أما في أمة الإسلام سيف يخاف صليله الباغي الكفور
الحمد لله خلق فسوى، وقدر فهدى، وجعلنا من أمة عبده ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وعلى أصحابه أعلام الهدى، وعلى من تبع هديه من أسود الدين وليوث العدا، من مبعثه وحتى يحشر الناس غدا… أما بعد:
لقد بيّن القرآن الكريم أن الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية, والمصالح المادّية, وما شُرع من مباهج الحياة, هي من القيم التي لا يُستنكر على المسلمين أن يحرصوا عليها ما لم تُفضّل على قيمة الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلوات ربي وسلامه عليه, وتلبية نداء الجهاد في سبيل الله.
ذلك أن قيمة إطاعة الله ورسوله والقيام بأمر الجهاد في شرع الله فوق كل القيم جميعاً, وأيّ عبثٍ بهذا النَسَق في ترتيب القيم التي حددها الله للأشياء والأعمال هو فِسقٌ وخروج عن المنهج الذي رسمه الله لحياة المسلمين ويُعرضهم للسخط والتهديد.
يقول الله تعالى: ” قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ “. التوبة24
ولقد بيّن الصحابة والتابعون الكرام رضوان الله عليهم أجمعين هذا المنهج بسيرهم العطرة متأسّين بالنبع الصافي الذي لا ينضب, محمد طب القلوب ودوائها صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم. فكانوا المثال والقدوة في الجهاد وإيثار النفس في سبيل الله على المال والأهل والولد وزينة الحياة الدنيا… ففي أحُد التقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان ، فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شداد بن الأسود ، وهو ابن شعوب ، وقد علا أبا سفيان . فضربه شداد فقتله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صاحبكم ، يعني حنظلة ، لتغسله الملائكة . فسألوا أهله ما شأنه ؟ فسئلت صاحبته عنه . فقالت : خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة . “سير أعلام النبلاء”
خرج حنظلة غسيل الملائكة رضوان الله عليه بعد أن سمع هاتف الجهاد يقول: يا خيل الله اركبي, وكانت ليلة زفافه على زوجه بعد أن زُفت إليه , فترك حنظله عروسه ونسي فرحته الصغرى طمعا في الفرحة الكبرى ، فشغله نداء الجهاد عن كل شيء ، وأعجلته الاستجابة السريعة حتى عن الاغتسال.
قال تعالى: ”مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ” آل عمران 152
وخلف من بعدهم خلف أضاعوا كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام, فأصبح القرآن صورة تزدان به الجدران أو يُتلى في الجنائز فقط, وأبعدوه بل وأزالوه من نظام الحكم وأجهزة الدولة فتعطلت بذلك أحكام الله وسنة نبيه فأصبح الجهاد عدوانا واحتلالا بعد أن كان فريضة وفتحاً, بل إنهم منعوا أبناء الأمة من جهاد الدفع أيضا وتاجروا بدمائنا وأسلمونا للكافر المستعمر بعد أن استبيحت بيضتنا.
كل ذلك كان نتيجة سقوط دولة الخلافة الإسلامية وتولي زمام أمور الأمة حكام ظلمة فسقة كفرة أذناب للكفر والكافرين.
وتاهت الأمة الإسلامية تيه بني إسرائيل بل أشدّ وطئاً, وأصبحت جيوشها الجرارة للعروضات العسكرية وحفظ أمن الحاكم وزمرته. وكل ذلك والأمة تغلي كغلي الحميم على حكامها أن رضوا بالذل والهوان والتشرذم وتفرق الكلمة.
وإني أسأل نفسي وإياكم؟!
أما في أمة الإسلام سيفٌ يخاف صليله الباغي الكفور؟!
أما في أمة الإسلام ضابطٌ أو جنديٌّ يعيد مجداً تليداً بأيدينا أضعناه؟!
سؤال حق لنا والله أن نسأله بعد أن رأينا أن الأمة ما زالت بخير وأن العقيدة الإسلامية توهّج نورها في قلوب أبنائها, بل فيها كل المؤهلات لأن تعود إلى قيادة الدنيا، ولأن تكون الدولة الأولى في العالم, من حيث الثروة المادية، والموقع الجغرافي، و الثروة البشرية والفكرية, هذا ناهيك عن المحرك والحافز للتضحية في سبيل جنة عرضها السموات والأرض ورضوان من الله أكبر.
عدا عن ذلك أن الكفار اليوم قد خالطهم هرم وشيخوخة، وغرور بالنفس وعنجهية, حتى باتت حملات جهادية فردية هنا أو هناك أو من قبل حركات إسلامية تقض مضاجعهم وتؤرقهم بل وتقف ترساناتهم العسكرية عاجزة أمامهم, فما بالكم لو واجهوا دولة يكون فيها الجيش خارجا للقاء وجه ربه لا يريد جزاءً ولا شكوراً, يحرص على الموت كحرصهم على الحياة!
إخواني الكرام:
نشرت صحيفة “ذي نيشن” قبل أيام قليلة تعليقاً على مقابلة للجنرال ريتشارد دنّات، تحت عنوان : الحرب الأفغانية حربٌ على الإسلام، حيث ذُكر أنّ قائد القوات البريطانية السابق – الذي تقاعد حديثاً وعُيّن مستشاراً للدفاع ضمن رئاسة رئيس الوزراء البريطاني الجديد يوم الأحد – أكد على أنّ الحرب في أفغانستان حربٌ على الإسلام، وذلك في مقابلة له على راديو بي بي سي في برنامج عندما سُئل عن استمرار بريطانيا في احتلال افغانستان، قال الجنرال ريتشارد دنّات: هناك أجندة إسلامية والتي إن لم نتعرض لها ونواجهها في جنوب أفغانستان أو في أفغانستان أو جنوب آسيا، فإنّ تأثيرها سوف ينمو وينتشر. وقال: يمكننا أن نراها تتحرك من جنوب آسيا إلى الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا حتى تصل إلى العصر الذهبي للخلافة الإسلامية في القرن الرابع عشر والخامس عشر. وقال : بصراحة إذا تبنى المسلمون الأفكار السياسية في الإسلام ونظام حكم الخلافة، فإنّه سيكون غير مقبول، وسيكون الرد العسكري من قبل بريطانيا مُبرَّراً! وأضاف: لا يوجد لديه مشكلة مع المسلمين في صلاتهم أو في إقامة الشعائر الدينية، ما داموا مستسلمين وخاضعين للحياة السياسية والقيم الغربية .
هذه التصريحات ليست الشاهد الوحيد على ما نؤكده من دنو الخلافة ورعب الغرب الكافر منها, بل إن الواقع الذي تحياه الأمة يدل على ذلك أتم الدلالة والوضوح، فالأمة الإسلامية اليوم باتت تتطلع للخلافة وللوحدة الإسلامية ولتطبيق الشريعة في كافة مناحي الحياة، وبات تمسك الأمة بالإسلام اليوم أكثر من أي وقت مضى، وباتت الأمة على أتم استعداد لتقديم التضحية تلو الأخرى في سبيل دينها، يدفعها إلى ذلك ترسخ مفاهيم العقيدة لديها، وإدراكها الحسي أن لا خلاص لها مما هي فيه سوى بالعودة للإسلام عبر إقامة دولته، وبات شعار “إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله” مفهوماً عملياً مجسداً لدى الأمة بأسرها، كما أن الحكام الجاثمين على صدرها قد بانت سوءاتهم في وضح النهار، وباتوا يناصبون الأمة ومشروعها الحضاري العداء علانية فهم شركاء أمريكا والغرب في الحرب على الإسلام، بل إن القوى الغربية قد انكشفت سوءاتها كذلك فبانت هشاشة جيوشها وقوتها العسكرية برغم امتلاكها لأعتى آلة عسكرية.
فآن الأوان يا أمة الاسلام لتوديع الهوان… آن الأوان أن تتحركي تحرك المبصر لطريقه ….
آن الأوان أن يَحكمَ القرآن … آن الأوان أن ترفضي حكم الشعب وحريات الغرب …
آن الأوان لوحدة الإخوان … آن الأوان أن تطلـِّـقي الوطنيات والقوميات ….
آن الأوان للعصيان …. آن الأوان أن تخلعي ربقة الحكام…
وإنها والله نصرة لو أعطيت, وسيوف مسلولة لو شُرّعت, لتلتحم فيها الدعوة مع المنعة ثم تكون خلافة على منهاج النبوة, فيقف مارد الخلافة على قدميه من جديد يهز أركان الكفار ويزلزل عروشهم فتعود أمة الإسلام سيفاً يخاف صليله الباغي الكفور.
(إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق3
أخوكم أبو عبدالله الدرابي