Take a fresh look at your lifestyle.

أمثال في القرآن الكريم

يقول سبحانه تعالى في تشبيه من أعرض عن كلامه وتدبره: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} .

زيادة في العظة والتبيان، فإنَّ هذا القرآن يشبِّهُ حال المعرضين عن آياته، وتدبّر أحكامها ومقاصدها، بالحمير الوحشية التي تستنفر لمجرد رؤية الأسد، وتفرُّ منه خوفاً على حياتها؛ فهم في إعراضهم اليوم في الدنيا عن الإيمان بالله، وعدم اعتناق الإسلام، مثل الحمير الوحشية تماماً في هروبها، خوفاً من الأسد الذي يفترسها..

وهذا التشبيه يعتبر من بديع القياس التمثيلي، لأن الإعراض عن آيات الله في قرآنه، هو دليل على الجهل والضلال، فكما أنَّ تلك الحيوانات البرية المستوحشة – التي لا تعقل – تقودها غريزتها إلى الفرار من الخطر، هكذا هم الذين يعرضون عن القرآن، وكأنهم يجدون فيه خطراً على وجودهم، فيستنفرون كلَّ جهودهم لتغييبه عن حياتهم، وحياة غيرهم من الناس!.. وهذا يعني، بطريقة اخرى، أنَّ المعرضين عن ذكر الله – وهم أصحاب العقول التي فيها الإِدراك والتمييز – أضلُّ من تلك الحيوانات العجماء، فهي تهرب من الخطر كلّما داهم غريزتَها شيءٌ منه، بينما هم يعرضون عن القرآن الذي ينقذهم – لو اتّبعوه – من آثام الدنيا، وعذاب الآخرة..وهذا، بالإضافة إلى أنَّ تعبير «المستنفرة» أبلغ من «النافرة»، لأنه يعني أنها لشدة خوفها يستنفر بعضُها بعضاً، ويحثه على الهرب، تماماً كما هو حال المعرضين عن الذكر الحكيم، الذين يتواصون، ويحضّون بعضهم بعضاً على الإعراض عنه، ثم ينفرون من ذكر آيات الله بصورة جماعية.


ولكن لماذا هذا التعنت وعدم الإقرار  بصدق القرآن وما جاء فيه من التذكرة والموعظة ؟ وماذا يريد أهل الكفر والإلحاد، وأهل النفاق والضلال من كتاب لا يحمل إلا الحق، ولا يهدي إلاَّ إلى الصراط المستقيم؟ هل يريد كل امرئ منهم أنْ ينزَّل عليه كتاب من السماء يدعوه إلى الإيمان؟ أم يريد كل واحد منهم أنْ تتنزَّل عليه صحيفة في البراءة، والعفو من العقاب حتى يوحِّد الله، ويكون مسلماً لـربّ العالمين؟ أم يطمع كل امرئ أنْ يكون رسولاً يوحى إليه؟ ومحال أن يكون شيء من ذلك، أو أن يُعطى كل امرئ ما يريد، ووفق هواه!.. فالقضية هي أنهم لا يؤمنون بالآخرة، ولا يخافون عذابها، على الرغم مما يذكِّرهم به القرآن بشأنها، وفي كثير من آياته، وسوره.. فإن أعرضوا، وأنكروا «التذكرة» فالذنب يقع على عاتقهم، وسوف يستيقنون من عذاب الآخرة يوم ينالون الخسران المبين، لأن الحق حق، والقرآن هو حق، وهو «تذكرة» لكل عبد منيب، فمن شاء آمن به واتخذ إلى ربّه سبيلاً.. على أنَّ الأمر في نهاية المطاف لا يعود للمعرضين، ولا للناس جميعاً، بل الأمر لله تعالى وحده. ولا يمكن أن يذَّكَّر الناسُ، أو يتذاكروا في أمور الآخرة، وفي حكمة القرآن وعظته، إلاَّ أنْ يشاء الله لهم ذلك. فهو – سبحانه – غنيّ عن عباده أجمعين، وهو أهل التقوى والمغفرة. ولا يستأهل أحدٌ من هؤلاء العباد عفو ربه عنه، ومغفرته له، إلا من تنفعه الذكرى .