Take a fresh look at your lifestyle.

الأزمات الإقتصادية العالمية- ح2

 

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

   ذكرت في الحلقة السابقة أن ما يمر به العالم اليوم من أزمات إقتصادية خانقة، هو نتيجة الأنظمة الإقتصادية السائدة في هذه الأيام، وهي في غالبها منبثقة عن المبدأ الرأسمالي، أو خليط منه ومن غيره، وتطرقت إلى الأسباب المباشرة للأزمة الإقتصادية العالمية التي تعصف بالعالم اليوم، وفي هذه الحلقة سأتطرق إلى البند الأول من الأسباب التي جعلت النظام الإقتصادي الرأسمالي يخفق في حل هذه الأزمات بل هو من تسبب بها، والذي يتعلق بالأساس الذي تقوم عليه الرأسمالية وهو عقيدة الحل الوسط.

    فالعقيدة الرأسمالية لم تبنَ على العقل، بل بنيت على تفاهم الأطراف المتصارعة في أوروبا وروسيا، من الملوك والقياصرة الذين اتخذوا  من رجال الكنيسة مطية لهم، والذين يريدون أن تبقى كل الأمور بيدهم باسم الدين، والمفكرين والفلاسفة الذين كانوا ينكرون الدين او ينادون بفصله عن الحياة، ونتيجة الصراعات المريرة بينهم تم التوصل إلى حل وسط بين الفريقين لوقف هذه الصراعات، من أراد الدين فعليه بالكنيسة ومن أراد الدنيا فعليه بالقيصر: “دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر”، هذا الحل الذي يستوي فيه المعترف والمنكر للدين، فالدين حسب ما توصلوا إليه ليس له دخل في الحياة الدنيا، والإنسان هو الذي يضع ويختار النظام الذي يرتئيه مناسبا، ومن أراد أن يعبد الإله فله ذلك داخل المعابد والكنائس والمساجد فقط، أي فصل الدين عن الحياة وبالتالي فصلها عن الدولة والسياسة، فلا دخل للدين في السياسة أو الحياة أو الدولة حسب العقيدة الرأسمالية، ومن ينكر وجود الدين أو الخالق فليس له أن يتدخل في شؤون المعابد والكنائس والمساجد، هذا هو الأساس الذي بنيت عليه العقيدة الرأسمالية، وهو الحل الوسط بين المعترف بوجود الخالق والمنكر لوجوده. ومن هنا وجد ما يسمى بالسلطة الزمنية والسلطة الروحية، فكانت السلطة الزمنية “القيصرية” عند أتباع الرأسمالية من نصيب الحكام، والسلطة الروحية “البابوية” من نصيب اصحاب الكنيسة والمعابد ومن في حكمهم من الشيوخ عند الدول القائمة في البلاد الإسلامية الآن، إذ اعتبر هؤلاء أن الدين الإسلامي هو كأي دين.  وقد انبثق عن هذه العقيدة الحريات الأربع للأفراد وهي: حرية العقيدة وحرية التملك وحرية الرأي والحرية الشخصية، وهكذا جعل هذا المبدأ للإنسان أن يضع نظامه الذي يريد بناءً على هذه العقيدة، وله أن يتملك كما شاء وكيف شاء، ويعيش بدون ضوابط او قيود ما دام انه لم يتعدَ على حريات الآخرين، مما أوصل الإنسان في بعض الأحيان إلى أدنى من مرتبة الحيوان نتيجة الحرية الشخصية،  وقد أعادت الرأسمالية ما عرف بشريعة الغاب من جديد إذ تجعل الأقوى والأذكى يأكل الضعيف والأقل ذكاء نتيجة حرية التملك، فكان الإستعمار بمختلف أشكاله العسكرية والسياسية والثقافية والفكرية والإقتصادية حيث استعمرت الدول القوية البلاد الضعيفة ناهبة خيراتها واستعبدت شعوبها، فكان الشقاء والتعاسة التي تعيشها البشرية في هذا الزمان،  نعم بعد هذا الصراع بين الكنيسة والمفكرين وجدت وبنيت العقيدة الرأسمالية على الحل الوسط ولم تبنَ على العقل، ونتج عن هذا الحل أن الإنسان يضع أنظمته بنفسه، ومن ضمنها النظام الإقتصادي الذي نحن بصدد الحديث عنه، فبدأ مفكروا هذا المبدأ بوضع نظريات وأسس هذا النظام فكان آدم سميث 1723-1790 الذي أطلق عليه الكتاب والمفكرون لقب (أبو الإقتصاد العصري) ، وديفيد ريكاردو 1772-1823 وله النظرية المعروفة باسم قانون الميزة النسبية، وتوماس مالتوس1776-1834 والمشهور بنظرياته عن التكاثر السكاني، وهؤلاء الثلاثة من بريطانيا، ولا حاجة للتطرق إلى نقض العقيدة الرأسمالية والسرد التاريخي لنشوء المبدأ الرأسمالي وما نتج عنه من أنظمة ومنها النظام الإقتصادي أو الإقتصاد الحر، لأنها قد قتلت بحثا في كتب حزب التحرير، لكن الذي يجدر الإشارة له هنا هو أن البشر عندما يضعون النظام يكونون متأثرين بالظروف المعيشية والبيئية التي نشأوا بها، ويكونون عرضة للتفاوت والإختلاف والتناقض حسب المكان والزمان، وكل إنسان يحاول أن يضع نظاما يكفل فيه لنفسه مكتسبات على حساب غيره من البشر، وهذا الأمر يلمسه الجميع عندما توضع التشريعات موضع البحث ويكون للأقوى الأثر الأكبر في التشريع، وهذا وحده يجعل المبدأ الرأسمالي ومنه إقتصاد السوق عاجزا عن إيجاد حل للأزمات الإقتصادية، بل هو السبب الرئيس في وجودها، كونه من وضع البشر، فما بالك إذا كان القائمون على هذا النظام من كبار الملاك والإقطاعيين والرأسماليين، فإنهم بالتأكيد سيضعون من الأنظمة والقوانين ما يحفظ لهم أموالهم ويزيدها على حساب الآخرين، وهاهي إفرازات هذا النظام ظاهرة للعيان، فإنك تجد عندهم أفرادا معدودين على الأصابع يملك الواحد منهم ما يعادل ميزانية عدة دول مجتمعة، في حين أن الغالبية تعمل لدى هؤلاء بالراتب الذي لا يؤمن لكثير منهم سوى الحاجات الأساسية لهم، والعاطلين عن العمل بعضهم لايملكون إلا الأرصفة ينامون عليها ولا يجدون ما يقتاتون منه سوى حاويات القمامة، وكبار الرأسماليين هم من يتربع أو يوصل من يريد إلى مراكز اتخاذ القرار، الذين يسنون من القوانين والأنظمة ما يحفظ لهم وضعهم المالي المتنامي، ويطلبون من موظفهيم انتخاب من يرشحونهم لللمناصب القيادية، وربما زوروا  الإنتخابات من أجل ايصالهم، وعندما يوصلون من يريدون إلى الحكم ومراكز اتخاذ القرارات فإنهم يطلبون منهم سن قوانين لخدمتهم وتأمين مصالحهم، وكذلك فتح أسواق جديدة لهم في الخارج ليديروا ماكنات مصانع الأسلحة والسيارات والطائرات والإلكترونيات وغيرها التابعة لهم، بل يحثونهم على إشعال الحروب كي تنتعش مبيعات الأسلحة، ويسعون من خلال حكوماتهم إلى تأمين المواد الأساسية التي تقوم عليها صناعاتهم أو تجاراتهم من الخارج بأبخس الأثمان، عن طريق استعمار البلاد والشعوب بالإحتلال العسكري المباشر، أو سياسيا عن طريق شراء الذمم للحكام ومن حولهم، أو اقتصاديا عن طريق أخذ امتيازات البحث والتنقيب واستخراج المعادن والثروات وإغراق البلاد المستعمرة بالديون لتبقى مرهونة لهم، ومنعها من إقامة مصانع ثقيلة، بالإضافة إلى الغزو الفكري وهو الأهم بحيث يجعلون الشعوب المستعمرة تتخلى عن عقائدها ومبادئها، وهذا ما يسهل عليهم الإستعمار بأشكاله المختلفة، وما هذا الكم الهائل من الكتاب والمفكرين والصحفيين والخطباء والمشايخ الذين ينعقون ويروجون لسياسة الإنبطاح والاستسلام إلا مظهرا من مظاهر الإستعمار الفكري، حتى أن كثيرا من المشايخ يدعون إلى عقيدة فصل الدين عن الحياة وبالتالي فصلها عن السياسة والإقتصاد والحكم وهي ذاتها العقيدة الرأسمالية، ويضعون من القواعد والأحكام ما يوافق أهواءهم، حتى أنهم يقولون إن الإسلام قد ترك أمر أنظمة الحكم والاقتصاد للبشر وللتجارب الإنسانية، فيأخذ منها المسلمون ما يرونه أصلح لهم ولدنياهم، وهذا هو عينه عقيدة المبدا الرأسمالي، وكذلك تعمد هذه الدول إلى فصل المناطق الغنية بالثروات عن غيرها من البلاد وإقامة فيها دويلات أشبه بالكنتونات، كي يسهل ابتلاعها كما هو حاصل في مشيخات الخليج، التي جزؤوها بحيث أن بعضها لا تتجاوز مساحته قطعة أرض يملكها الأفراد، كمشيخة (مملكة) البح…. العظمى! ومشيخة قط…. العزى، والكو…. الثالثة الأخرى، تلك والله قسمة ضيزى قبِل بها عُبّاد الإستعمار من المطبلين والمزمرين، وكثير منهم يعتلي منبر رسول الله متباكيا على دماء الصحابة الذين فتحوا ووحدوا تلك البلاد، وداعيا من على المنبر إلى طاعة ولي أمره ونعمته الذي يسجد للإستعمار، ويدعو للحفاظ على التجزئة وعدم ضم الدول لبعضها على إعتبار أنها عقيدة السلف! وتجده يحذر من عبادة محمد وآل محمد وهو يعبد وليّ أمره وآل وليّ أمره، ويبيع آخرته ليس بدنياه بل بدنيا غيره، وهاهي ثروات المسلمين تنهب من كل ناهب ولا يستفيد منها المسلمون، ومع ذلك لا يجرؤ على انكار هذا المنكر الذي يحدث من قبل ولاة أمره، هؤلاء هم أتباع الرأسمالية الغربية وهذا هو النظام الرأسمالي: عدد محدود من الرأسماليين يتحكمون في العالم ويمتلكون مختلف المصانع من أسلحة وغيرها، ويستعمرون الأمم والشعوب وعملاؤهم يدشنون (يركبون ويجمعون) بعد كل هذا سيارة (ظبي1) بالإشتراك مع كبرى الشركات العالمية! فما بالك بتدشين ظبي2 فربما سيحتاجون إلى ثلاث دورات حياتية من عمر البشر حتى يدشنوها!!، ولا يمكن للعالم بعامة والمسلمين بخاصة أن ينعموا في حياتهم إلا إذا تخلصوا من عقيدة ونظام المبدأ الرأسمالي العفن، ومن عملاء الإستعمار الذين يتحكمون بهم، ويقومون بتغيير الأنظمة التي يحكمون بها من جذورها والتي وضعها البشر، والعودة إلى الإسلام كمبدأ من عند رب البشر عقيدة ونظام حياة في الدولة والمجتمع من أحكام إقتصادية وسياسية وغيرها.

 

نتابع معكم مستمعينا الكرام في حلقات قادمة إن شاء الله.

 

أحمد أبو أسامة