التلويث الفكري والإعلامي في العالم الإسلامي من إرث المفكر السياسي الدكتور عايد الشعراوي يرحمه الله ح11
– سمات الإعلام في العالم الإسلامي- ج2
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نتابع معكم مستمعينا الكرام الحديث عن سمات الإعلام في العالم الإسلامي من كتاب التلويث الفكري والإعلامي في العالم الإسلامي وهو من إرث المفكر السياسي الدكتور عايد الشعرواي يرحمه الله.
وقد تحدثنا لكم في الحلقة السابقة عن تبعية الإعلام وفي هذه الحلقة سنتحدث إليكم عن تخلف الإعلام وعن عنصرية الإعلام.
أما تخلف الإعلام :
التخلف يلف العالم الإسلامي في كل المجالات ومنها المجال الإعلامي والذي لا زال بدائياً ومتحجراً وفي مستوى متدنٍ ولا عجب في هذا، فكل من يعود بالذاكرة ثلاثين أو أربعين سنة إلى الوراء يجد أن كل شيء لا زال على حاله، فعلى سبيل المثال: الإذاعات كوسيلة إعلامية سبقت التلفزيون ولا زالت تبث الأغاني التي تمجد الحاكم وتفخمه وتبالغ في قصائد المدح له وهذا مؤشر من مؤشرات التخلف، ولا زالت برامجها موزعة بين نشرات الأخبار والأغاني وحلقات التسلية والمسابقات، ويندر أن تسمع برامج تثقيفية أو فكرية، أو تعليمية، مع أنها يجب أن تكون هي الأساس في الرسالة الإعلامية وليست برامج مطبخ العائلة، لأن مخاطبة العقول أهم من مخاطبة البطون، أما التلفزيون فلا زال وسيلة للتسلية وتقطيع الوقت، مع أنه يحتل موقعاً إعلامياً مهماً يمكن استعماله للثقافة المفيدة والتعليم ونشر الفكر الصحيح بدل أن يكون للتسلية واللهو، أي من الأفضل أن يكون معيناً للمدرسة والأسرة في تنشئة الأجيال بدل أن يكون وسيلة لهدم الأسر وتخريب العلاقات الاجتماعية، والآن أصبحت هنالك خطورة أخرى للتلفزيون وهي استعمال دول الغرب الماكرة للأقمار الصناعية لإيصال رسائلهم الإعلامية الملغومة إلى أجيالنا عبر جهاز التلفزيون، وهذا غزو جديد بدأ يمارسه الغرب، وبالمقابل فإن دور الإذاعة والتلفزيون في العالم الإسلامي هي مرتع خصب للفئران وينسج فيها العنكبوت بيوتاً ولا أبالغ إن قلت إن الواقع يصعق أكثر من الوصف، لأنني شاهدت نموذجاً لذلك بأم العين.
هذا بالنسبة للسمة الثانية من سمات الإعلام في العالم الإسلامي وهي تخلف الإعلام.
أما السمة الثالثة التي بينها لنا الدكتور عايد الشعراوي يرحمه الله فهي: عنصرية الإعلام:
هنالك جهات عدة في العالم تشجب العنصرية والتمييز العنصري وصدرت إدانة عالمية وصفت الصهيونية إنها إحدى إشكال العنصرية، وتشكل رأي عام ضد حكومة جنوب أفريقيا لأنها تمثل قمة التمييز العنصري، كل هذا ليس فيه جديد وليس بالمستغرب، أما المستغرب وغير الطبيعي أن يحدث التمييز العنصري بين مناطق العالم الإسلامي وضمن البقعة الواحدة أحياناً، من منا لم تصم أذنيه دعوات العصبية القبلية والشعوبية وأعني بها القومية والوطنية، فالإعلام التركي مثلاً بالرغم من أنه إعلام دولة علمانية إلا أنه يركز على الطورانية وعلى أصالة وتميز الإنسان التركي ويكرر تذكير الناس بمصطفى كمال مؤسس العنصرية وهادم ا لخلافة، والإعلام العربي يركز على أصالة العرق العربي وعراقته وأنهم من أفضل الشعوب أي أنهم يميزون أنفسهم، والأكراد يفاخرون بأمجادهم والأفغان عندهم ما يفخرون به، وحتى داخل القومية الواحدة هنالك تمييز عنصري بين بقعة وأخرى والكل يعرف تقسيمهم للقاطنين والعاملين إلى (وطني وأجنبي) ولو كانوا أبناء عنصرية عربية واحدة، وكثيراً ما نسمع في إعلام مصر عبارات (الإنسان المصري) (المرأة المصرية) (مصر عريقة وتمتد حضارتها إلى 6000 سنة) وفي إعلام لبنان (نحن اللبنانيون) (اللبناني الذكي) ( اللبناني صدّر الحرف) وفي إعلام الكويت ودول الخليج والسعودية وليبيا وتونس والمغرب ما يغني عن التفصيل. لماذا لا يصنف هذا التمييز نوعاً من أنواع التمييز العنصري؟ وبماذا يختلف ذلك عن التمييز العنصري الذي وصمت به جنوب أفريقيا وإسرائيل؟
بقي أن نشير إلى دور الغرب في تكريس هذا التمايز حينما شجع إبراز اللهجات واللباس والعادات التي يتصف بها سكان بلد ما، وبما أن متصدري التخطيط والتوجيه والإشراف هم أنفسهم الذين تربوا على يدي المستعمر فإن نفس ما يحيكه المستعمر هو ما يتبناه هؤلاء المخططون والمشرفون، ولا عجب إذن أن يتحول لباس معين إلى هوية لمن يلبسه ويحاول التشبث به وكأنه قطعة من لحمه، خصوصاً وأن الشعوب ترى زعماءها الملوك والرؤساء والأمراء يتصدرون شاشات التلفزيون بهذا اللباس الذي يسمونه (الزي الوطني) أو (الفلكلور الشعبي) هذا لم يأت بمحض الصدفة، وإنما أتى ممن خططوا لتمزيق المسلمين إلى قوميات وأوطان، ونجحوا في ذلك نجاحاً منقطع النظير، أما بالنسبة للهجات العامية فإن وراء الترويج لها الجهات الخبيثة نفسها لأنها وسيلة من وسائل التمزيق وتكريس حدود إقليمية غير الحدود الجغرافية تلك الحدود الجديدة المصطنعة تشمل الزي المميز واللهجة المميزة وعادات وتقاليد و(فنوناً) مميزة وثقافة مميزة ومتاحف محلية تحوي بعض القطع الأثرية التي تثبت على حد زعمهم أن لبلدهم جذوراً ضاربة في التاريخ تدل على عراقة البلد، وعلى أن أجدادهم فراعنة أو فنيقيون أو كنعانيون أو آشوريون أو بابليون، أو فرس او بربر أو من أصل مغولي إلى آخر ما هنالك من سخافات جاهلية، فماذا يعني المسلم أن يكون من اصل اشوري أو بابلي أو فارسي؟ أليس ما قبل الإسلام جاهلية بغض النظر عن العرق؟ ثم أليست الجاهلية هي كل تحكيم لغير الإسلام في الدولة والمجتمع؟
في هذه البيئة المشحونة بالتمايز الإقليمي في كل شيء يدخل الإعلام ليتوج هذا التمايز ويشارك في تكريسه بحيث يصبح ظاهرة عنصرية يمقتها الإسلام ويحاربها. يقول الدكتور مصطفى المصمودي “ليست هنالك خطة متماسكة لخدمة اللغة العربية من خلال الأجهزة الإعلامية، ولقد دلت دراسة قامت بها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على أن الوحدة اللغوية لا تقوم إلا على 7% من مجموع الكلمات العربية التي نستعملها بيننا، بينما نحن مختلفون بنسبة تتجاوز 93% من المادة اللغوية إذ تشكل اللهجات الدارجة بمستوياتها المهذبة والمبتذلة الجانب الأعظم من لغة الحوار في برامج الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح” هذا واقع الحال بالنسبة للبلدان الإسلامية الناطقة بالعربية أما في البلاد الإسلامية التي تنطق بلغاتها الأعجمية فهي تتراوح بين دول معادية للغة العربية والحرف العربي كما هو حاصل في تركيا العلمانية، ودول أخرى متجاهلة للغة العربية كاندونيسيا وباكستان، وهذا الموقف من اللغة العربية يساهم في إهمال اللغة العربية ويؤدي إلى نشأة أجيال أعجمية اللسان، قومية النزعة والأفكار، لا تجيد قراءة القرآن والحديث ولا فهمهما، ولا تقوى على الاجتهاد الذي لا يتم إلا بإتقان اللغة العربية، لذلك فإن الترويج للهجات العامية في البلاد الناطقة بغير العربية هي أمور مخطط لها وليست بمحض الصدفة لأن ذلك الإهمال هو ضربة موجهة ضد الإسلام والمسلمين ويؤدي إلى المزيد من التمزيق والفرقة وإلى إحياء القوميات العنصرية، من هنا نلمس مدى مساهمة الإعلام في إثارة العنصرية والعصبية الجاهلية بتركيزه على اللهجات العامية وعلى لغات غير العربية لغة القرآن.
نتابع معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله مستمعينا الكرام المزيد من سمات الإعلام في العالم الإسلامي مما بينه لنا الدكتور الشعراوي يرحمه الله في كتابه التلويث الفكري والإعلامي فكونوا معنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.