من أقوالهن عبر ودروس- الحلقة الأخيرة-شمس تغرب وشمس تشرق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مستمعينا الكرام من إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير وأهلاً بكم معنا في الحلقة الأخيرة من برنامجنا “من أقوالهن عبر ودروس” . والتي أختمها بهذه الحلقة والتي أسميتها ” شمس تغرب وشمس تشرق” ، لنعتبر مما حصل يوم ضاعت هيبة المسلمين ،، ونعمل لما سيحصل من خير بإذن الله تعالى باستعادة مجد المسلمين ، لنجدد الأمل والعمل ونؤكد الثقة بوعد الله تعالى وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم .
فمحطتنا الأخيرة في رحلتنا هذه ستكون في الأندلس ، الفردوس المفقود كما أسموه ونلتقي في غرناطة آخر معاقل المسلمين في هذه البلاد وفي قصر الحمراء شاهد عز المسلمين وحضارتهم وتاريخهم ، لنرى المشهد الأخير حين سار السلطان المنكسر أبو عبدالله الصغير مع نفر من أتباعه إلى خارج غرناطة ليسلم المدينة إلى الإسبان وينهى آخر عهد للمسلمين بالأندلس، وحين سلمها ألقى على المدينة آخر نظرة وداع عليها فهاجت نفسه وسالت العبرات من عينيه وبكى، فتراه أمه عائشة في هذه الحالة فتقول له:
“إبكِ مثل النساء ملكًا مُضاعًا لم تحافظْ عليه مثلُ الرجال ” وصدقت، فالملك لا يحفظه إلا الرجال والدين لا يحفظه إلا الرجال ، والمجد لا يحفظه إلا الرجال ، ولا أعني بذلك جنس الرجال ، فرب أمرأة بألف من الذكور ، أما أشباه الرجال فليس هذا ميدانهم ولا بضاعتهم، إنما مكانهم في الخلف مع القاعدين .
ولو نظرنا لأسباب ضياع هذا الملك وسقوط الأندلس لرأينا أسباباً مشابهة لوضع المسلمين وقت هدم الخلافة وهذه الأيام حيث فقدوا العزة والكرامة بعد أن فقدوا الدولة والأمان :
ذهبت الأندلس لما ضعفت العقيدة في نفوس المسلمين فحل بهم الهوان وحلت بهم الذلة وحل بهم الضعف ، وركنوا إلى الدعة والترف وانغمسوا في الشهوات وحب الدنيا وانشغلوا بالدور والقصور وبالمعاصي والغفلة وابتعدوا عن الله وحكمه وأوامره وارتكبوا الذنوب وعملوا نواهيه ، وهذا هو حال المسلمين الآن حال محزنة ومؤسفة ، لهو وعبث وضياع وانقياد للدنيا ومفاتنها إلا من عصم الله سبحانه وتعالى .
ومن الأسباب الأخرى لسقوط الأندلس التناحر على المناصب والسلطة حتى ولو بطريق التعاون مع الأعداء ضد الأهل والمسلمين ، فكانت الفتن والمؤامرات وحب الملك والسلطان واستعانة الأخ على أخيه بالعدو وصارت طوائف تقاتل بعضها بعضا ويحقد بعضها على بعض وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: “ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح الدنيا عليكم فتتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم”، تنافسوا الدنيا ونسوا صيانة الدين والدولة فأهلكتهم وجعلتهم أثراً بعد عين ، وقد بلغت دول الطوائف في فترة من الفترات سبعاً وعشرين طائفة أو إمارة أو دويلة تتنافس فيما بينها ، وبعد أن كانت الأندلس دولة واحدة تحولت إلى إلى سبعٍ وعشرين دويلة.
ونحن اليوم وبعد تقسيم الكافر المستعمر لدولة الاسلام أصبحنا نيفاً وخمسين بلداً مسخ يسمونها دولة ،كل لها حاكم يدبر ويخطط ضد إخوانه وبني أمته حتى لو تحالف مع أعداء الإسلام وأبرم معهم الاتفاقيات والمعاهدات التي هي فعلاً مؤامرات ومخططات ضد الإسلام والمسلمين ، يلجأون لهم ضد إخوانهم ، وبدل أن يلتمسوا الحل الصحيح والعلاج الناجع عند رب العباد وشرعه ، تراهم يلتمسون الحلول لقضاياهم عند أصحاب الشرعة الدولية ومجلس أمنهم، يطلبون الحل من الجاني !! يلتمسون العدل عند الظالم!! يظنون أن طريق الصلاح عند أهل الكفر والضلال!! يلتمسون العزّة والكرامة عند من لا دين ولا أخلاق له !! يريدون الأمان عند من ينقضون العهود من الذين خانوا العهد مع الله سبحانه وتعالى فهل نأمل منهم أن يفوا بالعهود معنا ،وكأن هؤلاء لم يقرأوا قول الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ولم يفهموا ولم يستمعوا إلى قوله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ) فملوك الأندلس وحكام اليوم لم يتقوا الله سبحانه وتعالى :
( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)
وما أحوجنا اليوم إلى مثل موقف ابن عباد رحمه الله حين جاءه يهودي فأغلظ له القول وسب المسلمين ، فقام ابن عباد وقتله ، ومن مواقف ابن عباد الشُّجاعة أنه عندما أراد النصارى حصار إشبيلية وكان والياً عليها جاء واستنجد بابن تاشفين من المغرب، فجاءه بعض ملوك الطوائف وقالوا: يا ابن عباد، كيف تستنجد بابن تاشفين؟! قال: وماذا في ذلك ؟ قالوا : إنه إذا جاء ونصرك سيحتل ملكك، قال ما أفعل؟ قالوا: لو استنجدت بأحد ملوك النصارى كما يفعلون هم لقتال هذا الملك.
قال لهم كلمة خالدة تكتب بماء الذهب: “رعيُ الجمال خيرٌ من رعي الخنازير”، لأن أكون راعيا للجمال عند ابن تاشفين وهو مسلم أحسن من النهاية التي ستكون ، سأكون راعيا للخنازير عند هذا النصراني الذي سيأتي ويساعدني .
ونأتي لدور العلماء ، هذا الدور الأساسي والضروري لنهضة الأمة ، فإذا تخلى العلماء عن القيام بواجبهم ، حل بالأمة النكبة والدمار ، ففي الأندلس أطل العدو عليهم، يجوس خلال الديار ويقتل ويدمر ويستولي على البلد تلو البلد ، فما كان العلماء يذكرون الولايات التي تسقط من ولايات المسلمين، بل اهتموا بشكل مبالغ فيه بالفقه المذهبي وفروعه ، تناسوا القضية المصيرية واهتموا بالفرعيات .
أتعلمون – مستمعينا الكرام – عندما دخل الفرنسيون إلى سوريا ماذا كان يحدث ؟على ماذا اختلاف العلماء واهتمامهم ؟ هل اختلفوا في قضية محاربة الفرنسيين؟ لا، بل كان اختلافهم وكلامهم هل يجوز أن يتزوج الشافعي من حنفية ، أو يأخذ الحنفي شافعية ؟ كأنها من أهل الكتاب ، يهتمون بهذا والفرنسيون يبسطون نفوذهم على الشام.
وهذا حال غالبية العلماء هذه الأيام ،، المسلمون يُذبحون ويُقتلون وتنتهك الأرواح والأعراض وتُستباح الأراضي وتُباع بأبخس الأثمان وهم مشغولون بأحكام الحيض والنفاس ونواقض الوضوء ، يسبحون بحمد زعمائهم رغم أنهم يرون خيانتهم لله ورسوله ولأمتهم ، وحتى لو وُجد نفر من العلماء المخلصين الذين يقومون بواجبهم تجاه أمتهم، فهؤلاء الحكام لا يسمعون لهم وإلى نصحهم وتحذيرهم هذا إن لم يتخلصوا منهم.
ولا يغيب عن بالنا هؤلاء النفر السلبيون الأنانيون من الناس الذين يغلِّبون مصالحهم الشخصية على مصالح المسلمين فهناك مثلاً من تأتيه وتحدثه عن واقع المسلمين ، تحدثه عن المآسي و الفواجع ووجوب الحل الجذري لهذا ، فلا يتحرك!! يفكر في وظيفته ، في راتبه ، في مصلحته ، عائلته ، وتراه لو أوتي في دنياه لأقام الدنيا ولم يقعدها ، أما في أمور المسلمين فلا ، وكأنه ليس من المسلمين حتى يهتم بأمرهم .
ونرجع إلى قول عائشة أم عبد الله الصغير ” إبكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال” لنذكر أيضاً ونًذكِّر ونؤكّد على أهمية دور المرأة في شحذ الهمم والدفع إلى الأمام كما ذكرنا في حلقة سابقة عن صانعات الرجال .
ولكن رغم كل هذا ، فهناك شمس تغرب وشمس تشرق، ففي الوقت الذي سقطت فيه الأندلس، وسُلمت على صحفة من ذهب إلى الإسبان الكفار ، كان محمد الفاتح قد فتح القسطنطينية وبزغ نور الإسلام هناك ، وفى الوقت الذي تصورت أوروبا أنها محت الإسلام من الغرب ، جاءها الإسلام من الشرق عن طريق بلاد الأناضول – تركيا حاليا- وهذا دين الله سبحانه وتعالى.
فالأمل الأمل!! والثبات الثبات !! والنصر النصر !! والنجاة النجاة !! هذا دين الله ، ولكن أين العاملين؟ أين الساعين لإعادة تحكيمه على الأرض ؟ أين الراغبين بعز الدنيا ونعيم الآخرة ؟ أين المضحين بالأرواح والأنفس والثمرات ؟ فبشرهم بنصر من الله وفتح قريب بإذن الله تعالى. فهذه تباشير الصبح قد ظهرت، وهذه مبشرات النصر قد أطلت ، وأسأل الله أن نكون من شهودها وجنودها ، وأن نبايع الخليفة قريباً ، الإمام الجُنة الذي يقاتل من ورائه ويُتقى به ، والذي سنعيد معه وبه أيام المجد إن شاء الله تعالى .
بهذا مستمعينا الكرام ننهي سلسلة حلقات ” من أقوالهن عبر ودروس ” أسأل الله تعالى أن تكونوا قد استفدتم منها وأن يكون فيها الأجر والثواب بإذن الله تعالى .
بارك الله فيكم على حسن استماعكم . وإلى اللقاء في سلسلة أخرى بحول الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مسلمة