المسلمون والإرهاب
منذ أحداث 11/9/2001م لم تتوقف حملات النَيل من المسلمين ووصفهم بالإرهابيين والقتلة، ولم تتوقف مهاجمة الإسلام ووصفه بالإرهاب وسفك الدماء، ولم تتوقف قصص القبض على مسلمين بدعوى التخطيط لتدمير بناية أو سيارة أو محطة قطارات أو غيرها. ولم يتوقف مسلسل الإيقاع بمسلمين عبر تزويدهم بالمعدات والخطط وكل شيء، ومن ثم القبض عليهم بتهم الإرهاب. والمتابع لتعامل الحكومات جميعها مع المسلمين يجد أن التعامل لم يكن في يوم من الأيام تعاملاً حسناً، فمن دعم أمريكا والسماح لمن أراد القتال في أفغانستان سابقاً ووصفهم بمقاتلي الحرية، ومن ثم محاسبتهم فيما بعد، وإلى قانون الأدلة السرية، وليس بنهاية التعامل الحالي مع المسلمين على أنهم إرهابيين وقتلة. وفي كل عام يأمل المسلمون أن تَخِفَّ هذه المعاملة أو تتغير، ولكن الأمر الواقع عكس ذلك؛ فها هو اتهام لأحد المسلمين بمحاولة تفجير سيارة في نيويورك، وليس بآخرها اتهام أحد المسلمين بالتخطيط لتفجير محطة القطارات في فرجينيا.
والملاحظ أن الإرهاب صنيعة أمريكا والغرب، والمسلمون بريئون منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. فالمسلمون كما أمرهم الإسلام لا يقتلون طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة، ولا يقطعون شجرة ولايقصفون مدناً ولا جسوراً، ولا يستهدفون ملاجئ ولا أبرياء، ولا يستخدمون أسلحة نووية ولا جرثومية للقضاء على البشر. وكل هذا المنع في القتال والحرب، ولا شك أن منعها في غير الحرب أشدُّ وأجزم. ولم يذكر التاريخ أن المسلمين دمروا مدناً وأفنوا سكاناً، ولم تُذكر قصص عن المسلمين أنهم فجّروا أسواقاً أو قصفوا أماكن عبادة.
والغريب العجيب أن يكون كل هذا التركيز على المسلمين هنا، ويُترك أُناس آخرون من غير المسلمين بالتدريب والعمل على القيام بأعمال إرهابية دون أن يُلاحقوا ويُتابعوا كما يُتابع المسلمون هنا. فلم نسمع عن اعتقال أُناس من المليشيات النصرانية بتهمة الإرهاب والقتل مع تدربهم على ذلك، كما نسمع عن اعتقال مسلمين بتهمة التدرب على القيام بأعمال إرهابية نتيجة لعبهم واستخدامهم لبنادق الدهانات! ولا يرتفع مؤشر الخطر نتيجة معلومات عن هذه المليشيات ولا يُقام بإجراءات أمنية مشددة!! ولم نسمع عن الشك في كل نصراني أبيض مثلاً نتيجة قيام «ماكفي» بتفجير المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما! ولم نسمع عن التشديد على غير المسلمين على التدرب وقيادة الطائرات نتيجة قيام أحد النصارى بالهجوم على مبنى خدمات الضرائب! فلماذا الكيل بمكيالين؟! ولماذا كل هذه الإجراءات الأمنية المشددة التي حولت أمريكا إلى دولة من «العالم الثالث» في تعاملها مع الناس هنا بدعوى الخوف من المسلمين؟!
إنّ كل القصص والاتهامات التي وجهت إلى المسلمين بدعوى القيام بأعمال إرهابية تنقصها التفاصيل الكاملة وبها ثغرات كثيرة، وحتى أحداث 11/9 فإن الشك يحوم حول التفاصيل الكاملة لها، مما جعل غير المسلمين من الأمريكيين يصرحون بذلك، ويُخْرِجون الأفلام الوثائقية حول كذب الرواية الرسمية.
والناظر إلى الإعلام يجد أنّ ديدنه التركيز على المسلمين على أنهم قتلة ومجرمون، وأنّ دينهم دين إرهاب وسفك دماء، وأنّ الإنسان لا يأمن ركوب سيارة أو طائرة وعلى متنها بعض المسلمين، وهذا حال المواطن الأمريكي العادي -مع عدم عذره- الذي كوَّن له الإعلام صورة نمطية قبيحة عن الإسلام والمسلمين. فما إنْ تخرج قصة رسمية عن توجيه تهمة لإنسان مسلم حتى تتلقفها وسائل الإعلام وتبدأ بالزيادة والنقصان حسب سياسة تلك الوسيلة الإعلامية. فأين هي وسائل الإعلام عن المجرمين الحقيقيين والإرهابيين؟! ولماذا لا تتحقق من القصص التي يُعلن عنها بدل أن تكون ناشرة لها فقط؟! ولماذا تخلو الحيادية والإنصاف في أخبارها؟! ولماذا لم تُثِر وسائل الإعلام قصة الاعتقال في ولاية ميتشيغان مثلاً، لبعض أفراد المليشيات النصرانية؟! بينما تضج هذه الوسائل بالتحليلات واستضافة الخبراء في حالة اعتقال مسلم؟! ولماذا يكون الهجوم على الإسلام والمسلمين ووصفهم بأقذع الأوصاف حرية رأي؟! ولماذا تُعتبر الرسومات المهينة للرسول وحرق القرآن جزءً من حرية التعبير، أمّا المسلمون -بناء على رغبة أمريكا- فيجب عليهم أنْ يوقفوا تعليم أحكام الإسلام لأنّ بعضها قد يصف غير المسلمين بأوصاف لا تحلو لبعض الناس؟!
إنّ نظرةً صادقةً سريعةً منصفةً تُري أنّ نسبة الفساد والمفسدين من المسلمين نسبة قليلة جداً عندما تُُقارن مع نسب الفساد عند الأعراق والأديان الأخرى، بل إنّ المسلمين كجالية هي من أفضل الجاليات وأكثرها خدمة وعطاءً للناس مسلمهم وكافرهم.
إنّ الإرهاب ليس الخطر الحقيقي الذي يتهدد أمريكا، فإنّ أخطار الكحول والمخدرات قد أدت إلى قتل أعدادٍ أكبر بكثير مما سببته أحداث 11/9 مثلاً. وإنّ الأخطار الناجمة عن العنف لدى الفرد الأمريكي تؤدي سنوياً إلى قتلٍ وسرقةٍ واغتصابٍ وغيرها من الجرائم التي تَقشعرُّ لها الأبدان، وإنّ أخطار المليشيات النصرانية وبعض أصحاب المعتقدات هنا أدت إلى قتل أعداد كبيرة من الناس، وإنّ الأخطار الناجمة عن الأزمة الاقتصادية كبيرة حتى جعلت المدير السابق للاستخبارات الوطنية «دينيس بلير» يُصرِّح أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ: «إنّ هاجس الأمن القريب الذي يعني الولايات المتحدة هو الأزمة الإقتصادية العالمية، وما يترتب عليها من نتائج سياسية. إنّ الأزمة مستمرة، وكلنا نتذكر النتائج السياسية الرهيبة نتيجة الأزمة الإقتصادية في العشرينات والثلاثينات في أوروبا، وعدم الاستقرار والدرجات العالية من التشدد الإرهابي». وكذلك فقد صرّح «كريستوفر بوند» نائب رئيس لجنة الاستخبارات أن الأزمة الإقتصادية تأخذ الأولوية في الاهتمام لدى لجنة الاستخبارات. فلماذا لا تُعامل هذه الأخطار كما تُعامل الأخطار المُتوهمة من المسلمين؟! أم أنّ الأخطار من المسلمين لعبة وفبركة تستخدمها أمريكا لتنفيذ مخططاتها؟! ألم تكذب إدارة بوش وتُلَفِق الوقائع من أنّ العراق يمتلك أسلحة نووية لتبرير غزوها للعراق!
إنّ لأمريكا والغرب عامة أهداف كثيرة من وراء مسمى الحرب على الإرهاب، منها الحصول على المكاسب السياسية في مناطق معينة والسيطرة عليها كما في حرب أمريكا على أفغانستان، وكذلك الحصول على منافع إقتصادية وثروات مناطق مهمة كالعراق، وتخويف المسلمين في داخل أمريكا وجعلهم يَسيرون حسب ما تريده أمريكا من البعد عن الإسلام والانسلاخ عن باقي المسلمين في العالم، وتفريق المسلمين فيما بين أنفسهم وجعلهم يحارب بعضهم بعضاً حسب ما جاء في دراسة صادرة عن مؤسسة «راند». وكذلك فإنّ في الحرب على الإرهاب منافع لكثير من الشركات في داخل أمريكا نفسها وليس بآخرها وضع الأجهزة التي تعمل بالأشعة في داخل المطارات لتفتيش الركاب والتي تظهر العورات، وما يترتب عن بيع وصيانة هذه الأجهزة من مرابح مادية. وكذلك فإنّ بقاء الحرب على الإرهاب يُبقي الدعم من قبل الناس في داخل أمريكا لاستمرار الحرب في العالم الإسلامي، كيف لا وهم يرون بين فترة وأخرى قصة أو تهديداً من قبل مسلمين. وكذلك فإنّ إبقاء الحرب على الإرهاب يصرف الشعب الأمريكي عن المشاكل الحقيقية التي تواجههم والناتجة عن مبدئهم وبالتالي عن عدم التفكير عن مبدأ ونظام بديل.
إنّ التهديد للمسلمين والتمييز ضدهم سيبقى ويستمر، وإنّ مسلسلات القبض على «إرهابيين» منهم لن تتوقف. وإنّ الحل لهذه المشاكل لا يكون بالقتل والتدمير والتفجير لأنه حرام. والمسلمون يجب عليهم الالتزام بالحكم الشرعي. فالمسلمون يجب أنْ يَتَمَثل فيهم حمل الإسلام، ويجب عليهم أنْ يحملوه لغيرهم عن طريق الحجة والإقناع. وعلى المسلمين نزع عامل الخوف حتى يتسنى لهم حمل الإسلام والدفاع عن أنفسهم. وعلى المسلمين ألا يتنازلوا عن حقوقهم والدفاع عن قضاياهم. وبإمكانهم تسيير المسيرات المطالبة بحقٍ لهم مثلاً، أو ضد قرار ظالمٍ لهم. وإنّ الحل الجامع المانع لمشاكل المسلمين في أمريكا بل والعالم أجمع هو الامتثال لأوامر الله عز وجل عن طريق تطبيق شرعه بإيجاد الدولة الإسلامية «دولة الخلافة». وهذا الإيجاد يكون حسب أوامر الإسلام وذلك باتباع طريقة الرسول في إنشاء الدولة الإسلامية. وواضح أن هذه الطريقة لا تقوم على القتل أو العنف وإنّما هي طريقة سياسية. وإنّ في وجود الخلافة الإسلامية سعادة وطمأنينة للمسلمين وغيرهم، وراحة للناس من الظلم والجبروت المتحكم في العالم.
كتبه الى الاذاعة الاستاذ ابو هيثم