دعاء ومشاعر الحج
منذ أن فرض الله – سبحانه وتعالى- الحج على رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم- والمشاعر تستبشر كل عام وتحتقل بحلول موسم الحج فرحا ً بحضور الرسول – عليه السلام- إلى الحج، وجعل الموسم موسما ً سياسيا ً بامتياز فقد بدأ الرسول المواسم السياسية بإرساله الإمام عليا ً – رضي الله عنه- بسورة براءة ليقرأها على حجاج بيت الله الحرام، وفيها يعلن للعالم أن البيت الحرام محرم على غير المسلمين دخوله أو الاقتراب منه، ويقول للمسلمين إن خفتم الفقر وقلة الدخل نتيجة عدم حضور غير المسلمين فإن الله – سبحانه- سيغنيهم من فضله. ثم كانت حجة الوداع والتي ذكر فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كثيرا ً من الأحكام كتوصيته بالنساء خيرا ً، ووضع كل ربا من الجاهلية وأوله ربا عمه العباس بن عبد المطلب.
وفي هذه الحجة وفي خطبة الوداع أشهد الله – سبحانه – على إقرار المسلمين الحضور بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء، وختم بقوله: ” لقد تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وسنتي”. وحزنت المشاعر والمواقف لفقد الرسول – صلى الله عليه وسلم- وعدم عودته إليها حاجا ً ولكنها رأت في الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- بعض التعويض لما فاتها من بركة الرسول حيث أن سيدنا عمر – رضي الله عنه- كان يواعد ولاته وعماله في موسم الحج لبستعرض معهم أعمالهم وما قاموا به من رغاية لشؤون الرعية وتفقد للعاني والفقير وابن السبيل ويزودهم بأوامره ونصائحه التي يجب أن يسيروا عليها في رعاية شؤون الناس.
وبقي الأمر كذلك والمشاعر تبتهج سنويا ً بالحجاج. صحيح أن خليفة المسلمين لم يكن يأتي كل عام لكنه كان بعيدا ً يعين أميرا ً للحج ينوب عنه في خطبه يوم عرفة والاستماع إلى المسلمين الذين أتوا من كل فج عميق، لكن هذا الأمر انقطع وتوقف بعد أن قضى الكافر مصطفى كمال أتاتورك على الخلافة وألغاها، فأصبحت المشاعر تندب حظها كل عام لعدم وجود خليفة يؤم الحجاج أو وجود أمير للحج يمثل الخليفة فيما يريد.
وفي أيامنا هذه تحول موسم الحج من موسم سياسي بامتياز إلى موسم عادي يقوم الحجاج بأداء المناسك ولا يستطيعون الكلام السياسي لعلمهم أن الحكام قد دسوا بين الحجاج عشرات الآلاف من العيون والجواسيس والمرتزقة الذين يتربصون بكل كلمة يقولها الحجاج، فبدلا ً من أن يكون هذا الموسم موسم اتفاق بين المسلمين على إيجاد الخلافة الراشدة ومبايعة خليفة للمسلمين يعيد للحج يريقه ورونقه وما أراده الله له من أن يكون موسما ً سياسيا ً تبحث فيه أمور المسلمين وما حصل في العام السابق وما يمكن أن يكون في العام اللاحق.
نعم أيها السادة! إن هذه المشاعر والمواقف كلها تشتكي إلى الله – سبحانه – سوء ما أصابها وإضاعة لحقها من استقبال خليفة للمسلمين أو من يمثله. هذه المشاعر تشتكي كما تشتكي معها كل حبة رمل في بلاد المسلمين إلى الله – سبحانه وتعالى- تقصير المسلمين بالقيام بالواجب الأعظم وهو العمل على إيجاد خليفة يطبق شرع الله في الداخل ويحمله رسالة رحمة إلى الناس جميعا ً في الخارج بالجهاد.
إننا إذ نهنىء المسلمين بقدوم عيد الأضحى المبارك عملا ً بسنة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- وإننا إذ نبتهج بالعيد فإنما هو سنته – صلى الله عليه وسلم- وإلا فما الذي في بلاد المسلمين يدعو إلى الابتهاج والفرح وقد ضيعت أحكام الله وساد النفاق وانتشر الفساد بين الناس وأصبح الناس يعيشون في ضنك من الحياة لا يعلمها إلا الله وما ذلك إلا لعدم تطبيق أحكام الله – سبحانه-.
وفي الختام أسأل الله – تعالى- أن يوفقنا لأن نزف للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بشرى قيام دولة الخلافة في القريب العاجل. هذه الخلافة الراشدة التي بشر بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- والتي ستعيد إلى الحج رونقه وبريقه وتجعله مرة ثانية موسما ً سياسيا ً بامتياز وعندها تعود المشاعر والمواقف فرحتها واستبشارها بالخير ولقاء خليفة المسلمين وأميره على الحج. اللهم آمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم،
أبو محمد الأمين