مخلوع أم مدفوع ، وسواء كان هارباً أم نفد بجلده …
ليس هذا المهم ، بل المهم لم أزاله الشعب وهل الشعب راضٍ عما قام به ، وهل هذا ما يريده فقط ، إزالة بن علي وإحلال أي كان محله ؟؟
لا أظن ذلك ..
لقد سئمت الأمة من سياسات الطغاة وتجبرهم ، وكان لا بد لها من خلع ما يكبت أنفاسها ، ويبدو أن الظلم له فتراتٍ وفترات حتى أنهك جسد الأمة فانتفضت لكسر حاجز الصمت عنها ، وقد قال الشاعر بيرم التونسي في شدة الظلم في تونس :
قد أوقعَ القلبَ في الأشجانِ والكَمَدِ
هوى حبيبٍ يُسَمّى المجلس البلدي
أمشي وأكتمُ أنفاسي مخافة َ أنْ
يعدّهـا عاملٌ للمجلسِ البلـدي
ما شَرَّدَ النومَ عن جفني القريحِ سوى
طيف الخيالِ خيال المجلسِ البلدي
إذا الرغيفُ أتى ، فالنصف ُ آكُلُهُ
والنصفُ أتركُه للمجلس البلدي
حتى وصل للبيت الذي قال فيه :
أستغفرُ الله حتى في الصلاةِ غَدَتْ
عِبادتي نصفُها للمجلـس البلـدي
يا بائعَ الفجلِ بالمِلِّيـمِ واحدةً
كم للعيالِ وكم للمجلسِ البلدي
والمجلس البلدي هنا مثالٌ بسيطٌ للظلم الذي عم تونس منذ زمن ، ولست هنا لأحلل سياسياً ولكن سأذكر جانباً من جوانب الظلم التي دفعت بالشعب ليفعل ما فعل .
السجون التونسية :
تعتبر ظاهرة الاكتظاظ أهم وأخطر المشاكل داخل السجون التونسية، إذ تجاوزت طاقة استيعاب العديد منها ثلاثة أضعاف أو أربعة، مثلما كان الحال بالنسبة للسجن المدني بتونس قبل إغلاقه في يوليو/تموز 2006، فقد تجاوز عدد النزلاء فيه ستة آلاف في حين لا تتجاوز طاقة استيعابه 1500.
فعلى مستوى نوعية الإقامة مثلا، لم يتمكن عدد من السجون من تطبيق ما ورد في الفصل 15 من قانون السجون الذي ينص على “توفر فراش فردي لكل سجين عند إيداعه، وما يلزمه من غطاء” إذ أكدت شهادات الخارجين من السجون على وجود عدة أصناف من الإقامة السجنية تتنافى مع ما ينص عليه القانون.
فكل سجين جديد يمر بالإقامة في “الكدس” كأسوأ أنواع الإقامة وهي عبارة عن أغطية قذرة تفرش على الأرض ينامون عليها ليلا ثم تسحب منهم بقية فترة النهار.
أما بالنسبة لطريقة النوم فقد ذكر لنا المساجين المفرج عنهم أنهم يجبرون على النوم خلافاً وعلى جنبهم وذلك حتى يتسع المكان الضيق لأكبر عدد من المساجين .
وإذا اضطر أحدهم لسبب من الأسباب إلى مغادرة مكان نومه فإنه يعرض نفسه لقضاء كامل الليل واقفا. وتزداد رداءة “الكدس” كلما اقترب من المرحاض وابتعد عن جهاز التلفاز.
أما عن تدهور الحالة الصحية :
إذا كان الحق في العلاج وتوفير الإطار الطبي اللازم وتوفير الأدوية هي أولى الحقوق التي أقرتها المواثيق الدولية ونص عليها قانون السجون، فإن ما يمارس في السجون المذكورة يتنافى مع هذه اللوائح والقوانين.
فلكي يتمكن السجين من مقابلة طبيب السجن عليه أن يمر ببعض المراحل الروتينية التي كثيرا ما تساهم في مضاعفة تدهور حالته الصحية، إذ يتم تسجيل أسماء المساجين المرضى مرة في الأسبوع من قبل السجين المشرف على الغرفة، وكثيرا ما يستغل هذا الأخير سلطته ليرفض تسجيل بعض الأسماء لسبب أو لآخر.
فمن أصيب بمرض بعد يوم التسجيل عليه، إما انتظار الأسبوع المقبل، أو يتكرم عليه مشرف الغرفة بنقله إلى قسم التمريض للحصول على بعض المسكنات وكثيرا ما يرفض هذا الأخير مقابلته.
كما أن السجين الذي يحظى بتسجيل اسمه ضمن قائمة المرضى قد يكون أول من يعترض عليه الممرض الذي يكشف عليه ليقرر إمكانية مقابلة طبيب السجن أم لا.
وهذ نقطة في بحر السجون هناك ، ولم أشأ ذكر الكثير إذ تشمئز النفس وتذبل لذكر ما يحدث هناك .
إخوتي وأخواتي أيها المستمعون الكرام ، إن هذا الأمر هو واحدٌ من كثير من تلك الأمور التي جعلت أهل تونس يثورون هكذا ، فيارب اجعل كل شعوب المسلمين تثور ليطيحوا بكل الطغاة واهدهم سواء السبيل ليعلموا أن قيدهم لن ينكسر إلا بوجود إمامٍ عادلٍ يحكم بما أنزل الله ، قال تعالى : “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ“
كتبته للإذاعة : خنساء