الحلقة الثانية عشر حقوق الزوجة
مُستَمِعينا مُستَمِعي إذاعَةِ الْمَكْتَبِ الإعلامِيِّ لِحِزْبِ التَّحريرِ، نُحَيِّيكُمْ بِتَحِيَّةِ الإسلامِ، فالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعالى وَبَرَكَاتُهُ، وَنُكْمِلُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ قانِتاتٍ حافِظاتٍ وَمَوضُوعَ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ.
تَحَدَّثْنا في الحَلَقَةِ السَّابِقَةِ عَنْ بَعْضِ حُقوقِ الزَّوْجَةِ وَقُلْنا إنَّ مِنْ حَقِّها اختيارَ الزَّوجِ وَإنَّ لها حَقًّا بِالمَهْرِ وَكَيْفَ أنَّ الشَّرْعَ أسماهُ بِالنِّحْلَةِ أي الصَّدَقَةِ وَلا يَتَسنَّى أَخْذُهُ إلا بِرضا مِنها، وَاليَوَمَ سَنَتَحَدَّثُ عَن باقي هذِهِ الحُقُوقِ مِنْها حَقِّها بِالنَّفَقَةِ وَحَقِّها بِالمِلْكِيَّةِ الخَاصَّةِ.
وَنَأْتي الآنَ إلى حَقِّها بِالنَّفَقَةِ، وَيُرادُ بِذلِكَ: نَفَقَةُ المرأَةِ وَتَتَمَثَّلُ في: الطَّعامِ وَالكِسْوَةِ وَالسُّكْنى هذا هُوَ الْمُرادُ بِها، وَكَذلِكَ الْحاجاتُ وَالكَمالِيَّاتُ؛ فَالإنسانُ بِحاجَةٍ إلى الأكلِ وَإلى الكِسْوَةِ وَإلى الْمَسْكَنِ، وَالمَرأةُ عِندَما َتسَلَّمَها زَوَجُها، سَلَّمَتْ نَفْسَها إلَيهِ وَهِي واثِقَةٌ بِأنَّهُ سَيَقُومُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْها.
وَكذلِكَ لَيس مِنَ العادَةِ أنَّها تَتَكَسَّبُ وَأَنَّها تُنْفِقُ على زَوجِها أو على نَفسِها، الأصْلُ أنَّ زَوجَها هُوَ الذِّي يَقُوم بِذلِكَ، وِبذلك يَكْتَسِبُ القَوامَةَ عليها قالَ اللهُ تعالى: ” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بعضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (النساء 34) أخبرَ بأنَّ النَّفَقَةَ عَلَيهِ يَعْني بِما أَنْفَقُوا؛ فلِذلكَ كانُوا قَوَّامينَ على النِّساءِ.
كَذلكَ قولُ اللهِ تعالى: ” وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ” ( البقرة 233) المولودُ لهُ هو الزَّوجُ.
“عَلَيهِ رِزقُها” يعني طعامُها وَكِسوَتُها وهكذا قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ في خُطْبَتِهِ في حَجَّةِ الوَداعِ قالَ: اتَّقُوا اللهَ في النِّساءِ فإنَّكم أخذْتُموهُنَّ بأمانَةِ اللهِ، واستحْلَلْتُم فروجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَهُنَّ عَليكُم رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعروفِ، وَلكُم عَلَيْهِنَّ ألا يُوطِئنَ فروشَكُم مَن تَكْرهونَ، وَلا يَأذَنَّ في بيوتِكُم لِمَن لا تُريدونَ فَجَعَلَ عَليكُم رِزقَهُنَّ أي طعاماً وِكسوةً وَسُكنى.
وقال تعالى: ” لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ” ( الطلاق7) فَهكَذا أمرَ اللهُ الزَّوجَ بأنْ يُنفِقَ على زَوجَتِهِ.
وَكذلكَ تَجِبُ النّّفقةُ لِلرَّجْعِيَّةِ. فإذا طَلَّقَها طلاقاً رَجْعِيًّا كَطَلْقَةٍ أو طَلْقَتَينِ فَما دامَتْ في الْعِدَّةِ يُنْفِقُ عَلَيْها؛ لأنَّها في حُكْمِ الزَّوجَةِ وَيُسْكِنُها يَقولُ تعالى: ” لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ” ( الطلاق 1) فَيُنْفِقُ على الرَّجْعِيَّةِ حتى تَنْتَهِيَ عِدَّتُها، فإذا انْتهَتْ عِدَّتُها أخرَجَها.
وَتَجِبُ النَّفَقَةُ على الحامِلِ لِقَولِهِ تَعالى: ” وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ” ( الطلاق 6)
يَقُولُ العُلَماءُ: إذا طَلَّقَها وَهِي حامِلٌ أُلْزِمَ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيها حتى وَلَو كانَ الطَّلاقُ بائِنا كالثَّلاثِ فإنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ، أي لَيْسَ لها إنَّما يكونُ لِلْحَمْلِ بِحَيث إنَّه يكونُ كَنَفَقَةِ الأقارِبِ.
وَنَفَقَةُ الزَّوجَةِ نَفَقَةُ مُعاوَضَة؛ وَلهذا إذا فاتَتْ فإنَّهُ يَغْرَمُها فَلَوْ مَثَلا غابَ أو قَطَعَ النَّفَقَةَ بِدُونِ سَبَبٍ ثُمَّ إنَّها أنْفَقَتْ على نَفْسِها أو تَكَسَّبَتْ أو أنْفَقَ عليها غَيْرُهُ، ثُمَّ جاءَ بَعْدَ خَمْسَةِ أشْهُرٍ؛ فَلها أنْ تُطالِبَهُ وَتَقُول: أطالِبُكَ بِنَفَقَةِ خَمْسَةِ الأشْهُرِ لأنِّي أنا أسْتَحِقُها عَليكَ وقدْ تركْتَنِي بِدُونِ نَفَقَةٍ.
فَيَغْرَمُ لها نَفقةَ الأشهرِ الماضيةِ، إلا إذا كانتْ مُطَلَّقَةً ثلاثا وَهي حاملٌ فإنَّ النَّفقةَ للحَمْلِ، وَنَفَقَةُ الْحملِ كَنَفَقَةِ الأقارِبِ أي تَسْقُطُ بِمُضِيِ الزَّمانِ.
وَتَكُونُ النَّفقةُ بِقَدَرِ الحاجَةِ وَبِقَدَرِ الكِفايَةِ أي لا زيادَةَ وَلا نُقصانَ ؛ فالزِّيادةُ قد تُجْحِفُ بالزَّوجِ وَالنَّقصُ قد يَضُرُّ بِالزَّوجَةِ. “وَتُعْتَبَرُ بِحالةِ الزَّوجَيْنِ في مَحَلِهِما” أي بِحالةِ الزَّوجَيْنِ في البَلَدِ الذِّي هُما فيهِ.
وإذا امْتَنَعَ الزَّوجُ عنِ الإنفاقِ على زَوجَتِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْها الوُصولُ إلى مالِهِ لِلإنفاقِ بأيِّ وَجْهٍ منَ الوُجوهِ فإنَّ لها أنْ تَطْلُبَ الطَّلاقَ وَعلى القاضي أنْ يُطَلِّقَ في الحالِ دونَ إمهال، لأن الرَّسولَ يَقولُ: «امرأَتُكَ مِمَّنْ تَعولُ تَقولُ أطعِمْنِي وإلا فارِقْني» أخْرَجَهُ الدار قطني وأحمد، ولأنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ كَتَبَ في رِجالٍ غابوا عنْ نِسائِهِم فأمَرَهُم أنْ يُنفِقُوا أو يُطَلِّقُوا، وَقَدْ عَرَفَ الصَّحابةُ ذلكَ ولم يُنكِرُوا عليهِ فكانَ إجماعاً.
فالرَّجُلُ مُكَلَّفٌ بِالنَّفَقَةِ على المرأةِ، وَهذه النَّفَقَةُ حَقٌّ لِلمرأةِ وَنَصيبٌ مَفروضٌ في مَالِهِ، لا يَسَعُهُ تَركُها مَع القُدْرَةِ، فَعَلَيْهِ بَذْلُ الْجُهْدِ لِيُنْفِقَ على زَوجِهِ وَوَلَدِهِ وَمَنْ يَعولُ حتى لا يَكُونَ مَلعوناً كَما أَخْبَرَنا صلى الله عليه وسلم : ” مَلعونٌ مَلعونٌ مَنْ يُضَيّعُ مَنْ يَعُول”
وَهذا الحقُّ لَها لا عَلاقَةَ لَهُ بِحَقِّها في امتِلاكِ المالِ وَالتَّصَرُّفِ بِهِ، مِن خِلالِ إرادَتِها وَذِمَّتِها المالِيَّةِ الْمُستقِلَةِ كالرَّجُلِ -على حدٍ سَواء-. وهذا حقٌّ ثابتٌ في الشَّرعِ الْمُطَهَّرِ، وإذا كانَت الجاهليةُ المعاصِرَةُ تَعْتَبِرُ المرأةَ ناقصةَ الأهليَّةِ في اكتسابِ المالِ وَصَرْفِهِ حتى النِّصفِ الثاني مِنَ القرنِ العشرينَ، كما هُو في القوانينِ اللاتينِيَّةِ، فإنَّ المرأةَ في الإسلامِ تُعْتَبَرُ شَخْصاً كاملَ الأهليَّةِ في هذا الْمَجالِ، لا فَرْقَ في ذلكَ بَيْنَها وَبَيْنَ الرَّجُلِ.
وَمِنْ هُنا يُمْكِنُنا الانتقالُ مُباشَرَةً إلى حقٍّ آخَر مِنْ حُقوقِ المرأةِ ألا وَهُوَ حَقُّها في التَّمَلُّكِ ، فالمِلْكِيَّةُ الفَردِيَّةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ بِالعَيْنِ أوِ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضي تَمْكينَ مَنْ يُضافُ إليهِ مِنَ انْتِفاعِهِ بِالشَّيءِ وَأَخْذِ العِوَضِ عَنْهُ.
فَالمِلْكِيَّةُ الفَرْدِيَّةُ حقٌّ شَرعِيٌّ لها، وَلَها أنْ تَمْلِكَ أموالاً مَنْقُولَةً وَغَيْرَ مَنْقُولَةٍ ، وهذا الحقُّ مَصُونٌ وَمُحَدَّدٌ بِالتَّشريعِ وَالتَّوجيهِ ، وَلِلْمَرْأَةِ سُلطانٌ على ما تَمْلِكُ لِلتَّصَرُّفِ فيهِ، في حُدودِ أوامِرِ اللهِ وَنَواهِيهِ.
وَقَدْ جَعَلَ التَّشريعُ صِيانَةَ حَقِّ الْمِلْكِيَّةِ واجِباً على الدَّولَةِ وَجَعَلَ احْترامَها وَحِفْظَها وَعَدَمَ الاعتداءِ عَلَيها أمراً حتمياً بَلْ وَجَعَلَ عُقوباتٍ جازِمَةٍ لِكُلِّ مَنْ يَعْبَثُ بِهذا الْحَقِّ .
فَخِطَابُ الشَّارِعِ بِخُصُوصِ الْمِلْكِيَّةِ جاءَ خِطاباً لِلإنسانِ كَإنسانٍ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ رَجُلاً أو امرأةً، فَلَها الْحَقُّ أنْ تَمْلِكَ بِأي سَبَبٍ مِنْ أسبابِ الْمِلْكِيَّةِ وَلَها أن تُنَمِّيَ أمْوالَها بِأَي وَجْهٍ تَراهُ بِنَفْسِها أو بِغَيْرِها.
نَكْتَفي بِهذا القَدَرِ لهذا اليومِ، وَسَتَكُُونُ لنا عَوْدَةٌ أخْرى لِبَيانِ باقي حُقوقِ الزَّوجَةِ في الْحَلَقَةِ القَادِمَةِ بإذنِ اللهِ، إلى ذلك الحينِ نَتْرُكُكُمْ في رِعايةِ اللهِ وَحِفْظِهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ تَعالى وَبَرَكَاتُهُ.
أم سدين