نظرة في أحداث تونس
روى الإمامُ مسلم رحمه الله في صحيحه حديثا نورد هنا جزءا منه عن عوف بن مالك رضى الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال “خِيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. ”
أيّها الإخوة أيتها الأخوات
لقد فقدت الأمة الإسلامية في هذا الزمن نعمةَ عظيمة ، نعمة لو وجدت لعاشت الأمة في ظلها أيام عز وسؤدد ورضا من الرحمن .
إنها نعمة وجودِ الإمام العادل الذي نحبُّه ويُحبُّنا وندعو له ويدعو لنا ،
نعم والله لقد حُرمنا هذه النعمة العظيمة، فحكامنا اليوم هم من شرار الإئمة الذين ذكرهم الصادق المصدوق حبيبُنا محمد صلى الله عليه وسلم والذين نُشهِدُ الله أنّنا نُبغِضُهم ونلعنُهم صباح مساء.
لقد شاهد كلُّ واحد فينا ما يحدث في تونس الحبيب، إن ما حدث ويحدث في بلاد القيروان يبيّن لنا مقدار البغض والحقد الذي يكنُّه المسلمون لحكّامهم ويكشف أنهم يلعنونهم غُدُوَّا وعشيِّا. ونحن هنا لسنا في صدد تحليل من الذي يقف وراء هذه الأحداث ولكنها وبكل تأكيد أيها الإخوة والأخوات قد كشفت عن أمور لابد من أن نقف عندها:
الأمر الأول:
إن المشكلةَ في تونس وغيرِها من بلاد المسلمين ليست مرتبطة بالأشخاص, فالغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي لا يُضيره تغيير الدمى عندما تصبح مطلبا شعبيا, و تونُس وغيرُها من بلاد المسلمين شاهد على ذلك, وإن المشكلة الحقيقية التي أفقرت الناس وجعلتهم عبيدا لفئة متسلطة عليهم تدار من الخارج في تونس وغير تونس هو النظام الرأسمالي الفاسد بشقيه السياسي والإقتصادي، ولا يمكن الخروج من عنق الزجاجة إلا بتغيير جذري يكون على أساس الإسلام المتمثّل بنظام دولة الخلافة، فرحيل بن علي وغيره من رويبضات العصر الحالي إلى مزبلة التاريخ مع بقاء النظام الديمقراطي أو الدستوري أو الدكتاتوري أو حكومة إنقاذ وطني أو وحدة وطنية لا يحُلُّ المشكلة بل يفاقمها ،فقد انقلب زين العابدين هذا قبل 23 عاما على سلفه في الغيّ (بو ارقيبة) فماذا حصل؟ لقد استمرّ الظلم حتى باتت بلاد القيروان تُضرب مثلا في الحرب على الإسلام والمسلمين.
الأمر الثاني:
إن أمة محمد صلى الله عليه وسلّم أمة ليست جبانة ولا تهاب الموت وبيدها أن تُغيّر على حكّامها إن استُغِلّت الاستغلال الصحيح وكانت بوصلتُها نحو الاسلام .
لقد رأينا جميعا كيف خرج الآلاف في تونُس إلى الشارع وكيف تحدَوُا النظامَ وبطشَه ،ورأينا عجز أزلامِ النظام أمامَ المدِّ الجماهيري الهائل.
لقد كسر شباب تّونس بهبّتهم هذه حاجزَ الخوفِ بين الأمة وحكوماتِها، لقد أثبتوا لنا بعد أن أثبتوا لأنفسهم أن الأنظمة الجاثمة على صدر الأمة أوهن من بيت العنكبوت وهي-أي الأنظمة-لا تملك أي قاعدة شعبية فسرعان ما تتهاوى إذا ما هبت عليها نسمة ، فكيف إذا كان إعصاراً.
الأمر الثالث والأخير:
لقد تناقلت الأخبار امتناع الجيش عن قتل الناس, بل و إقدامِهم على حماية الناس من الشرطة وقوات الأمن الخاصة في جنوب البلاد وهو موقف يدعو للفخر و الإمتنان ويحسب للجيش ، ويدلّ أن الخير لا يزال باقيا في جيوش المسلمين .
إن الجيوش في بلاد المسلمين هم من الأمة وهم أهل القوة والمنعة والنصرة وإنّ واجبَهم أن يعملوا على إزالة الحواجز المادية التي تقف عائقا أمام التغيير الحقيقي وأن يجعلوا الحكم بيد أهله ليختاروا من يحكمهم على أساس عقيدة الأمة.
وأخيرا فإننا نهيب بالمخلصين من المثقفين ومن القواعد النقابية ومن الحركات الإسلامية في تونس وغيرها بأن يدفعوا بالأحداث نحو الاتجاه الصحيح وأن لا تنطليَ عليهم حِيَلُ وترقيعات الأنظمة الحاكمة وأن يحذروا من الغرب فإنه إن أحس بصدق اللهجة والنوايا الصادقة في التغيير على غير أساس حضارته فسيعمد إلى إيجاد الفوضى الخلّاقة لخلط الأمور، وأن لا يرضوا -أي المخلصون- إلا تحكيمَ شرعِ ربِّهم الذي خلقهم وفرض عليهم نظاما واحدا ألا وهو نظام الخلافة ،(ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وأن يعملوا مع العاملين لإعادتها . فهذا هو الطريق الصحيح للتغيير.
اللهم اجعلهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
كتبته للإذاعة : أم أمامة