قِراءَةٌ في كِتاب (قَادَةُ الغَربِ يَقولونَ: دَمِّرُوا الإِسلامَ أَبيدُوا أَهلَهُ) لِلأُستاذِ جَلالِ العالِمِ – الحَلقَةُ الأُولَى
سَنَقِفُ وَإِيّاكُم بِحَولِ اللهِ عَلَى هذا الكِتابِ وَقفَةَ تَأَمُّلٍ مُستَنيرَةٍ, تُظهِرُ الهَدَفَ وَراءَ كِتابَةِ هذا الكِتابِ القَيِّمِ, إِذ في عِنوانِهِ البَيانُ الشّافي الوافي لِما يَرمي إِلَيهِ.
مُستَمِعينا الكِرام:
لَقَد أُصيبتِ الأُمَّةُ الإِسلامِيَّةُ في تاريخِها وَعَلى مَرِّ العُصورِ وَالأَزمِنَةِ بِعِدَّةِ نَكَباتٍ وَمَصائِبٍ لَو أَصابَت أُمَّةً أُخرى لَانْدَثَرَت وَتَفَرَّقَت وَلَم يَعُد لَها ذِكرٌ, كَاحْتِلالِ التَّتارِ لِبَغدادَ وَدِمَشقَ وَبيتِ المَقدِسِ, لكِنْ سُرعانَ ما تَخَطَّتِ الأُمَّةُ أَزماتِها وَقَهَرَتْ عَدوَّها وَالتَفَّت حَولَ أَميرِها فَقَمَعُوا كُلَّ فِتنَةٍ تُطِلُّ بِرَأسِها أَو مَنْ حَدَّثتْهُ نَفسُهُ يَومًا الاعْتِداءُ عَلى مُسلِمٍ واحِدٍ في شَتّى بِقاعِ الأَرضِ. هذا في السّابِقِ يَومَ أَنْ كانَ لِلأُمَّةِ إِمامًا يَسُوسُهُم بِكِتابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ عَلَيهِ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ, يُجَيِّشُ الجُيوشَ, وَيُؤَمِّرُ الأُمَراءَ, فَتُدَوِّي صَيحاتُ اللهُ أَكبَر مُلَبِّيَةً نِداءَ كُلِّ مَلهوفٍ وَمَقهورٍ.
أَمّا اليَومَ, وَكَما يُظهِرُ الكِتابُ, فَبَعدَ زَوالِ كَيانِ المُسلمينَ السِّياسِيِّ, دَولَةِ الخِلافَةِ الإِسلامِيَّةِ, الحامِيَةِ لِبَيضَةِ الإِسلامِ, ما انْفَكَّ الكُفرُ وَمَن لَفَّ لَفيفَهُ كَسابِقِ عَهدِهِم بِعَجَرِهِ وَبَجَرِهِ يُحَزِّبُ الأَحزابَ وَالدُّولَ وَمن شايَعَهُم مِنَ المُنافقينَ عَلَى حَربِ الِإسلامِ وَأَهلِهِ، فَجَيَّشوا الجُيوشَ، وَرَفَعُوا شِعارَهُم دَمِّرُوا الإِسلامَ أَبيدُوا أَهلَهُ، فَأحاطُوا بِأُمَةِ الإِسلامِ كَما يُحيطُ السِّوارُ بِالمِعصَمِ، فَعاثُوا في البِلادِ الفَسادَ، دَنَّسُوا المُقَدَّساتِ، وَسَفَكُوا الدِّماءَ، وَانْتَهَكُوا أَعراضَ النِّساءِ، قَتَلُوا الشُّيوخَ وَالأَطفالَ، دَمَّرُوا البُيوتَ فَوقَ أَهلِها، وَأَهلَكُوا الحَرثَ وَالنَّسلَ، فَلَم يَسلَم مِنهُم شَيْءٌ لا بَشَرٌ وَلا شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ، ما يَجعَلُ قَلبُ المُسلِمِ يَذوبُ أَسَفًا وَكَمَدًا، وَلا مِنْ مُغيثٍ وَلا مِنْ نَصيرٍ.
فَعَمَدَ الكاتِبُ “جَلالُ العالِمِ” إِلَى تَوجيهِ “صَرخَةٍ” كَمُقَدِّمَةٍ لِكِتابِهِ, يَقولُ فيها:
إِلَى كُلِّ مُخلِصٍ في هذِهِ الأُمَّةِ:
إِلَى القادَةِ وَالزُّعَماءِ في كُلِّ مَكانٍ مِنَ العالَمِ الإِسلامِيِّ، وَالعَرَبِ مِنهُم خاصَة:
أَعداؤُنا يَقُولُون: }يَجِبُ أَنْ نُدَمِّرَ الإِسلامَ لِأَنَّهُ مَصدَرُ القُوَّةِ الوحيدِ لِلمُسلِمينَ، لِنُسَيطِرَ عَلَيهِم، الإِسلامُ يُخيفُنا، وَمِن أَجلِ إِبادَتِهِ نَحشدُ كُلَّ قُوانا، حَتّى لا يَبتَلِعَنا .. فَماذا تَفعَلونَ أَنتُم أَيُّها القادَةُ وَالزُّعَماءُ ؟!!..
بِالإِسلامِ تَكتَسِحُونَ العالَمَ – كَما يَقولُ عُلَماءُ العالَمِ وَسياسِيُّوهُ – فَلِماذا تَتَرَدَّدُونَ ..؟! خُذوهُ لِعِزَّتِكُم، لا تُقاوِمُوهُ فَيُهلِكُكُم اللهُ بِعَذابِهِ، وَلا بُدَّ أَنْ يَنتَصِرَ المُؤمِنونَ بِهِ … اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُم حَديثَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:
“تَكونُ نُبُوَّةٌ ما شاءَ اللهُ لَها أَنْ تَكونَ ثُمَّ تَنقَضي ثُمَّ تَكونُ خِلافَةٌ راشِدَةٌ عَلَى مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاءَ اللهُ لَها أَنْ تَكُونَ ثُمَّ تَنقَضي ثُمَّ يَكونُ مُلكاً عَضُوضاً (وِراثِيّاً) ما شاءَ اللهُ لَهُ أَنْ يَكونَ ثُمَّ يَنقَضى، ثُمَّ تَكونُ جَبرِيَّةً (ديكتاتورِيّاتٍ) ما شاءَ اللهُ لَهَا أَنْ تَكونَ ثُمَّ تَنقَضى، ثُمَّ تَكونُ خِلافَةً راشِدَةً عَلى مِنهاجِ النُّبُوَّةِ تَعُمُ الأَرضَ”.
أَيُّها السَادَةُ وَالقادَةُ في دُوَلِ العالَمِ الإِسلامِيِّ، وَالعَرَبِ مِنهُم خاصَّة:
كُونُوا أَعوانَ الإِسلامِ لا أَعداءَهُ .. يَرضَى اللهُ عَنكُم، وَيُرضِي النَّاسَ عَنكُم [وَيَرضَى النَّاسُ عَنكُم ]، وَتَسعَدُوا .. وَتَلتَفُّ حَولَكُم شُعوبُكُم لِتَقودُوها نَحوَ أَعظَمِ ثَورَةٍ عالَمِيَّةٍ عَرَفَها التّاريخُ.
أَيُّها السَادَةُ وَالقادَةُ:
رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كانَ يَدعُو قُرَيْشاً لِتَكونَ مَعَهُ، كانَ يَعِدُ رِجالاتِها أَنْ يَرِثُوا بِالإِسلامِ الأَرضَ، فَأَبَى مَنْ أَبَى، وَمَاتُوا تَحتَ أَقدامِ جُيوشِ العَدلِ المَنصُورَةِ الّتي انْساحَتْ في الأَرضِ … وَخَلَّدَهُمُ التّاريخُ، لكَن أَينَ … في أَقذَرِ مَكانٍ مِنهُ، يَلعَنُهُم النَاسُ إِلى يَومِ الدِّينِ، وَعذابِ جَهَنَّمَ أَشَدُّ وَأَنكَى …
وَوَعَدَنا رَسُولُ اللهِ أَنْ يَعُمَّ دينُنا الأَرضَ، وَسَيَعُمُّ بِدونِ شَكٍّ.
فَلا تَكُونُوا مَع مَن سَيَكْتُبُهُمُ التّاريخُ مِنَ المَلعونينَ أَبَدَ الدَّهرِ، بَل كُونُوا مَعَ المَنصُورينَ الخالِدينَ.
وَاللهُ غالِبٌ عَلَى أَمرِهِ … وَلكِنْ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُون{. طرابلس في 15/8/1974
انتَهَى كَلامُهُ
مُستَمِعينا الكِرام:
كُنّا وَإِيّاكُم مَعْ صَرْخَةٍ لِلكاتِبِ جلالِ العالِمِ الّتي وَجَّهَها في كِتابِهِ: (قادَةُ الغَربِ يَقُولُونَ: دَمِّرُوا الإِسلامَ أَبيدُوا أَهلَهُ), وَعَلَى أَمَلِ اللِّقاءِ بِكُم مُجَدَّداً في الحَلَقَةِ الثَّانِيَةِ إِن شاءَ اللهِ.
نَستَودِعُكُمُ اللهَ الّذي لا تَضيعُ وَدائِعُهُ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
عبد الرحمن المقدسي