الشركات في الإسلام ح3 – شركة المضاربة
في معرض الحديث عن الشركات في الإسلام تحدثنا في اعداد سابقة عن شركتي العنان والأبدان وفصّلنا في أحكامهما، وفي هذا العدد سنتحدث عن النوع الثالث وهو شركة المضاربة.
شركة المضاربة -وتسمى قِراضاً- وهي أن يشترك بدن ومال. والبدن يسمى المضَارِب أو العامل. ومعناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر (المضَارِب) يتجر له فيه، على أن ما يحصل من الربح يوزع بينهما حسب ما يشترطانه. وفيما يلي تبيان لأحكام وشروط شركة المضاربة:
(1) الخسارة في المضاربة لا تخضع لاتفاق الشريكين، بل لما ورد في الشرع.
(2) الخسارة في المضاربة تكون شرعاً على المال خاصة، ليس على المضارب منها شيء، حتى لو اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما، والخسارة عليهما، كان الربح بينهما، والخسارة على المال، وذلك لأنّ الشركة وكالة، وحكم الوكيل أنه لا يضمن، وأن الخسارة تقع على الموكِّل فقط، وروى عبد الرزاق في الجامع عن علي رضي الله عنه قال: «الوضيعة على المال، والربح على ما اصطلحوا عليه». فالبدن لا يخسر مالاً، وإنما يخسر ما بذله من جهد فقط، فتبقى الخسارة على المال.
(3) لا تصح المضاربة حتى يُسلَّم المال إلى المضارب، ويخلى بينه وبينه؛ لأنّ المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب.
(4) يجب في المضاربة تقدير نصيب رب المال من الربح، ولا يصح له أن يأخذ أجرة مقابل المضاربة.
(5) يجب في المضاربة أن يكون المال الذي تجري المضاربة عليه قدراً معلوماً.
(6) لا يصح أن يعمل رب المال مع المضارب، ولو شرط عليه لم يصح، لأنّه لا يملك التصرف بالمال الذي صار للشركة.
(7) لا يملك رب المال التصرف بالشركة مطلقاً، بل المضارب هو الذي يتصرف، وهو الذي يعمل، وهو صاحب اليد على المال. وذلك لأنّ عقد الشركة حصل على بدن المضارب، ومال رب المال، ولم يقع العقد على بدن رب المال، فصار كالأجنبي عن الشركة، لا يملك أن يتصرف فيها بشيء.
(8) المضارب مقيّد بما أذن له رب المال من تصرف، ولا يجوز له أن يخالفه، لأنه متصرف بالإذن، فإذا أذن له أن يتاجر بالصوف فقط، أو منعه من أن يشحن البضاعة في البحر فإن له ذلك، لكن ليس معنى هذا أن يتصرف رب المال بالشركة، بل معناه أن المضارب مقيد في حدود ما أذن له رب المال، ولكن مع ذلك، فالتصرف في الشركة محصور بالمضارب فقط، وليس لرب المال أية صلاحية في التصرف.
والمضاربة جائزة شرعاً لما روي: «أن العباس بن عبد المطلب كان يدفع مال المضاربة، ويشترط على المضارب شروطاً معينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاستحسنه»، وانعقد إجماع الصحابة على جواز المضاربة. فقد روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن حميد عن أبيه عن جده: «أن عمر بن الخطاب دفع إليه مال يتيم مضاربة، فطلب فيه فأصاب، فقاسمه الفضل» وذكر ابن قدامة في المغني عن مالك بن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده: «أن عثمان قارضه» وذكر أيضاً عن ابن مسعود وحكيم بن حزام: «أنهما قارضا» وقد كان ذلك على مرأى من الصحابة، ولم يُروَ مخالف له، ولم ينكر أحد ذلك فكان ذلك إجماعاً منهم على المضاربة.
ومن المضاربة أن يشترك مالان وبدن أحدهما. فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف، لأحدهما ألف، وللآخر ألفان. فأَذِنَ صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيهما على أن يكون الربح بينهما نصفين، صحت الشركة، ويكون صاحب الألف مضارباً عند صاحب الألفين وشريكاً له. وكذلك من المضاربة أن يشترك مالان وبدن غيرهما، فإنها كلها تدخل في باب المضاربة.
ولتوضيح أحكام شركة المضاربة نضرب المثالين التاليين.
1) إتفق محمّد ومصعب على شركة برأس مال 100,000$ نقداً حاضراً بموجبها يقوم محمّد بأعمال التجارة الحرة (بما هو مباح شرعاً) بقصد كسب المال. واتفقا على أنّ الربح يكون 60% لصاحب المال (مصعب) و40% لمحمّد، عِلماً بأن مصعباً ساهم بكامل رأس مال الشركة. واشترط مصعب على محمّد أن لا يُتاجر بأجهزة الحاسوب. هذه الشركة مثال على شركة المضاربة يكون محمّد فيها المضارب لأنه ساهم بالجهد. فإذا ربحت الشركة في نهاية الشهر 8,000$ يكون لمحمّد 3,200$ ولمصعب 4,800$. وإذا خسرت الشركة في نهاية الشهر 1000$ تكون الخسارة من رأس المال ويكون محمد قد خسر جهده في هذا الشهر.
2) إتفق أحمد وعلي على شركة برأس مال 100,000$ نقداً حاضراً بموجبها يقوم أحمد بأعمال التجارة الحرة (بما هو مباح شرعاً) بقصد كسب المال. واتفقا على أنّ الربح يكون مناصفةً، عِلماً بأن علياً ساهم بـ 70,000$ وأحمد بـ 30,000$ من رأس مال الشركة. واشترط عليٌ على أحمد أن لا يُتاجر بالسيارات أو الأجهزة الإلكترونية. هذه الشركة مثال على شركة المضاربة يكون فيها علي شريك لأنه ساهم بالمال ويكون أحمد شريك ومضارب لأنه ساهم بالمال والجهد. وبناءً عليه لا يجوز لعلي (رب المال) القيام بأعمال التجارة بإسم الشركة، ولا يجوز لأحمد (المضارب) أن يُتاجر بالسيارات. ولا يجوز لعلي (رب المال) أخذ 10,000$ من رأس مال الشركة (إذا أراد ذلك وجب فض الشركة والإتفاق على شراكة أخرى برأس مال جديد وشروط جديدة). ولا يجوز لعلي (رب المال) أن يُفوض شخصاً آخر للقيام بأعمال التجارة، وكذلك لا يجوز لأحمد (المضارب) أن يُفوض شخصاً آخر للقيام بأعمال الشركة. وإذا ربحت الشركة في نهاية الشهر 8,000$ يكون لعلي 4,000$ ولأحمد 4,000$. وإذا خسرت الشركة في نهاية الشهر 500$ تكون الخسارة من رأس مال الشركة.