوى الله, هو وحده المشرع وهو وحده الآمر الناهي, وأن شرع الله يجب أن يكون مطبقاً في واقع حياة المسلمين. يقول شاعرنا وأستاذنا:
وَصَارَتْ دَعْـوَة ُ الإسلام ِ جرمـًا يُحَـــارَبُ أهلـُهـَـا فـِــي كـُـلِّ نــَادِ
أصُوليـِّيـــنَ سَمَّوْهـُـــــمْ عـِــــدَاءً وَوَصْــــمٌ بالتطـَـــرُّفِ وَالفـَسَــادِ
جُيُــوشٌ جُــــرِّدَتْ أبَـدًا عَليهــِــمْ تـُحَاربُهُــمْ تـُقـَاتـِلـُهُـــمْ تـُعَــــادِي
تـَشُــنُّ هُجُومَهـَـا فـِـي كـُـلِّ يـَـوم ٍ عَلى أهـْـل ِ التـُّـقـى أهـْـل ِ الرَّشَادِ
فـَتـقـتـُـلـُهُـم وَتأسِـــرُ مَــنْ أرَادَتْ وَتحبـِـــسُ كــُــلَّ دَاع ٍ لِلجهـَــــادِ
وَلا ذنـْــــبٌ لـَهـُــــمْ إلا َّ دُعـَــــاءٌ إلــى الإسْــلام ِ حُكمــــاً لِلعـِبـَــادِ
وَأنظِمـَــةِ اقتصــــادٍ وَاجْتـِمـَــاع ٍ وَسَـيـْــر ِ خليفــَةٍ سُبُــــلَ السَّــدَادِ
ألا قـُـمْ يـَـا أخـِـي وَانظـُــرْ مَليـَّــًا فهَـلْ أحَــدٌ مِـــنَ الحُكــَّـام هـَـــادِ
فقــَـدْ ضـَلــُّـوا السَّبيــلَ تـَنـَكـَّبـُوهُ وَمَــا سَلكـُـوا طريقــــًا لِلرَّشـَـــادِ
فرَغْبتـُهُـــمْ نِسـَـــاءٌ ثــُــمَّ مَـــــالٌ وَدَيدَنـُهُــم مُــــَوالاة ُ الأعـَــــادِي
وَتـَرْحيـبٌ بأفـكـَــار ِ النـَّصَـارَى وَحِفــْـظ ٌ لِليَهُــودِ مِــنَ العَــوَادِي
كما ولم يغفل شاعرنا دور العلماء الذين يصلح بصلاحهم أمـر هـذه الأمـة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس, وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء».
هؤلاء العلماءاليوم يوالون الحكام, ويشجعونهم على الفساد, بدلاً من أن يقودوا الأمة للوقوف في وجوه الحكام من أجل إزالة المنكرات التي اقترفوها.
وأصْحـَــابُ العَمَائـِــم ِ أيَّدُوهـُـــمْ عَلــى غـَــيٍّ بتشجيـــع ِ الفـَسَـــادِ
وَيُـفـتـُـونَ الحـَــرَامَ لـَهُــمُ حـَـلالا ً وَيَأبـَـــى اللهُ إضـْــــلالَ العـِبـَــــادِ
رَسُـــولَ اللهِ إنَّ القــَومَ ضـَلــُّــوا وَلـَمْ تـزل ِ السَّـفاهـَـةُ فـِي ازدِيـَادِ
إلامَ البَغـــيُ يَبقــَـى فـِــي حِمَانـَـا وَيَبقــَى الجَهـْــلُ يَهْـــزمُ لِلرَّشـَـادِ
وينتقل شاعرنا إلى دور الشباب في نصرة الإسلام, ويدعـو جميع أفراد الأمة خصوصاً القائمين على التغيير أن يديموا صلتهم بالله يستمدون منه العون والتأييد, فهو وحـده الذي يهب النصر, وهو وحــده القادر على كل شيء الذي يقول للشيء كن فيكون, وهو القاهر فوق عباده, والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يقول شاعرنا وأستاذنا:
لـَعَمري فـِي شـَبـابِ اليَـوم عَـزمٌ يُحَرِّكـُهُـــمْ إذا نـَــادَى المُـنــَــادِي
إلِـى التغييــر ِ هُبـُّـوا وَاستجيبـُـوا فهَــذا الكـُفــرُ يُمعِـنُ فـِـي الفـَسَـادِ
فـَهُبـِّـي أمَّــةُ الإسْـلام ِ وَارْمِـــي بـرَهـْـــطٍ شأنـُهُــمْ بَيـْــعُ البـِـــلادِ
وَدُوسـِـي بالنـِّعـَال ِ عَلى لِحَاهُــمْ فقــَـدْ أوْهـَــتْ سِيَاسَتـُهُــمْ بـِـلادِي
يُــوَالـُـونَ العِــدَا فـِـي كـُـلِّ أمْــر ٍ فبَعْــضٌ رَائـِـــحٌ مِنهُـــمْ وَغـَـــادِ
فهـَـلا عَـــوْدَة ٌ لِلـــــــــهِ صِدْقـــًا لـِيَنـْصُرَكــــــُم على كلِّ الأعَــادِي
وَجُـــودُوا بالنـُّـفـُوس ِ إذا دَعَاكـُمْ فـَشـُــحُّ النـَّـفـسِ إحْبـَاط ُ الجهَـادِ
وغـَيـرَ اللهِ لا تـَرْجُــوا نـَصْـــرًا وَلـَـو كـُنتـُـــمْ كأعْــــدَادِ الجَـــرَادِ
وَمَـنْ يَكـُـن ِ الإلـَــهُ لــَهُ نـَصيـرًا فـَـلا يَعْـبـَـأ بكثــْرَةِ مَـــنْ يُعَــادِي
وفي الختام:
رحم الله أستاذنا أبا العز يوسف السباتين وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.