Take a fresh look at your lifestyle.

فكرة الاستقلال فكرة خبيثة أريد بها تفتيت الأمة

 

عجيب أمر هذا الاستعمار الغربي الذي برع في الكذب وبرع في الدجل وفي المغالطة والذي جاء أيضاً بأفكار غريبة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب لقد جاء بهذه الأفكار لتفتيت الأمم ولإضعاف الخصوم تمهيداً للإنقضاض عليهم ومن هذه الأفكار التي نادى بها: الديمقراطية، والحرية، وحق تقرير المصير، والإتحاد بدل الوحدة، القومية، والحكم الذاتي ، الحكم الذاتي الموسع، واللامركزية في الحكم، الوطن القومي، والاستفتاء، والدولة الحاجزة، وفكرة الاستقلال، وحقوق الأقليات، والوصاية الدولية والانتداب والذي نبحثه في هذه المحاضرة هو الاستقلال، فما هو الاستقلال وما الحكم الشرعي المتعلق به؟

الاستقلال لغة: مصدر سداسي من الفعل قل وهو عكس كثر فالاستقلال إذن هو طلب القلة.

 أما اصطلاحا فيعني انفراد القوم بأمرهم، ويعني أيضاً أن تنفرد الدولة المستقلة برأيها بعيداً عن تدخلات الدولة المستعمرة والاستقلال الحقيقي عن الدول المستعمرة أمر جيد ومطلوب لكن هذا لم يطبق في بلاد المسلمين وإنما جعل الاستقلال مردافاً لكلمة تفتيت وانقسام الأمة بل إن الاستقلال في بلادنا مرادف أيضاً للإنفصال وتقسيم الأمة.

إن بحث واقع الاستقلال الذي روج له الكافر وعملاؤه في بلاد المسلمين يظهر لنا أنه استقلال مزيف وتفتيت حقيقي للأمة الإسلامية، إذ كيف يكون الاستقلال حقيقياً ودويلات المسلمين عالة على الاستعمار في ثقافتها وأفكارها وسياستها واقتصادها بل وفي النواحي العسكرية من سلاح وعتاد وتدريب؟

لقد سوق الاستعمار الغربي وعملاؤه فكرة الاستقلال لتفتيت الأمة الإسلامية ليتمكن بعد ذلك من استعباد هذه الأمة ونهب خيراتها وإذلالها والقضاء على دين الإسلام فيها.

 فأي استقلال هذا الذي جزأ القبيلة الواحدة وجعلها في عدة دويلات؟

 وأي استقلال هذا الذي جعل الأخر في دويلة والأخ الآخر في دويلة أخرى والأب في دويلة والإبن في دويلة أخرى؟

 وأي استقلال هذا الذي جعل سكة الحديد تفصل دويلة عن أخرى والنهر الصغير يفصل دويلة عن أخرى ويشق دويلات عديدة؟

 إن هذا ليس استقلالا وإنما هو تفتيت للأمة بامتياز.

إن فكرة الاستقلال في بلاد المسلمين فكرة خبيثة وهي حرام شرعاً لمخالفتها الصريحة لأحكام الشرع فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلمون أمة واحدة من دون الناس».

والمسلمون بفكرة الاستقلال أصبحوا أمما شتى، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم».

 والمسلمون بفكرة الاستقلال أصبحوا دويلات متدابرة لا ينصر بعضهم بعضاً بل وفي أحيان كثيرة يصطف المسلمون في دويلة أو دويلات ضد المسلمين في دويلة أو دويلات أخرى.

 هذا هو حكم الشرع في فكرة الاستقلال، كذلك فإن واقع المسلمين ينطق بأن فكرة الاستقلال جرت ويلات وويلات على المسلمين على طول تاريخهم قديمة وحديثة، ففكرة الاستقلال في بلاد المسلمين كما قلنا هي فكرة انفصال المسلمين عن بعضهم البعض وتفتيت للأمة.

وقد عانى المسلمين كثيراً من انفصال دولايات عن مركز الخلافة، فانفصال الأندلس عن جسم دولة الخلافة العباسية كان وبالاً على المسلمين في الأندلس .

 لقد كلف هذا الإنفصال المسلمين غالياً فقد استئصلت الإمارة الإسلامية في الأندلس وسفكت دماء الملايين من المسلمين وارتدت اعداد غفيرة عن دينها واستبعد الآلاف من المسلمين وانتهكت الأعراض وخسر المسلمون أموالاً طائلة.

 كان هذا ما حدث في الأندلس وقد حدث مثل ذلك في إمارات المسلمين في آسيا الوسطى التي انفصلت عن جسم الخلافة وخضع المسلمون بعد ذلك فيها لحكم الطاغوت القيصري الروسي ثم الحكم الشيوعي، وقد كلف المسلمون خسائر شتى في الأرواح والأموال والأعراض والارتداد عن الإسلام.

 هذا ما حدث في الماضي وما هو حاصل في العصر الحاضر اشد وانكي، فقد كان القضاء على دولة الخلافة العثمانية وعمالة عدد من أمراء المسلمين لبريطانيا وفرنسا واتفاقيات التقسيم كاتفاقية سايكس بيكو واتفاقية العقير وغيرها كان لكل هذا آثار مدمرة أهلكت الحرث والنسل وأذاقت المسلمين أصنافاً من الأذى والعذاب وانتهاك الأعراض ونهب الأموال ما لم يحدث حتى في عهد هولاكو التتري أو في الحروب الصليبية، وما تفعله أمريكا وبريطانيا وحلف الأطلسي ودويلة يهود لأكبر شاهد على ما نقول.

 فهل كان معنى لهذا الاستقلال الذي طالبنا به والذي أجهزنا به على دولتنا دولة الخلافة العثمانية نصرة لأعدائنا الانجليز والفرنسيين وغيرهم غير الذلة والهوان وابتعاد الإسلام عن معترك الحياة واستيلاء الأعداء على ديارنا ونهب خيراتنا والعبث بديننا وأعراضنا وكرامتنا؟ وماذا جنى الخونة الذين كانوا مع أعدائنا ضد دولتنا إلا الذل والهوان وسلطان زائف مضحك فسحقاً لهؤلاء الخونة وما أعظم جرائمهم التي ستكلفنا غالياً عندما تنقض عليهم أسود الإسلام يحاسبونهم ويحاسبون أسيادهم على ما اقترفت أيديهم.

لقد فعلت فكرة الاستقلال الخبيثة في المسلمين فعالها الخبيثة إذ قسمت المسلمين إلى سبعة وخمسين كياناً، بل إن فكرة الاستقلال والهيمنة الاستعمارية لم يقتصر ضررها على المسلمين فحسب وإنما شمل ضررها الكرة الأرضية، فانظروا ماذا فعلت الدول الكبرى في العالم وأعني بذلك بريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا، لقد قسمت هذه الدول الكبرى الخبيثة أوروبا إلى أكثر من عشرين كياناً وقسمت افريقيا اكثر من خمسين دويل وقسمت آسيا وأمريكا الجنوبية إلى عشرات الدويلات كل هذا لإضعافها ونهب خيراتها وإذلالها.

ولكن يجب أن نعلم كيف تسنى للاستعمار الغربي أن يفعل في بلاد المسلمين ما فعل، وما هي العوامل التي ساعدته على تحقيق مراده؟

لقد استغل الاستعمار الغربي الضعف الفكري والانحطاط الذي ران على المسلمين في القرنين الأخيرين، كما استغل الفقر والجهل والمرض الذي كانت تعاني منه أمتنا واستغل أيضاً سوء تطبيق الإسلام على المسلمين وضعف أفهامهم ليغزوهم الغزو الفكري الذي شككهم بدينهم، كما استغل تعدد الشعوب والأجناس والأعراق عند المسلمين إضافة إلى نجاحه في كسب عملاء وأمراء مني بني جلدتنا رضوا أن يتقاسموا معه الغنيمة ليعطيهم الفتات ليبقى له نصيب الأسد، فقد نجح الاستعمار في جعل العربي يطالب بالانفصال عن التركي وجعل الكردي يطالب بالانفصال عن التركي والعربي، وبدل أن يكون المسلمون أخوة بغض النظر عن أجناسهم وألسنتهم إذا بهم يصبحون أعداء بعضهم البعض يجعلون الكافر أخاً وحليفاً والمسلم عدواً وغريباً، وقد نتج عن هذا التفتيت الذي ترون والعداوات التي ظهرت منذ انفصلت كيانات متعددة تمتلك الثروة وقلة السكان عن سائر المسلمين الذين لا يكادون يجدون لقمة العيش، فزاد المسلمون ضعفاً على ضعف وحقداً على حقد  وحسداً وبغضا لبعضهم البعض والكافر المستعمر يقهقه بملء شدقيه على الحال الذي وصلت إليه بلاد الإسلام.

ولكن في مقابل ذلك أين كان الداعون المخلصون؟

أين كان العلماء؟

 أين كان قادة الأمة؟

 أين كانت الدولة العثمانية؟

إنه من المؤسف أن نقول إن الداعيين والمخلصين في الأمة وكذلك العلماء والقادة لم يتصدوا لهذا الإجرام كما يجب أن يكون التصدي ولم يضعوا مقاومة هذه المنكرات في موضعها الصحيح الذي يجب أن يصل إلى حد الحياة أو الموت فرضى بعضهم بالحد الأدنى ورضي بعضهم بالقعود عن العمل الجاد بل أن بعض قادة الرأي في الأمة استأجرهم الإستعمار بثمن بخس إذ باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، أما الواعون المخلصون وهم قلة فقد تصدوا بكل ما أوتوا من قوة لهذه المنكرات ولكن غلية الاستعمار وانتصاراته أبعدت هؤلاء المخلصون عن مركز التأثير بل وقام الإستعمار بتصفية جسدية لبعض هؤلاء المخلصين.

أما الدولة العثمانية فقد قاومت فكرة الاستقلال مقاومة ضارية يوم أن كانت قوية فقضت على حركة فخر الدين المعني والشهابيين وحركة ظاهر العمر في الشام وحركة علي بيك في مصر وحركة آل سعود في نجد وحاولت القضاء على حركة محمد علي باشا في مصر ولكنها لم تستطع بسبب مساندة الفرنسيين ثم الإنجليز لهذه الحركة فتم فصل مصر عن جسم الدولة العثمانية.

كذلك فقد ساند الاستعمار حركة القوميين العرب وشريف مكة الحسين الخائن وساهموا جميعاً في فصل بلاد الشام والعراق وجزيرة العرب عن جسم الدولة العثمانية ثم أجهزوا على الدولة بمساعدة خونة العرب والترك وعلى رأسهم مصطفى كمال والشريف حسين الخائن.

إن فكرة الاستقلال كما قلنا فكرة خبيثة ولهذا فقد شجعها الاستعمار الغربي في بلادنا وساندها مساندة كافية لانجاحها بينما قاوم الاستعمار الغربي والشرقي هذه الفكرة في بلاده، إذ لو كانت هذه الفكرة خيرة لساندها الاستعمار في بلاده وحرمنا إياها.

 والذي يعرف التاريخ يرى كيف أن أمريكا قضت على فكرة استقلال ولايات الجنوب عن الشمال في الحرب الأهلية التي قادها ابراهام لينكولن في القرن الخامس عشر، وتمكن وقتها من احباط هذه الفكرة واعادة البلاد إلى وحدتها.

 كذلك فإن بريطانيا قاومت محاولات الإيرلنديين الشماليين بالانفصال عن بريطانيا بكل ضراوة .

كذلك لا تزال فرنسا تقاوم حركة الكورسيكين للانفصال عن فرنسا وهذه ما تفعله اسبانيا في مقاومة حركة إيبا التي تريد فصل اقليم الباسك عن اسبانيا.

 أما كندا فقد قاومت ولا تزال تقاوم حركة اقليم كوسك الفرنسي الذي طالب ويطالب بفصل هذا الاقليم عن كندا.

 وكذلك فإن روسيا قاومت مقاومة ضارية محاولات دول أوروبا الشرقية بالانفصال عنها يوم أن كانت تسمى الاتحاد السوفيتي، وكذلك فقد سحقت روسيا محاولات المسلمين في القوقاز وأواسط آسيا والقرم واقليم تترستان للانعتاق من سيطرة روسيا ثم الاتحاد السوفيتي.

أرأيتم ما أخبث الدول الكبرى أرأيتم أزدواج المعايير عند هذه الدول إذ أنها تشجع فكرة الاستقلال في بلادنا وفي غيرها من البلاد المستعمرة وتقاوم فكرة الاستقلال في الديار التي تحكمها بكل شدة وضراوة.

لقد رأينا تفاهة فكرة الاستقلال وخطرها على المسلمين، ولكن كيف السبيل لمقاومة هذه الفكرة والقضاء عليها؟

إن مقاومة هذه الفكرة بشكل فعال لا تكون إلا من دولة مخلصة رغم أن مقاومة هذه الفكرة لا تسقط عن كاهل الأفراد والتكتلات وبخاصة الأفراد والتكتلات المخلصة، ولن تكون ومقاومة هذه الفكرة وغيرها مقاومة فعالة إلا من دولة الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريباً بإذن الله.

 وأنني أقترح لمقاومة هذه الفكرة أن تقوم دولة الخلافة بما يلي:

  • 1- تطبيق الإسلام تطبيقاً شاملاً داخل الدولة على القوي والضعيف الأعجمي والعربي حتى يشعر الجميع بأن دولة الخلافة دولته التي يجب أن تفتدى بالمهج والأرواح.
  • 2- لا بد من فضح الاستعمار وأهدافه وخططه ووسائله وعملاؤه بكل صدق وجرأة وبيان أن الاستعمار يقاوم هذه الفكرة في بلاده ويشجعها في بلادنا وهو لا يريد لنا الخير.
  • 3- بيان تفاهة هذه الفكرة وغرض الاستعمار الحقيقي منها.
  • 4- أن تلوح دولة الخلافة باستعمال القوة المفرطة ضد العملاء الذين يخدمون الاستعمار وضد الدول المستعمرة، ولنا في التاريخ الحديث عبرة فقد استعملت روسيا القوة المفرطة لسحق ثورات أوروبا الشرقية يوم أن كانت تسمى الاتحاد السوفيتي واعلنت الاستنفار النووي لثني الغرب عن تقديم مساعدات لهذه الدويلات التي طالبت بالانفصال، فما كان من دول الغرب إلا الكف عن مساعدة هذه الحركات بل وطالبت بالتقريب وتكوين علاقات مع الاتحاد السوفيتي مضحية بدويلات أوروبا الشرقية.

لقد بينا فيما سبق واقع فكرة الاستقلال وتفاهتها وما يراد بها، فالحذر الحذر من هذه الفكرة وغيرها من الأفكار الهدامة، ولنصغ لنداء ربنا في كتابه العزيز الذي حذرنا من الركون للكفار والظالمين، وحذرنا الله من الكفار والظالمين وحذرنا من اتخاذهم أولياء من دون المؤمنين، ففي سورة البقرة وسورة آل عمران والنساء والمنافقون والممتحنة والانفال والتوبة آيات عديدة نذكر بعضا منها:

( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً )

(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ )

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

إن هذه الآيات وغيرها والأحاديث التي رويت في صحيح البخاري ومسلم وغريها تعتبر حجة علينا عامتنا وخاصتنا وهي تعصمنا من الركون للكفار والوقوع في حبائلهم، ولو أصغى المسلمون إليها وعملو بها لما تمكن الكفار منا ومن العبث بديننا وديارنا وأعراضنا وأموالنا ولهذا علينا أن نحي الإسلام في نفوسنا ليكون عاصما لنا من الوقوع فيما وقع من سبقنا، وليعلم المسلمون أن نصر الله قريب وأن العاقبة لهذا الدين وأن دولة الحق إلى قيام الساعة ودولة الباطل ساعة، فقد وعدنا الله بالنصر ومن أصدق من الله حديثاً ومن أصدق من الله قيلا، وقد وعدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالنصر والرسول لا ينطق عن الهوى فنحن خير أمة أخرجت للناس فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وقد جعلنا الله أمة وسطاً لنكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيداً فننقذ الناس من الظلمات إلى النور لا نبتغي من أحد أمراً فما عند الله خير وأبقى.

 فالله نسأل أن يعجل لنا بالفرج وأن يمتعنا بالنصر والعز تحت راية الإسلام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أبو بكر