دهاقنة السياسة الغربية يقرون بهزيمتهم في حرب الأفكار
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )
لقد استضاف معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ومركزه نيويورك قبل عدة أيام، وهو مركز فكري- سياسي أمريكي، استضاف رئيس وزراء بريطانيا السابق، وثعلب السياسة البريطانية، طوني بلير، وكانت استضافته تلك من اجل تكريمه بجائزة الباحث ورجل الدولة لعام 2010 .
وهي جائزة تعطى للقادة البارزين لانجازاتهم ، وتعتبر هذه المراكز الفكرية ذات اهمية قصوى لصانعي السياسة الامريكية الخارجية، من خلال تقديمها للنصائح والتقارير والدراسات التفصيلية المتعلقة باجزاء واسعة من العالم، لا سيما بمنطقة البلاد الإسلامية، من جنوب شرق آسيا، إلى شمال إفريقيا، مرورا بوسط اسيا وشبه القارة الهندية والشرق الاوسط .
وقد كان لطوني بلير مداخلات في حواره مع القائمين على الحدث، تركزت حول امور جوهرية تتعلق بعلاقة الغرب بالامة الإسلامية، ووجه الصراع القائم وأدواته، وتقييم طوني بلير لمستجداته السياسية والعسكرية والفكرية وغيرها .
وكان حديث بلير منصبا على الصراع الفكري تحديدا بين الاسلام والغرب، وما ارتبط به من امور تتفرع عنه ، وأُجْمِل أقواله بما يلي :
اعتبر ان قلة جهود الغرب في مواجهة ما اسماه بالتطرف الاسلامي ادت الى هزيمة الغرب استراتيجيا أمامه، وان الرواية القائلة بان المسلمين مقموعون من قبل الغرب وانتشارها، أدت إلى تأجيج التطرف في جميع انحاء العالم، وان معظم المسلمين تقبلوا فكرة ان التدخلات العسكرية بعد 9-11 كانت هجوما صريحا على المسلمين وحربا على الإسلام، وان الميل والتعاطف مع من اسماهم بالمتطرفين يقوض سلطة المسلمين المعتدلين، وقد ذكر ايضا ان المسلمين في الغرب يشعرون بالقمع، وانهم يرون بان الاسلام يعامل بطريقة مزرية وغير عادلة بحسب ما تنشره معظم المواقع التابعة لهم على الشبكة العنكبوتية، ويرى بلير ان المسلمين يظنون ان الحروب العسكرية التى اشتعلت بعد 9-11 كانت موجهة ضدهم لان بلادهم اسلامية .
وقال ايضا ان المشكلة القائمة بالشرق الاوسط بين الفلسطينيين والاسرائيليين ليست هي السبب المباشر للصراع بين المسلمين والغرب، ولكنها تستخدم من قبل من اسماهم بالمتطرفين كسموم لبث أفكارهم، وان الفكرة السائدة لدى المسلمين هي ان الغرب يؤيد ما يسمى باسرائيل لانهم من اليهود، ويتجاهل الظلم الواقع على الفلسطينيين لانهم مسلمون، كما وأكد ان أمن ما يسمى باسرائيل هو قضية استراتيجية للغرب قاطبة، وذكر بلير ايضا ان مناهج التعليم في بلاد المسلمين تساعد على التطرف الفكري وانه يجب معالجة ذلك، وان القيم الغربية التى يحملها عالم بلير المتحضر يجب الدفاع عنها ووضع الخطط المستقاة من المبدأ الذي يحمله لتحقيق ذلك، وأنهى بلير حواره بتوجيه تساؤل حول السبيل الافضل لمواجهة ما اسماه بالفكر المتطرف وكيفية التغلب عليه . وان الغرب بحاجة لثورة في التفكير، فهزيمة ما يسمى بالفكر المتطرف بحسب وصفه لا تكون الا بهزيمة روايته وطرحه، لا سيما وانه تجذر ويزداد عمقا يوما بعد يوم، وعلى الغرب استغلال اية انقسامات ثقافية وحضارية لدى المسلمين تعطي الغرب فرصة للتحالف معها ، ولم ينسى التأكيد على ان الغرب سينتصر على ما اسماه بالتطرف الاسلامي في نهاية المطاف، ولكن ذلك سيأخذ وقتا طويلا .
هذه المقتطفات هي جزء مما قاله ثعلب السياسة البريطانية طوني بلير في تلك المناسبة، وهي تعتبر المحور الرئيسي في حديثه .
وقبل الخوض في النقاط التى اثارها, لا بد من التعريج على سيرته الدموية وعدائه المستفحل للاسلام والمسلمين، فقد تلطخت يداه بدماء مئات الالوف من المسلمين في افغانستان والعراق، وهو نفسه الذي وصف الشريعة الاسلامية والخلافة بانها ايديولوجية شر، وهو في حربه هذه على الاسلام وتحريضه عليه وزرع الاكاذيب ونشرها، إنما يحاول ان يبعد الشبهات عن فشله السياسي السابق، وأعماله المشينة بحق المسلمين، هذا بالإضافة الى هدفه المادي وذلك بتحقيق الانتفاع من الرأسمالية من خلال بيع كتابه الجديد وتسويقه لدى الشعوب الغربية.
ويجب ان تؤخذ تصريحات طوني بلير في سياقها الصحيح من اجل فهمها، فهي لا تخرج عن كونها اسلوبا مفضوحا للتضليل السياسي والفكري, وبالرغم من اعترافه ببعض الحقائق، إلا انه يعمل على تشويهها وتزييفها قبل النطق والاعتراف بها، فيقلب بعضها ويطمس الاخر ، ليستغلها بقالبها الجديد لكي يحقق بذلك اهدافه في خدمة السياسة الغربية ونشر اكاذيبها .
اما الفكرة الرئيسية التى تحدث عنها بلير حول سبب هزيمة الغرب امام ما اسماه بالتطرف الاسلامي وعزا ذلك الى قلة الجهود في مواجهته، فان التضليل هنا يظهر بقوله ان الحرب الفكرية هي بين الغرب وما اسماه بالتطرف . بالرغم من وضوح الصورة بشكلي جلي لدى ابناء الامة الاسلامية قاطبة، أنها – أي الحرب الفكرية- هي بين الغرب والإسلام، وهو ما يعترف به بنفسه في سياق اخر من حديثه . ولا بد في هذا المقام من ذكر ان التطرف الذي يعنيه طوني بلير والغرب بأسره، هو عدم قبول المسلمين بفرض الحضارة الغربية وطريقة عيشها على ابناء الامة الإسلامية، والتصدي للاحتلالات العسكرية الغربية ومقاومتها، والمطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية والخلافة، وعدم القبول بوجود كيان يهود مزروعا في قلب العالم الإسلامي، وهذا يعتبره الغرب مقياسا اساسيا في وصفه للتطرف . اي ان التمسك باحكام الاسلام المتعلقة بالحكم والسياسة تعتبر تطرفا لدى الغرب، وهذا يظهر بان الحرب الفكرية تدور رحاها بين افكار الاسلام وافكار الغرب .
هذا من جهة، ومن جهة اخرى حول هذه النقطة، فان التضليل يظهر ايضا في السبب الذي عزاه طوني بلير لهزيمة الغرب في معركته الفكرية ضد الإسلام، ألا وهو وبحسب قوله، قلة الجهود المبذولة في مواجهة التطرف، وحقيقة الأمر ان الرد على هذا الادعاء الكاذب لا يكفيه مقال ولا حتى موسوعة تبين عمق كذبه وولوغه فيه، والأمثلة على الجهود الغربية في حربها على الاسلام وافكاره ينطق بها كل جزء من بلاد المسلمين، ويكفي القول بان الغرب بآلته العسكرية والسياسية والفكرية والثقافية والإعلامية، وكل ما اوتى به من خطط سياسية واساليب شيطانية، وجيوش من الحكام الخونة – عملائه في المنطقة – واصحاب النفوس الرخيصة من المثقفين والمتنفذين والسياسيين والاعلاميين وعلماء السلاطين وغيرهم، كل ذلك قد سخره الغرب في حربه ضد الاسلام وأفكاره، ولم يترك سبيلا الا واستخدمه في حربه هذه، ولا يزال مستمرا بها بالرغم من فشله الذريع، كونه لا يجد بديلا آخر يقوم به . ومع هذا كله فقد انهزم وتحققت خسارته في معركته الفكرية، وهذا ما لا يستطيع طوني بلير الاعتراف به، فهو يستخدم اكاذيبه كجزء من حربه على الاسلام ومعركته الفكرية مع الغرب، ولا يمكن له الاعتراف بالسبب الحقيقي لهزيمة الغرب فكريا، الا وهو قوة الفكر الإسلامي، كونه من عند الله سبحانه، وقوة طرحه من اصحابه المخلصين الواعين على احكامه وأفكاره، والمدركين لواقع الفكر الغربي الوضعي وضعفه وهشاشته، وإدارتهم للصراع الفكري باساليب ابداعية يشهد لها العدو قبل الصديق، وتلبسهم بالكشف واماطة اللثام عن خطط الغرب الاستعمارية الفكرية والسياسية وتعريتها، وتثقيف الأمة بالثقافة السياسية لتكون امة سياسية حية .
اما قوله بان المسلمين في الغرب يشعرون بالقمع والاضطهاد مما أدى لزيادة ما اسماه بالتطرف، فالواقع يشهد بما تمارسه الدول الغربية من اعمال تعيد الى الذاكرة محاكم التفتيش الاوروبية في القرون الوسطى، فالغرب وبالرغم من ادعائه بالحرية والعيش المشترك والتسامح وحقوق الانسان وغيره من هذه المصطلحات, الا انها تآكلت واندثرت حين ادرك الغرب ان المسلمين الذين يعيشون في بلاده اصبحوا يبحثون عن هويتهم الحقيقية وانتمائهم لامتهم وعقيدتهم، وبسبب إحساس الغرب بهذه التغيرات الاجتماعية لدى الجاليات الإسلامية، ولا سيما لدى الاجيال التى ولدت ونشأت في الدول الغربية، جن جنونه، وكشر عن أنيابه، مستخدما كل ما اتيح له من سلطات لدمج المسلمين رغما عنهم بحضارته العفنة وطريقة عيشه الغرائزية، ولما شعر الغرب بصعوبة تحقيق ذلك، وبتجذر الأفكار لدى أبناء الجاليات الإسلامية، بدأ بسن القوانين واستخدام عصا السلطان لملاحقتهم في دينهم وعباداتهم ولباسهم وثقافتهم، أي أن القمع والاضطهاد كان نتيجة تمسكهم بدينهم وانتمائهم لامتهم وليس كما يصفه بلير في حديثه .
وبالنسبة لما ذكره باستهجان حول شعور المسلمين بان الحروب العسكرية الغربية التى اشتعلت بعد احداث 9-11 كانت موجهة لبلادهم لانهم مسلمون، وليست حربا على الارهاب كما حاولت الالة الاعلامية الغربية من تمريره على ابناء الأمة، فهذا وببساطة لان الواقع هو كذلك، فأمريكا وحلفاؤها قاموا باستغلال احداث 9-11 لتحقيق مصالحهم الاستعمارية وهيمنتهم العسكرية والاقتصادية والثقافية والسياسية، ومحاولة منع المسلمين من الانعتاق من ربقة الاستعمار ووضع العوائق امامهم في طريق بناء دولتهم المبدئية القائمة على اساس الحكم بما انزل الله . وان التضليل والتعتيم على هذه الحقائق قد تصدع امام الكشف السياسي واماطة اللثام عن خططه الاستعمارية الشيطانية، الى ان اصبح كل طفل مسلم يدرك ان الغرب في حرب مع الاسلام وما سجن ابو غريب وغوانتانامو عنا ببعيد .
اما قوله بان الصراع الدائر بالشرق الاوسط والمتعلق بالقضية الفلسطينية،من انه يستخدم لبث السموم لدى من اسماهم بالمتطرفين، وان المسلمين مقتنعون بمساندة الغرب لمى يسمى باسرائيل هو بسبب يهوديتها، وعدم اكتراثه بالفلسطينيين بسبب انهم مسلمون، فهذا القول ينسجم مع ثعلب السياسة البريطانية، تلك السياسة التى افرزت زرع كيان يهود في قلب العالم الإسلامي، بعد تحقيقها لمرادها بهدم دولة الخلافة العثمانية، لتضمن بذلك وجود قاعدة عسكرية متقدمة لها في المنطقة ، وأخذت على عاتقها وعاتق الغرب برمته، مد هذا الكيان المسخ باسباب الحياة ليبقى راس حربتها في المنطقة، واستخدمت من اجل ذلك اساليب شتى للتضليل، كالقومية النتنة والوطنية الغرائزية، ولكن الأمة الإسلامية وبفضل الله سبحانه والمخلصين من ابنائها قد وعت على الاعيب الغرب واجرامه, وتنبهت لحقيقة هذا الصراع، مما إربك دهاقنة السياسة الغربية، فظهر عجزهم في الاستمرار بالتضليل بالاساليب القديمة، فاستخدموا أسلوبا جديدا يقضي باحتواء بعض الحركات الاسلامية العاملة في الساحة، ومحاولة تحقيق خططهم الخبيثة من خلالهم، لإعطاء صبغة دينية لمشاريعهم الاستعمارية، وهنا يجب ان تنتبه هذه الحركات على ما يحاك لها ولأمتها من خلال قبولها بدخول الوعاء السياسي الغربي لتكون لاعبا فيه .
ومن ضمن ما ذكره بلير في وصفه لاسباب انتشار ما اطلق عليه التطرف الاسلامي ، هو مناهج التعليم في البلدان الإسلامية، وأنها محرك أساسي لتطرف الأفكار، لأنها تعلمهم عدم التسامح، وأنها مرتبطة بما يقوله الدين، حتى ان نظرتهم لما يسمى باسرائيل هي حسب تعاليم الدين بحسب تعبيره، وهنا مربط الفرس، فطوني بلير ومن وراءه بريطانيا والغرب برمته، مدركون ان من وضع اسس المناهج التعليمية في البلدان الاسلامية هم الغربيون أنفسهم، وان الغرب رسمها بطريقة تخدم مصالحه الثقافية والفكرية، ليمحو من ذاكرة المسلمين طريقة عيشهم وفق الإسلام، وارتباطهم العملي بدولتهم المفقودة، دولة الخلافة، وحرمانهم من فهم احكام شريعتهم المتعلقة باحكام السياسة والحكم والجهاد فهما عمليا تطبيقيا، ولهذا تجد كتب التاريخ والمدنيات والمواطنة وغيرها من المواد التي تزرع في عقول الطلبة الفكرة الغربية باعتبارها مثالا يحتذى به، إلا أن هذا لم يعد يكفي بالنسبة للغرب، فعاد لينظر مجددا في المناهج التعليمية، وكان تركيزه هذه المرة، على مواد التربية الدينية، فحتى الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، يعمل على إلغائها، فلا ترغب الدول الغربية بوجود الايات القرآنية المتعلقة باحكام العقيدة ووحدانية الله، ولا آيات تكفير النصارى واليهود، ولا الآيات التى تحض على الجهاد في سبيل الله وتحرير المقدسات، فكل هذه باعين الغرب اصبحت خطرا جسيما، ليظهر بذلك حقدهم الدفين الذي وصفه الله سبحنه وتعالى بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) .
ومن النقاط المهمة التى ذكرها بلير أيضا، هي أهمية استغلال الغرب لاية انقسامات ثقافية وحضارية لدى المسلمين، والتحالف مع بعضها، ولكنه لم يفصح عن الدور الغربي المجرم في زرع الفتن بين ابناء الامة الواحدة، ومحاولاته المستمرة من خلال تأطيره للاسلام بمعتدل ومتطرف، وانغماسه في بث الفرقة بين المسلمين، واستخدامه كافة الاساليب والوسائل لتحقيق ذلك، ومنها العمل على تجيير الاعلام المقروء والمسموع والمرئي لنشر بذور الفتنة، واستغلال بعض شيوخ السلاطين وآياتهم لتثبيتها، ومنها أعمال القتل والتفجيرات للمساجد والمراكز الاسلامية والتجمعات، والكثير الكثير مما يحقق له أهدافه، ومما يجدر ذكره في هذا المقال، ان ما يطلق عليه الغرب بالاعتدال، هو في حقيقته يعني القبول بالاستعمار الغربي لبلاد المسلمين، والرضا بنهب ثرواتهم، وتبني طريقة عيشهم بكافة الوانها ومكوناتها، وعدم النظر لكيان يهود نظرة اقتلاع، بل نظرة مهادنة وقبول بالامر الواقع، ولهذا كان لزاما على أبناء الامة الاسلامية ان يعوا خطورة الفرقة والتشرذم، وان تدرك الامة الاسلامية ان الغرب ينظر اليها كأمة واحدة ويعمل على النيل منها واضعافها وتحطيمها، ولا يكون الرد على ترهات الغرب الا بالوحدة على اساس المبدأ والعمل على ازالة الشوائب الفكرية التى اورثنا اياها الغرب من خلال مستشرقيه، فالإسلام واحد، قال تعالى{هو سماكم المسلمين }، فلا يوجد اسلام متطرف ولا اسلام معتدل، فالإسلام هو واحد، وكل من عمل على نشر غير ذلك، كان مساهما بتحقيق المصالح الغربية الخبيثة بحق هذه الامة .
وكان مما ختم به بلير حواره، الدعوة للحفاظ على القيم الغربية والدفاع عنها، واستنباط سبل الدفاع من المبدأ الذي يحمله الغرب، والعمل على ايجاد ثورة في التفكير الغربي لمواجهة ما اسماه بالفكر المتطرف، أي الإسلام، وبهذا القول يحاول طوني بلير الاستمرار بالخداع والتضليل، وكأنه يقول بان الحرب الفكرية الغربية على الاسلام لا تمت لقيمه ومبدئه بصلة، وهذا عين الكذب والتزوير، فالحرب الفكرية التى يمارسها الغرب ضد الاسلام هي تطبيق حقيقي لقيمه الغربية بكل ما تعنيه كلمة تطبيق من معنى، أما سبل الدفاع عن قيمه المهترئة، فهي تجسيد للمبدا الذي يتبناه، فالمبدأ الرأسمالي، قد حدد طريقته الوحيدة في الانتشار، وهي لا تكون الا باستعمار الشعوب وقهرها، وسرقة ثرواتها ومقدراتها، وفرض طراز عيشه عليها، وإجبارها على الخنوع والتبعية لمستعمريها من خلال الاحتلالات العسكرية المباشرة ومن خلال توظيف عملاء لها، يحكمون شعوبهم بالحديد والنار للمحافظة على مصالح أسيادهم، ولقمع هذه الشعوب لكي لا تفكر ابدا بالانعتاق من هذه التبعية .
اما الثورة في التفكير الغربي التى يدعو لها بلير، فهذه لا تتعد كونها هرطقة يدرك هو وغيره من دهاقنة السياسة الغربية بفراغها، فالفكر الغربي والذي يعتبر خلاصة تجارب لقرون من الفكر الوضعي، قد تصدع واهترأ، ولم يبقَ له الا الانكسار والاندثار الى غير رجعة، وان السبب الوحيد لبقائه هذه المدة، هو غياب الدولة المبدئية التى ستقصيه الى الابد . اما الفكر الإسلامي، فهو نور من الله سبحانه، وقد وعد بحفظه وهيمنته على جميع الأفكار، وهو المحرك الفاعل في قلوب ابناء الامة الإسلامية، ولا يمكن له الا ان ينتصر على اي فكر آخر وضعه البشر .
وبالنسبة لوعد بلير بأن الغرب في نهاية المطاف سينتصر بمعركته الفكرية وان طال الزمان، فهذا ما يعزي به طوني بلير نفسه،قال تعالى ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً) .
فكيف يمكن لامة فقدت دولتها وحاضنتها الطبيعية – دولة الخلافة الاسلامية – وتشرذمت وتمزقت الى بضع وخمسين مزقة، يرزح بعضها تحت نير الاحتلال المباشر من الغرب، ويعاني الباقي من تبعية سياسية واقتصادية وثقافية، وتجثم على صدرها أنظمة قمعية مجرمة تحارب اسلامها وتعمل على عدم تحكمه في العلاقات بين الناس وعدم عودته للحكم، ومع هذا كله فان الفكر الذي تحمله هذه الامة قد هزم الفكر الغربي في معركة الأفكار، بالرغم من تسخيرالغرب لكل ما توفر له من طاقات بشرية وعسكرية واعلامية ومادية وثقافية في حربه هذه . كيف يمكن لهذه الامة من الانتصار بمعركتها الفكرية لولا قوة الفكر الذي تحمله كونه من عند الله سبحانه، وقوة فهم وتصميم الثلة الواعية من المسلمين المتلبسين بالعمل على قيادة الامة في صراعها الفكري وادارتهم لهذا الصراع .
فهذه الامة وبحالتها هذه استطاعت هزيمة الغرب فكريا، فكيف بها يا طوني بلير وهي توحد قواها، وتزيل حدودها المصطنعة التى وضعها أجدادك، وتبايع خليفتها، وتتحقق نصرتها، وتتوحد أراضيها من اندونيسيا شرقا الى المغرب غربا، وتصبح دولة واحدة ذات نظام سياسي وعسكري واقتصادي وتعليمي واحد، تحكم ثلثي الكرة الأرضية، وتجعل إسلامها المتحكم الوحيد بالعلاقات بين الناس، وتحمله رسالة نور وهدى للعالم .
كيف لها ان تهزم يا طوني بلير …. بل ان الانتصار الفكري قد تحقق، ولم يبق الا سويعات في اعمار الشعوب ويتحقق الانتصار العسكري على نظامك الغربي الظالم المتفكك المتهالك، فقد شاخت بريطانيا، واهتز عرش أمريكا، وخفت نجم روسيا، وأفلت ديمقراطية فرنسا …. انه الاسلام يا طوني بلير … انه نجم الاسلام قد أظل، ودولة الإسلام قد أظل زمانها، وسيكون هذا القرن قرن الاسلام باذن الله، والذي يليه، والذي يليه الى ان يرث الله الارض ومن عليها .
واختم بقوله تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير الأستاذ أبو باسل
عنوان الموقع : http://www.washingtoninstitute.org/html/pdf/BlairScholarStatesman.pdf