الأندلس الفردوس المفقود من الفتح إلى السقوط – ح1
بسمِ اللهِ والصلاةُ والسلامُ على من لا نبي بعده أُرسلَ مهداةً ورحمةً للعالمين سيدِنا محمدٍ المختارِ الأمين عليهِ أفضلُ صلاةٍ وأتمُّ تسليمٍ ، نلتقي وإياكُم وبإذنِه تعالى ومعَ سلسلةٍ جديدةٍ نطّلِعُ من خلالِها على عزٍ مفقودٍ وكرامةٍ ضائعةٍ، فكان لا بد من سبرِ أغوارِ هذا التاريخِ المجهولِ لدى كثيرٍ من المسلمين . فتاريخُ الاندلسِ ثروةٌ حقيقيةٌ من العلمِ ومن الخبرةِ ومن العبرةِ والتي لا بدَ أن نعتبرَ منها حتى لا نقعَ في نفسِ الأخطاءِ التي وقعَ فيها من سبقونا ، فتاريخُ الأندلسِ مضى في أكثرِ من ثمانِ مئةِ عام ، قامتْ فيه أممٌ وارتقتْ ، وفي الوقتِ نفسِه وَقَعَتْ أممٌ أخرى واندَثَرَتْ ، بَرَزَتْ فيهِ شخصياتٌ عديدةٌ، كعبدِ الرحمن الداخل وعبدِ الرحمن الناصر ويوسفَ بنِ تشفين وغيرِهم..
لذا سنقومُ من خلالِ هذهِ الحلقاتِ ببيانِ كيفةِ فتحِ الأندلسِ وكيفيةِ سقوطِها وما هي عواملُ السقوطِ؟ والتي لا بد من تجنبِ تكرارِها لتجنبِ تكرارِ السقوط .
فمن المعلومِ لدينا أن للهِ سنةً في خلقِهِ لا تتبدلُ ولا تتغيرُ ، فاللهُ سبحانَهُ وتعالى يقول : ” فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً” (فاطر:43) سورةُ فاطر الآيةُ الثالثةُ والأربعون.
فهذا أمرُ اللهِ سبحانَه وتعالى قرَرَهُ في كتابِهِ وجعلَهُ من سنَنِهِ الثابتةِ، كثبوتِ درجةِ غليانِ الماءِ ودرجةِ تجمدِه وثبوتِ الحرقِ في النارِ والقطعِ في السكينِ وثبوتِ حاجةِ الإنسانِ إلى الطعامِ والشرابِ لاستمرارِ حياتِهم ، وإلا فقدهَا بفقدانِهِ إياها ، فهذهِ الأمورُ وغيرُها ثابتةٌ وستظلُ كذلك إلى يومِ القيامةِ ، وهذا الثبوتُ يؤديْ إلى ثبوتِ حياةِ الناسِ وبالتالي تستقيمُ أمورُهُم وتستقر، فاللهُ سبحانَه وتعالى وضعَ للإنسانِ والكونِ والحياةِ قواعدَ محكمةً وسُننًا ثابتةً.لا تتغيرُ إلى يومِ الدين.
كذلك وبالمثل فإن سننَ اللهِ تعالى في تغييرِ الأممِ هي سننٌ ثابتةٌ، فقد جعلَ اللهُ لتغييرِ الأممِ وتبديلِها من الفسادِ إلى الصلاحِ، ومن الصلاحِ إلى الفسادِ سنناً ثابتةً لا تتغيرُ.
فالقارئُ للتاريخِ المقلبُ لصفحاتِه يشاهدُ هذا الثبوتَ في تلك السننِ، ويجدُ كيفَ أن التاريخَ يكررُ نفسَهُ بصورةٍ عجيبةٍ، فيظنَّ نفسَهُ حين يقرأَ أحداثاً حدثت منذ ألفِ عامٍ أو أكثر، وكأنها هيَ هيَ، نفسُ الأحداثِ التي تتمُ في هذا الزمن، مع اختلافٍ فقط في بعضِ الأسماءِ أو المسميات.
والمؤمنُ الحصيفُ لا يقعُ في أخطاءِ السابقين، والمؤمنُ العاقلُ الواعيْ هو الذي يكررُ ما فعله السابقون من المحامدِ والإيجابيات، فيفلحُ بفلاحهِم واقتدائِه بهم، وهو نفسُه الذي لا يقعُ في أخطاء ِمن عارضَ منهجَ اللهِ سبحانه وتعالى، أو وقع في خطأٍ مقصودٍ كان أو غيرَ مقصود.
وقبل البدءِ في تاريخِ الأندلسِ ، كان لا بدَ من وَقْفَةٍ ولو يسيرةٍ على أمرِ الجهادِ وتعريفِه ، فمسألةُ الجهادِ من المسائلِ التي هاجمنا الغربُ من خلالِها ، وهبَّ المسلمون للدفاعِ عنها وكأنَها تهمةٌ تَلْحَقُ بالإسلامِ وأهلِه ، مما زادَ الطينَ بِلَّةً ، وأدى هذا الدفاعُ إلى الإساءةِ لأحكامِ الشرعِ وتأويلِ نصوصِهِ تأويلاً لا تحتملُهُ ، فأدى إلى الخطأِ بلِ الضلالِ .
فقالوا: إن الجهادَ هو للدفاعِ عن النفسِ ، وهمشوا تماماً بقصدٍ أو دون قصد مسألةَ جهادِ الطلبِ ، والذي لا تنتشرُ الدعوةُ إلا بِِهِ ، بل إنهُ الطريقةُ الشرعيةُ الوحيدةُ للدعوةِ إلى الإسلامِ.
والجهادُ هو بذلُ الوسعِ في ساحةِ القتالِ ، وأيضاً هو إزالةُ جميعِ الحواجزِ الماديةِ التي تمنَعُ انتشارَ الإسلام ، فالإسلامُ هو الدينُ الخاتَمُ، وهو كلمةُ اللهِ الأخيرةُ إلى الناسِ، وقد كلّفَ اللهُ هذهِ الأمةَ – أمةَ الإسلامِ – أمرَ نشرِ هذا الدينِ في ربوعِ العالم، وتعليمِ الناسِ كلِّ الناسِ مُرادَ ربِهم عزَّ وجلّ الذي أنزلَهُ على نبيِهِ خاتَمِ الأنبياءِ صلى الله عليه وسلم.
وقد جعلنا اللهُ سبحانَه وتعالى -أمةَ الإسلامِ- أمةَ الشهادةِ على باقيْ الأممِ ، قال سبحانه وتعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً” البقرة:143.
والطبيعيُّ أن يكونَ هناك من يمنعُ ويصدُّ، ويقفُ بكلِ ما أوتيَ من قوةٍ حائلاً بين حملةِ الدعوةِ وبين مَن يرادُ توصيلُ الدعوةِ إليهِم؛ وذلك لأنَهُم- وهمُ الحكامُ- مستفيدون من عبادةِ هؤلاءِ الناسِ لغيرِ اللهِ سبحانه وتعالى، فإذا حَكمَ شرعُ اللهِ انتقلتِ الحاكميةُ من هؤلاءِ الناسِ- الحكامِ- إلى اللهِ سبحانه وتعالى وهم لا يريدون ذلك، ومن هنا سيقفون أمامَ الدعوةِ بجيوشِهِم وسيوفهِم، ولن يجد المسلمون إلا أن يقفوا أيضا أمامَهُم بجيوشِهم وسيوفِهم حتى يحموا الدعوةَ إلى اللهِ سبحانَه وتعالى.
ومبدأُ الإسلامِ هو مبدأٌ شاملٌ كاملٌ ليسَ فيهِ ثُغُراتٌ وليس فيه ما نستحيْ منهُ أو نُخفيهِ عن الآخرين، فهو من عندِ اللهِ عزَّ وجلّ، بتعاليمِهِ ، وكيفيةِ تنفيذِ هذه التعاليم ، ووجبَ نشرُ هذا المبدأ ، ونشرُهُ يتمُّ بالدعوةِ والجهادِ ،، فهذا أمرُ اللهِ ووجبَ علينا التنفيذُ، كما نفذَ أجدادُنا الذين حملوا الإسلامَ طيلةَ أربعةَ عشرَ قرنا من الزمان
فهذهِ دولةُ فارسَ والتي تشملَ الآنَ: العراقَ وإيرانَ وباكستانَ وأفغانستانَ وكلَ دولِ الاتحادِ السوفيتي الجنوبيةِ والتي تمثلُ أكثرَ من خمسةَ عشرَ إلى ستةَ عشرَ [تمثل ماذا- المدقق]من جملةِ الاتحادِ السوفيتي السابق، كلُ هذهِ البلدانِ من هذهِ الدولةِ الفارسيةِ أسلمتْ ودخلَها المسلمون عن طريقِ الفتحِ الإسلاميِّ العسكري، بالجيوشِ والجهادِ والاستشهادِ والحروبِ المريرةِ لسنواتٍ طويلة، ومثلُها أيضا دولةُ الرومِ، وكذلكَ بلادُ الشامِ التي تشملُ فلسطينَ والأردنَ وسوريا ولبنانَ وأجزاءً من جنوبِ تركيا، بالإضافةِ أيضا إلى بلادِ آسيا الصغرى، كلُ ذلكَ فُتِحَ بالجهادِ في سبيلِ اللهِ، دولةُ الرومِ فُتحت فتحا عسكريا، وليسَ فتحُ القسطنطينيةِ خافيا عن العيون، وكذلكِ أيضا كلُّ بلدانِ شرقِ أوروبا، وكان منها على سبيلِ المثال: بُلغاريا واليونانُ ورومانيا والمجرُ وتشيكوسلوفاكيا وأجزاءٌ من النمسا ويوغوسلافيا بكاملِها وقبرصُ ومالطا، كلُ هذه البلدانِ فُتحت بالجهادِ في سبيلِ اللهِ في زمنِ الخلافةِ العثمانية، وعاشَ فيها الإسلامُ رَدّحا من الزمن، ثمَّ ما لبثَ أن اختفى منها.، بسقوطِ دولةِ الإسلام
وأيضا دولُ شمالِ إفريقيا كلُّها فُتحت بالجهادِ في سبيل ِالله، ابتداءً بمصرَ ومرورا بليبيا ثم تونسَ ثم الجزائرِ ثم المغربِ، ومثلُها أيضا دولُ وسطِ وغربِ إفريقيا فتحت بالجهادِ في سبيلِ الله.
والناظرُ للفتوحاتِ الإسلاميةِ التي حصلتْ ، وتلكَ الحروبِ التي يشنُها الغربُ الكافرُ على الإسلامِ وأهلِه ، يرى البونَ الشاسعَ بين أهدافِ الفتوحات ، وأهدافِ تلك الحروب ، رغم ادعاءاتِهم بأنهم يريدون نشرَ السلامِ وتحقيقَ الحريةِ والطمأنينةِ وتخليصَ الشعوبِ من ديكتاتورية حكامِهِم ، نجدُهُم يقتلونَ النساءَ والأطفالَ والشيوخَ دون رحمةٍ ، يهدمونَ البيوتَ يحرقونَ كلَّ شيءٍ أمامَهم ولمْ يسلمْ منهمُ الحجرُ والشجرُ .
فالمسلمون دخلوا البلادَ لينشروا فيها العدلَ والرحمةَ ودينَ الحقِ ويعبِّدوا الناسَ لربِ العالمين، علّموا فيها الناسَ دينَهم وهَدَوْهُمْ إلى طريقِ ربِهم ، عملوا على نشرِ العلمِ والدينِ والرحمةِ والعدلِ في ربوعِ العالمِ أجمع.
أما الغربُ الكافرُ فلم يدخلِْ البلادَ إلا لاحتلالِها ونهبِ ثَرَواتِها وخيراتِها والقضاءِ على المسلمين أطفالاً ونساءً وشيوخاً.
ففي فلسطينَ سمعنا عن كلِّ الموبقات التي فعلها ومازالَ يفعلُها يهودُ هناك ، وكذلك الأمرُ في العراقِ وأفغانستانَ ، وسابقاً سمعنا عن أفعالِ الصربِ في البوسنةِ والهرسكِ وفي كوسوفا حين قُتِل مِائَتَا ألفٍ أو أكثرُ في واحدةٍ من الاثنتين وقاموا بهتكِ عِرْضِ خمسينَ ألفَ فتاةٍ مسلمة، ولا ننسى اجتياحَ روسيا للشيشانِ وكذلك أفغانستانَ وتدميرَ المنشآتِ المدنيةِ في هذهِ البلاد، وقتلِ المدنيين ليلَ نهار.
كلُّ هذهِ الأفعالِ وأكثرُ باسمِ الديموقراطيةِ ونشرِ الحرية ، فعن أيةِ حريةٍ يتكلمون,,,؟؟!!
إن تاريخَ المسلمين مليءٌ بصَفَحاتِ الشرفِ والعزةِ والمجدِ، وهؤلاء إنما يريدونَ تغييرَ هذه الصَفَحاتِ المشرقةِ عن عَمْدٍ؛ حتى يشعرَ المسلمون بشيءٍ من الاستحياءِ تُجاهَ تاريخِهِم، وإنما التاريخُ الإسلاميُّ صَفَحاتٌ بيضاءُ ناصعةٌ، يشرّفُ كلَ المسلمين ويُعْلِيْ من قدرِهِم، وإنما الاستحياءُ كلُّ الاستحياءِ يجبُ أن يكونَ من أدعياءِ الحضارةِ والمدنيةِ وفُعّالِ الفحشِ والموبقات.
نكتفي بهذا القدرِ ، ونعود إليكُم بإذنه تعالى الأسبوعَ القادمَ وحَلْقةً جديدةً من حَلَقاتِ (الأندلسُ المفقودُ من الفتحِ إلى السقوطِ) نتعرف من خلالِها على بلادِ الأندلس ، فإلى ذلكَ الحين ، أستودعُ اللهَ دينَكُم وأمانتَكُم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته