من أقوالهن عبر ودروس – ح 9 – الزوج الصالح
حياكم الله معنا من إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .وأهلاً بكم مجدداً في برنامجنا هذا من أقوالهن عبر ودروس والتي أرجو أن يكون لكم فيها فائدة وعبرة .
ولقاؤنا اليوم نبدؤه بهذه القصة عن صحابي ربما لم نسمع عنه كثيراً وهو يدعى جليبيب وهو رجل صالح، لكنه دميم الوجه قبيح المنظر، فلا أحد من النساء تقبل به وكانت الناس يردونه ولا يقبلونه زوجاً ، فلما اشتكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه إلى منزل أحدهم لخطبة ابنته ، فكان رد والدة البنت وأبوها في بادئ الأمر [جليبيب يا رسول الله جليبيب يا رسول الله] أما كان أبو بكر ؟ أما كان عمر ؟ أما كان فلان؟ والمقصد هو الرفض ،فسمعت البنت بالخبر فقالت : ما الخبر؟ فأخبرتها أمها ، وصارت في أمرين وبين موقفين: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك المنظر القبيح الذي لا تتحمله، فقالت البنت لأمها ولأبيها: أتردان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أين تذهبان من قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ادفعوني إليه فإن الله لن يضيعني، سمع النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر، فسر ودعا لهذه البنت . ويوم الزفاف سمع بمنادي الجهاد يقول يا خيل الله اركبي، حي على الجهاد، ففزع إلى الجهاد في سبيل الله، واستشهد في تلك المعركة وأمسكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ويقول هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه.
فلننظر إلى قول تلك الفتاة الجليلة بأنني لا أرفض رجلاً بعثه رسول الله لخطبتي دون التفكير في أنه رجل قبيح أو ربما فقير ، من منا ترضى بمثل هذا الزوج الآن ؟ من منا ترضى بزوج صالح مجاهد لا يكون غنياً أو وسيماً أو ذا منصب ومال ؟ انظرن ماذا قالت : كيف تردان أمر رسول الله؟ أين تذهبان من قول الله؟ لأنها كانت مستجيبة لله ولرسوله وليس لأهواء النفس وزخارف الدنيا والمقاييس الزائفة التافهة . وبما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رشحه لها إذن هو الزوج الصالح المناسب لها فهو القائل عليه الصلاة والسلام : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) فالدين هو أساس الاختيار وليس المال أو الشكل أو المنصب أو العائلة والحسب والنسب ، الزوج الذي يقرأ قوله صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ” أي أسيرات فيعاملها بمروؤة وشهامة ورفق ورحمة وعدم منٍّ وأذى . وهذا لا يكون إلا عند صاحب الدين الذي يخاف الله ويتبع أوامره ويبتعد عن نواهيه .
لكن مقاييس الزوج المناسب الآن عند عدد من الفتيات وحتى أهاليهن ليست كذلك ، فهناك من تريده فقط غنياً ذا منصب يوفر لها ما تريده من مسكن فاخر وسيارة وملابس ورحلات مضافاً إلى ذلك وسامة في الشكل واتباع للموضة في اللباس، وقد يكون متساهلاً في المحرمات وتطبيق الأحكام الشرعية من عدم تقيد باللباس الشرعي مثلاً فيسمح لها بالذهاب خارج البيت وهي كاسية عارية ، وفي أماكن الاختلاط وتفعل ما تريد ، هذا ما تريده وليس زوجاً ملتزماً، وتقول: هذا سوف يضيق عليّ، ويمنعني من الخروج من البيت، وكل شيء عنده حرام.، هي تريده طوعاً لها ويلبي طلباتها فقط ، تريد زوجاً إن قالت له: نعم؛ قال نعم. وإن قالت له: لا. قال لا حتى ولو على باطل أو قطع رحم أو فيه ارتكاب لمعصية .
ونسمع بمن يقول ويؤمن بضرورة وجود التكافئ الاجتماعي والثقافي والأسري بين الزوجين ، فنذكر هنا قصة فاطمة بنت قيس التي زوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي قرشية مولاه أسامة بن زيد مفضلاً إياه على معاوية بن أبي سفيان وأبي جهم بن حذيفة العدوي الذين تقدما لخطبتها وهما الحسيبان في قومهما .
وكذلك قام رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام بتزويج المقداد بن عمرو هو المولى الفقير إلى ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب مع أنه مولى وهى قرشية هاشمية شريفة؛ وذلك لأن الإسلام لا يفرق بين عبد أو سيد ولا بين شريف ووضيع، فالكل في نظر الإسلام سواء، لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح ، واختلاف لون البشرة وعدم كونه ذي حسب وجاه ليس عيبا يُردّ بسببه الخاطب ، بل هذا من أمور الجاهلية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها سوف تبقى في الناس ، فقال ) أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ) ولا اعتبار إلا للكفاءة في الدِّين ، وأما الكفاءة في النسب فهي غير معتبرة .وإن كان الناس اليوم يعتبرونها بل ويُقيمون لها الوزن الكبير ، الذي ربما لا يُقيمونه لدينهم لو نقص أو ارتُكب شيء من المحاذير أو الموبقات .
فلدى بعض الناس الاستعداد لتزويج من لا يُصلي إذا كان ذا جاه ومال ومنصب ، وليس لديهم الاستعداد لتزويج من كان تقيا حافظا لكتاب الله إذا لم يكن كذلك وهذه والله موازين جاهلية ، وتحكيم للعادات والأعراف المخالفة للكتاب والسنة.
وتحضرني هنا أيضاً قصة الرجل الذي جاء يسأل أبا الحسن البصري عن أي الرجال يزوج إبنته؟ فقال له لصاحب الدين , فالمؤمن لا يظلم زوجته فإذا هو أحبها أكرمها , وإذا هو كرهها لم يهنها، نعم أختي إن الرجل التقي يعلم حدود الله فلا يتعداها، فهو يقرأ قوله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} ويعمل به, وقوله تعالى {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فيطبقه إن احتاج الأمر ذلك .
إذن أخيتي أنصحك أن تتزوجي بصاحب الدين والخلق القويم, وإذا اجتمع الدين والخلق والمال والحسب والنسب فهذا خير, وإلا فالدين هو المقدم على غيره ، فكامل الدين وإن لم تكتمل قدرته المادية اليوم فقد يغنه الله من سعته غداً وهو الرزاق العليم .
اللهم ارزق بناتنا المؤمنات أزواجاً صالحين وارزق أبناءنا المؤمنين أزواجاً صالحات .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مسلمة