سلوكياتنا بين العادة والعبادة -ح3- صالات الأفراح
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا العظيم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
حياكم الله مستمعينا مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير ،،
ونقدم لكم من استوديو البث المباشر لإذاعة المكتب الإعلامي ::
حلقة جديدة من حلقات “سلوكياتنا بين العادة والعبادة “
فبعد أن تحدثنا في حلقات سابقة عن المهر وعن طلبات أهل العروس نأتي الآن لما يجري بالأفراح هذه الأيام، ففي الأعراس، هذه الأيام، تحصل أمور مشروعة وتحصل أمور غير مشروعة. ففي بعض الأعراس يشربون الخمور وهذا حرام. وفي بعضها تكون عورات النساء بارزة، بل إن غالبية الأعراس تكون فيها نساء متبرجات وكاشفات عوراتهنّ، وهذا شيء حرام. والحرام في مثل هذه المواقف هو على المتبرجات الكاشفات لعوراتهن، وليس على جميع من يحضر العرس. ولكن على من يحضر العرس أن يظهر عليه أنه غير راض بالمنكر، وذلك بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أو بأن يبدو منه عدم رضاه بأسلوب من الأساليب، أو بأن ينسحب من العرس. فإن بدا عليه رضاه بالمنكر كان آثماً (وهذا يشمل الأعراس وغيرها). فما يحصل من الرقص المختلط بين النساء والرجال الأجانب حرام. كما أنه في هذه الأيام اعتاد الناس أن يستأجروا صالات الأفراح لأعراسهم، وهذه الصالات على نوعين:
نوع أول هي صالات مختلطة يدعى الرجال والنساء لها ويجلسون معاً، وعندما تأتي العروس يجلسونها مع عريسها، والنساء من حولهما محارم وغير محارم، تكون متزينة وكاشفات لعوراتهن، فتغني وترقص بين يدي العروسين، ويشارك الرجال أحياناً كذلك.
ونوع آخر هي صالات يستأجرها المهتمون بالإسلام، واحدة للرجال وأخرى للنساء، أي دون اختلاط، ولكن عندما تأتي العروس يجلسونها هي وعريسها معاً في صالة النساء، وتغني النساء وترقص بين يدي العروسين، محارم وغير محارم، وبينهن متبرجات وكاشفات لعوراتهن.
إن اختلاط الرجال والنساء حرام، وأدلته مستفيضة، وحياة المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة من بعده، تنطق بذلك. ولا يجوز الاختلاط إلا لحاجة يقرها الشرع ورد نص فيها في كتاب الله أو سنة رسوله مثل البيع والشراء، صلة الرحم…الخ.
ولـم يرد نص في جواز اختلاط الرجال والنساء في صالات الأفراح، بل إن الوارد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته أن النساء تكون مع العروس هنّ وهي، وحدهن، والرجال وحدهم. وبذلك فالاختلاط في الصالات حرام، وغير مستثنىً، والذي ورد في الأعراس هو في زفاف المرأة إلى بيت زوجها فيجوز أن يأخذها الرجال والنساء إلى بيت زوجها، ثم ينفصل الرجال عن النساء حيث قد ثبت هذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرّه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعليه فوجود الرجال والنساء في صالات الأفراح دون انفصال، أي في صالة واحدة وليس في صالتين، هو حرام. وكذلك جلوس العريس بجانب عروسه تحيط به النساء محارم وغير محارم، هو حرام، وبخاصة وهن كاشفات العورة، وهو الغالب في النساء حول العروس، هذه الأيام.
أما القول بأن هذا مما عمَّت به البلوى فهو لا يجعل الحرام حلالاً، وهو قول مردود على صاحبه لمناقضته للشرع، بل إن هناك أحاديث تمدح أولئك القابضين على دينهم كالقابض على الجمر لشدة البلوى التي يكون فيها المسلم عند تمسكه بإسلامه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ».
هناك حالات محددة أجازت النصوص فيها الاختلاط والغناء (دون تبرج ودون كشف عورات) من هذه الحالات حالة إهداء العروس للعريس (أو ما يسميه بعضهم بزفّة العروس)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ” أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَهْدَيْتُمْ الْفَتَاةَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي قَالَتْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ”.رواه ابن ماجه في سننه وهناك رواية أخرى لهذه الأغنية مثل: «أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم، لولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم، ولولا الحنطة السوداء ما سرت عذاريكم». وفي رواية البخاري: ” يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ”، فعندما تأخذ النساء العروس للعريس ويغنين أمامه وغالبيتهن أجنبيات عنه، وربما يكون عنده بعض الرجال من ذويه فإن الاختلاط حاصل لا بد، والغناء مشروع بل مندوب في هذه الحالة.
وبدل أن يأخذ النساءُ العروس إلى بيت العريس قد يحضر الرجال إلى بيت العروس ويأخذونها إلى بيت العريس، ويحصل في هذه الحالة غناء واختلاط.
وأثناء نقل العروس إلى بيت العريس، (وقد يحصل هذا مشياً وقد يحصل على فرس وقد يحصل في سيارة أو غير ذلك) أثناء هذا الانتقال ترتفع الأصوات وقد تطلق النار ومزامير السيارات، وكل هذه الأمور مشروعة بل مندوبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ” رواه ابن ماجه وأحمد والترمذي والنسائي، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ” أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ” رواه ابن ماجه
قال الشوكاني في نيل الأوطار ج 6/ ص 188: (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى قُرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ وَإِذَا جَوَارٍ يُغَنِّينَ فَقُلْتُ أَنْتُمَا صَاحِبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ فَقَالَ اجْلِسْ إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا وَإِنْ شِئْتَ اذْهَبْ قَدْ رُخِّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ » أخرجه النسائي والحاكم وصححه