الإرث في الإسلام
ما الداعي لبحث موضوع الارث في الاسلام؟
الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيد ولد آدم و اخر المرسلين . محمد العربي القرشي الصادق الوعد الامين , و بعد:
الارث سبب من اسباب تملك المال
لما غاب الاسلام من واقع الحياة العمليةاجتماعا و سياسة و حكما و اقتصادا . و لما اخذنا على عاتقنا النهوض بهذا الاسلام العظيم و احكامه الى موقع الحكم و التطبيق .كان لزاما علينا ان نفهم هذا الدين الذي انزله الخالق اللطيف الخبيرانزله على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم
( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم)
(وما اتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوه)
حيث لا يمكن ان ينهض هذا الدين الا اذا وجد الوعي العام على احكامه و افكاره . و بما ان الدولة الاسلامية المنشودة التي ستقيم حكم الله في المعمورة هي نتاج للوعي (وعي الامة الاسلامية)على حاجتها لهذا النظام الرباني كان لابد من الالمام بشتى الاحكام الشرعية بعد الالمام بالعقيدةالاسلامية ليكون هذا الوعي لبنة طيبة في سبيل السمو و النهوض بهذا الامر.
هل يمكن القول ان الارث سببا من اسباب الرزق؟
قبل ان نبدأ بصلب الموضوع لا بد من الحديث بشيء من الاقتضاب عن اسباب التملك الشرعية بشكل عام و بعدها نخص الارث كسبب من هذه الاسباب الشرعية.
ان التملك في الاسلام يعني اذن الشارع للفرد بحيازة المال و المقصود بالمال هنا كل ما يتمول به مهما كانت عينه, والشرع الحنيف حدد اسبابا محدودة بها يتم تملك الشخص للمال و اذا لم توجد هذه الاسباب او احدها لم يتم التملك للمال حتى ولو حازه الشخص فعلا لان الملكية هي حيازة المال بسبب شرعي.وقد حدد الاسلام اسباب التملك هذه و عينها و لم يطلقها . لا سيما ان الاسلام نظم حاجات الفرد بما ينسجم مع فطرته و يحقق له السعادة مع بناء مجتمع متكامل دون تعارض (الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير) .واسباب التملك كلها تندرج تحت الملكية الفردبة التي هي مظهر من مظاهر غريزة البقاء كما ان الزواج مظهر من مظاهر غريزة النوع و كما ان العبادات مظهر من مظاهر غريزة التدين. فاذا اطلقت هذه الغريزة ادى ذلك الى الفوضى و الاضطراب و الى الاشباع الشاذ و الخاطيء . لذلك كان لا بد من تحديد الكيفية التي يحصل الانسن بها على المال حتى لا تتجمع الثروة في قلة من افراد المجتمع و يرزخ باقي الافراد تحت وطأة الفقر و الحرمان كما هو واضح للعيان في مشارق الارض و مغاربها .
نستدرك فنقول ان الاسلام جعل لتملك المال خمسة اسباب لا غير:
- العمل
- الارث
- الحاجة الى المال لاجل الحياة
- اعطاء الدولة من اموالها للرعية
- الاموال التي يحصل عليه الافراد دون مقابل مال او عمل (جهد)
و باستقراء الاحكام الشرعية التي تقتضي للشخص بتملك المال يتبين ان الارث هو احد ةهذه الاسباب. وهو ثابت بنص القرآن القطعي و له احكام توقيفية لم تعلل. فالله تعالى يقول
{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً }النساء11
اذن نفهم ان الارث سبب من اسباب التملك بحسب احكامه المفصلة بالكتاب و السنة و اجماع الصحابة
اعود الى سؤالك الان و اقول , ان الارث ليس سببا في الرزق بل ليس سببا في رزق, كما ان العمل ليس سببا للرزق و كذلك كل اسبباب التملك ليست سببا للرزق و سبب الرزق واحد ووحيد و هو الله عز و جل و يرجع هذا الفهو ابتداء من ادراك معاني اللغة العربية فد اتفق ارباب اللغة و فصحائها ان كلمة (سبب) تعني ما ينبني على وجوده وجود و على عدمه عدم اي اذا وجد السبب وجد المسبب حتما و ان لم يوجد السبب لن ينتج المسبب و لا باي حال . تماما مثل الموت فسببه الله و ليس الصقوط من ارتفاع شاهق و لا حادث السيارة و لا جلطة معينة فهذه كلها تسمى لغة حالات الموت و ليست اسبابا و سبب الموت واحد ووحيد وهو انتهاء الاجل وهو من الله . كذلك الرزق فهو من الله و ان ما يطلق علية اسبابا انما ارادوا بها حالات الرزق و الله تعالى يقول في محكم التنزيل(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ{23}
نعود فنقول ان الارث سببا او حالة من حالات التملك التي حددها الشرع وهذا الفهم نحن كمسلمون مقيدون به كما جاء في الكتاب و السنة .
ما هي علة نزول احكام الميراث ؟
ان الثابت في الكتاب و السنة ان احكام الميراث جاءت توقيفية ولم تعلل فالايات واضحة مفصلة و يجب تطبيقها دون البحث في العلل و الاسباب . ولكن
لو حظ ان الارث اذا كان على النحو الذي حدده رب العزة اللطيف الخبير فانه يكون اكبر وسيلة لتفتيت الثروة , فاذا اجتمعت الثروة بايدي افراد في حال حياتهم فانه بعد موتهم تتفتت الثروة و تتوزع على الورثة الذين حددهم الشرع . وهذا ما جعل كثير من المشرعين الغربيين و الراسماليين يمعنوا النظر في قوانين الارث الاسلامي و ذلك بعد تخبطهم في البحث عن طرق ناجعة لتفتيت الثروة من جهة و كبح حمى التملك من جهة اخرى.
ذكرت ان قوانين الارث بالطريقة التي امرنا الله بها طريقة ناجعة لتفتيت الثروة . و نحن نعلم ان قوانين الارث متشعبة و كثيرة كثرة احوال و اختلافات الاسر و الاقارب فهل في كل الحالات تتفتت الثروة ؟ و هل من امثلة؟
الارث اكبر و اقوى اداة لتفتيت الثروة و بكل حالاته و احواله و نجمل حالاته بثلاثة حالات :
اولا. ان يوجد ورثة و يستغرقون كل المال المتروك و بهذا تتوزع عليهم الثروة .
ثانيا. اذا توفي الميت عن زوجة فقط او الميتة عن زوج فقط فانه لا يستغرق جميع المال بل نصفه و النصف الاخر لبيت المال اما الزوجة فتأخذ الربع و الباقي لبيت المال.
ثالثا. ان لا يكون هنالك وارث مطلقا. فيكون المال كله لبيت المال اي للدولة
و في كل هذه الحالات نلاحظ ان الثروة تتفتت حتى عندما تذهب لبيت المال فانها تتوزع من جديد اما على رعايا الدولة او على ما يراه الخليفة مصلحة للمسلمين.
وقد تحصل حالات ارث دون ان يكون هنالك وارث , فان مات شخص و ليس له وارث شرعي فان هذا المال ينتقل الى بيت مال المسلمين ميراثا
فعن المقدام الكندي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
((انا اولى بكل مؤمن من نفسه, فمن ترك دينا, او ضيعة فالي, و من ترك مالا فلورثته , و انا مولى من لا مولى له , ارث ماله و افك عانيه )).
و هذا ينطبق على كل رعايا الدولة بما فيهم المسلم و الذمي.و بذلك تتفتت الثروة و يبقى المال في حالة تنقل و تبادل في دورة اقتصادية بين الناس و لا يكون هناك تكديس للثروة في فئة معينة من الناس بل يكون الالتزام بالشرع طبيعيا هو انجع الطرق لتحقيق السعادة البشرية و توزيع الثروة.
1 . ذكرت في مقدمة الموضوع غياب الاسلام من و اقع التطبيق , الا ان الاسلام في هذه الجزئية وهي انظمة الميراث مطبق بشكل واسع في البلاد الاسلامية ؟
دعني اجيبك على وجهين : اما الوجه الاول . فان هذا النوع من احكام الاسلام لا يشكل خطرا و لا حتى عبأ على انظمة الحكم في العالم الاسلامي و لو كان كذلك مثل احكام بيعة الخليفة و مثل حكم الجهاد لحورب كما حوربت تلك الاحكام,
لذلك ترك هذا الحكم لاهواء الناس , من اراد ان يتحاكم للشرع في قوانين الارث توجد له محكمة تسمي المحكمة الشرعية و من اراد ان يتحاكم لدستور الدولة و قوانينها الوضعية عنده محكمة اخرى تستمد قوانينها من اقوانين الغربية و من دستور الدولة
اما الوجه الثاني. فان المسلمين مطابين بتحكيم الاسلام كل الاسلام بكل مناحي الحياة و مطالبين بمعاقبة من يخرج عن احكام الاسلام . و لا يجوز ان يبقى الاسلام رهن رغبات الناس . {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة 48
لذلك نقول ان الدولة الاسلامية هي الكيان التنفيذي لاحكام الاسلام و حدوده
و العمل لاقامتها واجب شرعي يسأل عنه العباد وهم بين يدي الله فاما ان تكون يا اخي المستمع بريء الذمة امام الله بالتلبس الفوري في هذا الفرض العظيم و الانخراط في العمل مع العاملين واما ان تلقى الله و العياذ بالله بلا حجة و تقول عندها يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا