Take a fresh look at your lifestyle.

الحوار الحي- ما الذي جمع الدب الروسي والفيل الامريكي

 

لو استعرضنا تاريخ العلاقات الأمريكية الروسية على مرّ العقود السابقة و ما رافقها من توتر ووفاق لوجدنا أنّ الإدارات الأمريكية سواءاً جمهورية أم ديمقراطية كانت تحاول باستمرار إضعاف الإتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية حالياً ، و كما حاولت أمريكا أن ترث الإمبراطورية البريطانية و النفوذ الفرنسي فكذلك أرادت أمريكا أن ترث الإتحاد السوفيتي و أن تحصر النفوذ الروسي وتضعفه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً ، فبدءاً من توريط الإتحاد السوفيتي في أفغانستان – كما هو حال أمريكا اليوم – و مروراً بحرب النجوم و ذلك بهدف إشغاله و إنهاكه و إضعافه و نجاحها في تفكيك و إنهاء ما يسمى بالإتحاد السوفيتي و المنظومة العسكرية التابعة له و نعني بها حلف وارسو ، ثم نجاحها في خلخلة و إرباك القيادة الروسية نفسها كما في عهد ((يلتسين)) مما أضعف روسيا داخلياً و خارجياً ، و أكملت ذلك بإيجاد نفوذ و موطئ قدم لها في دول أوروبا الشرقية و آسيا الوسطى و قد كانت المحصلة النهائية نجاح الجانب الأمريكي و خسارة الجانب السوفيتي و الروسي ، إلى أن استلم قيصر روسيا الجديد ((بوتين)) السلطة في روسيا و استطاع أن يعيد التوازن إلى بلاده و أخَذ الاقتصاد الروسي بالتعافي نتيجة للحصول على عوائد جيدة من النفط و الغاز … و بالرغم من ذلك فقد استمرّ التآمر الأمريكي على روسيا في عهد إدارة بوش الإبن و التدخل في المناطق التي تعتبرها روسيا ضمن مجالها الحيوي و خطاً أحمراً لا تسمح بتجاوزه … كل ذلك يجري في الوقت الذي وجدت أمريكا نفسها متورطة في العراق و الصومال و أفغانستان و الأزمة المالية و الاقتصادية في أمريكا و في العالم تعصف بالفكر و المبدأ الرأسمالي الربوي الجشع و تفتك باقتصاديات أقوى دولة و باقتصاديات دول العالم … ترافق ذلك أيضاً مع فشل الجهود الأمريكية في إيجاد حلّ لما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي و ما ينتج عن هذا الفشل من خطورة على مصالح أمريكا و الغرب خاصة و مصالح الدول الكبرى عامة بسبب تعنّت الزعامات اليهودية و هيمنة اليمين المتطرف على السياسة الإسرائيلية و رفضه كل الحلول و المبادرات .

و لما نجح الحزب الديمقراطي بزعامة أوباما في الوصول إلى الحكم في الانتخابات الأخيرة ظنّت الإدارة الأمريكية الجديدة أنّ بإمكانها إخراج أمريكا من هذه الأزمات و المآزق التي أوقعت نفسها بها و التي هي من صنع أيديها نتيجة لنهمها و جشعها الاستعماري و عدائها للإسلام و المسلمين . و توهم أوباما أنّ بإمكانه تبييض وجه أمريكا المجلل بالسواد دائماً ، إلا أنه وجد نفسه و إدارته غارقين في رمال و مستنقعات الحروب و الاحتلالات العسكرية و الأزمات خاصة في أفغانستان و باكستان الملاصقتين و القريبتين من روسيا و الدول المجاورة لها مثل طاجكستان و أوزبكستان و قيرغستان و غيرها من هذه الدول .

و يبدو أنه في ظلّ هذا الوضع المتأزّم الذي تعيشه الولايات المتحدة و الحزب الديمقراطي فقد ارتأت إدارة أوباما الاستفادة من روسيا و إشراكها في جهودها الدولية الرامية إلى إنقاذها من المستنقعات و الحروب و الأزمات فبدأت بالتراجع عن بعض خططها و أساليبها المستفزّة لروسيا و إعطاء بعض المنافع و المكاسب لها في هذه المنطقة أو تلك و ذلك لكسب ودّها و استغلالها و الاستفادة منها حتى تخرج من ورطاتها و أزماتها … و يبدو أنّ هذه الفكرة قد راقت للقيادة الروسية و سارت بها غير آبهةٍ أو ناظرةٍ إلى التاريخ التآمري الأمريكي على الإتحاد السوفياتي و على روسيا و على العالم ، و أنّ أمريكا و إن حاولت أن تلبس ثوباً جديداً فإن حقيقة نواياها و أهدافها تبقى نوايا و أهداف استعمارية خبيثة … و يبدو أيضاً أنّ الطرفين تلاقت مصالحهما التآمرية الخفية للوقوف في وجه المدّ الإسلامي القوي المتصاعد في أفغانستان و باكستان و المناطق التي حولهما هذا المدّ الذي يحمل فكرة الجهاد و مقاومة المحتلين و المستعمرين و يحمل الفكر الذي يدعو للخلافة و الحكم بالإسلام و يرفض الولاء لغير الله ، فالتقت مصالحهما التآمرية المشتركة و اتفقا على الوقوف في وجه هذا المارد الإسلامي الذي صحا من نومه و بدأ بالتململ و التحرك ، فأرادت أمريكا إشراك روسيا في جهودها الدولية لمواجهة هذا التحدي و ارتأت روسيا الاستفادة من وضع أمريكا المتأزّم داخلياً و عالمياً و ذلك عبر إبعاد الخطر الأمريكي عن حدودها و عمّا تعتبره مناطق نفوذٍ لها من جهة و محاولة إبعاد الخطر الإسلامي الآخذ بالنمو و التمدد عبر هذه المناطق القريبة من حدودها من جهة أخرى .

ففي دراسة للحلف الأطلسي ((الناتو)) مؤخراً و الذي يعيد النظر في إستراتيجيته كلّ عشر سنوات لمعالجة ما استجد على العلاقات الدولية ، قام بإعداد هذه الدراسة فريق من المفكرين و السياسيين الغربيين برئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أولبرايت ، و قد أقرت اللجنة على ضرورة تحسين و تطوير العلاقات بين الحلف و روسيا بالذات على أساس أنّ هنالك رؤىً مشتركة تجمع بينهما حول الصراعات و الأزمات و النزاعات على الساحة الدولية و أهمها ملفي أفغانستان و إيران ، و التي رأت الوزيرة السابقة أولبرايت أنّ موسكو أخذت بعين الإعتبار مواقف الدول الغربية و على رأسها الولايات المتحدة إزاء أزمة أفغانستان ، و أصبحت تتعاون إلى أبعد الحدود في دعم الجهود الغربية و الأمريكية لتحقيق نصر عسكري فيها ، و أشارت أولبرايت إلى أنّ نجاح موسكو بتزويد القوات الغربية و الأمريكية في أفغانستان بالمعدات و الذخائر و المعلومات عبر أراضيها له دلالات عديدة من التوافق في المصالح حول هذا الملف الهام .

ولذلك نجد أنّ هذا التعاون الآثم القائم بين موسكو و واشنطن شمل مجالات أخرى بحيث لم يعد قائماً الآن ما يسمى بالثورة البرتقالية ، و الانتخابات الأخيرة في أوكرانيا جاءت برجل قريب من موسكو و ليس من دعاة انضمام أوكرانيا إلى الناتو ، كما أنّ التغييرات و الاضطرابات الأخيرة في قيرغستان تقوي من نفوذ موسكو في آسيا الوسطى ، كما أنّ قضية إنشاء درع صاروخي أمريكي في أوروبا الشرقية قد تراجعت و المحادثات الثنائية بين البلدين للحدّ من التسلح تحرز تقدماً في هذا المجال ، ثم جاءت عملية تبادل الجواسيس بين البلدين لتلقي بظلالها على تحسن علاقاتهما .

هذه نظرة على طبيعة العلاقات بين الدولتين اللتين كانتا أعداء الأمس و أصبحتا أصدقاء اليوم و التي جمعت بينهما المصالح الآنية و أثّرت على علاقاتهما الأحداث السياسية و العسكرية و الاقتصادية القائمة الآن على المسرح الدولي ، متوهمين أنّ هذا التعاون الآثم بينهما للوقوف في وجه الفكر الإسلامي و الجهادي السياسي يمكن أن يحقق أهدافه أو أنّ مصالحهما التي التقت في هذه الفترة الزمنية يمكن أن تستمر ، أو أنّ التعاون بين الدول الاستعمارية القائمة على الإثم و العدوان و التآمر على الشعوب و محاولة منعها من السيادة و التحرر و تطبيق عقيدتها و نظامها و بناء حضارتها … أنّ مثل هذا التعاون ممكن أن يبقى و يدوم ، و أنّ هذا التعاون إن استمر فهو حتى حين سرعان ما يتغير و يتبدل بتغير و تبدل الأحداث و الأشخاص و الإدارات و الإرادات ، و يتغير بتغير المصالح و النوايا و الأهداف ، و نظرة في تاريخ العلاقات الدولية التي تقوم على المصالح و المناورات السياسية نجد أنّ الدعم و التأييد و التعاون أحياناً يكون هدفه الخداع … إما مزيداً من الكشف و الفضائح للطرف الآخر أو التقرب من الخصم لمعرفة حقيقة نواياه و أهدافه و خططه ، أو الوقوع في أزمات داخلية أو خارجية تقتضي مهادنة الطرف الآخر ريثما يتم معالجة هذه الأزمات و من ثم التفرغ للخصم ، أو مزيداً من التوريط و الخسائر لهذا الشريك ظاهرياً و العدو حقيقياً ، و هو ما ينطبق على العلاقات القائمة الآن بين روسيا و أمريكا و ما بينهما من تفاهمات و تعاون قائم على الإثم و العدوان .

نسأل الله العظيم أن يشغل الظالمين و أن يخرجنا من بينهم سالمين و أن يعزّ الإسلام و المسلمين إنّه هو العزيز الحكيم.

 
3-8-2010