Take a fresh look at your lifestyle.

أمثال في القرآن الكريم – ح11

 

يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *} [لقمَان: 6-7].
من الأهواء الشائعة في حياة كثير من الناس حبُّهم للحديث اللاهي، حيث يغلّبون السخرية والاستهزاء على الجدّ والرصانة، ويسمون ذلك هزلاً وتفكهة.. وقد يستشري هذا الهوى في نفوس أولئك اللاّهين، حتى تصبح الثرثرة سمةً تميّزهم، وكثرة الحديث – ولو تخلَّله كلامٌ بذيء – بمثابة عادةٍ لا يستطيعون الإقلاع عنها، فكأنما إذا أعياهم القول، يريدون أن يشتروا لهو الحديث بالمال شراءً، لا بل وتجدهم – في الواقع – يسعون وراء كتب الفكاهة والتسلية، وجمع أشرطة اللهو والكوميديا – بأثمانها – حتى يحصلوا على ما يعتبرونه مشوّقات تجذب الناس إلى أحاديثهم، فضلاً عمّا تكسبهم، هم، تلك الوسائل من خبرةٍ زائدة في التندّر، وأسلوب جديد في المزاح!.. ولعلَّ ذلك ما يجرّدهم – في الأعراف الاجتماعية – من الذوق الرفيع، والخلق الحسن، ويمنع على الناس، الذين ليسوا على شاكلتهم، من الجلوس معهم، أو احترامهم!..
ومثل هذا اللهو بالحديث، وعلى النحو المشين الذي يمارسونه، هو مضيعة للوقت، وهدر للكرامة، لأنَّ من شأنه أنْ يبعد الإنسان عن ذكر الله تعالى والتأدب بأدب الطاعة والتعبّد، فضلاً عما يجرُّ إليه من إضلال الآخرين عن سبيل الله، وذلك بعلمٍ، أو بغير علم لآثاره السيئة، وعواقبه الوخيمة على الإنسان نفسه، وعلى محيطه من حوله، حيث يصبح الذين يتقبلون هذا الواقع، ولا يحاربونه، في حالةٍ من اللامبالاة، التي لا يعنيها الغثُّ من السمين!..
وإذا كانت الآداب في المجتمع تمجُّ عادةً التفاهة والقباحة، فما بال أولئك اللاهين، والعابثين يتطاولون على كرامات النبيين والمرسلين، بل وأحياناً على مقام العزة الإلهية؟! وأية جريمة نكراء أنْ يتخذوا سبيل الله جلَّ جلاله هزواً، ويجعلونها مادة للمزاح؟! فهذا ما لا يليق بالعبد تجاه ربّه، أياً تكن مذاهبه وأهواؤه، لأنه، بجهله وسوء أدبه، إنما يقع بالكفر والإلحاد، ويشيع السوء والفحشاء بين عباد الله.. فهذا العبد الفاسق وأمثاله لهم عذاب مهين..

ولعلَّنا نجد في استهزاء ذلك اللعين أبي جهل المثال الذي يعبّر عمَّن يضلُّ عن سبيل الله بغير علم ، ويتخذها موضوعاً للهزء والسخرية. فقد كان ذلك المشرك يأتي بالتمر والزبد ويقول: تزقَّموا يا سادة قريش، فهذا هو الزقوم الذي يعدكم به «محمد».. فنزل آي الذكر الحكيم يتوعده، ويتوعَّد ذوي الإثم الكبير جميعاً، بأنَّ شجرة الزقوم سوف تكون طعاماً لهم، وهي كـالزيت يغلي في بطونهم، كـغلي الماء الحار في ذروة غليانه، مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ *طَعَامُ الأَثِيمِ *كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ *كَغَلْيِ الْحَمِيمِ *} [الدّخان: 43-46].
فتباً لمن يصرف حياته، ولا همَّ له إلا لهو الحديث الذي يضلّ به نفسه، ويضل الآخرين عن سبيل الله، وعاقبته بمقتضى العدل الإلهيّ، سوف تكون جهنم وبئس المصير، حيث يلاقي العذاب المهين الذي يتناسب ومهانتَهُ في الحياة الدنيا.. وإنَّ هذا اللاهي، الساهي، والمتهتك هو نفسه إذا تتلى عليه آيات القرآن المبين، من أجل إصلاحِهِ، وردِّهِ إلى جادة الصواب، ولَّى عن الاستماع لها مستكبراً كأنه لم يسمعها، أو كأنَّ في أذنيه ثقلاً يحجب الآي العظيم عن النفاذ إلى أذنيه وقلبه!.. وهذا للتدليل على مدى ضلاله، الذي يحول بينه وبين حواسه من تلقّي الهدى، والاستماع للحق، فكان توعده بالعذاب الأليم.. وقد بُشّر به «هزواً» – لأن البشارة تحمل الخير – بينما اللهو المقيت، والاستكبار البغيض عن سماع آيات الله، والانتفاع بها، لا يحمل إلاَّ الوعيد..