Take a fresh look at your lifestyle.

التحرر من الاستعمار

 

 

بعد أن تجاوزت الأمة الشكل المعهود من أشكال الاستعمار، وهو الاستعمار العسكري، مرت باستعمار آخر، ظاهره التحرر، وباطنه الاستعمار والاستعباد، إنه الاستعمار عن طريق شرذمة من الحكام السفهاء…

 

ولعل مستمعاً يستغرب من وصف هذه الحالة بالاستعمار والاستعباد، فألفت نظره إلى ما يجري اليوم في بلاد المسلمين، وتحديداً ما يجري في ليبيا من مجازر دموية، فقد سمعنا ردود فعل من الدول الغربية، لكنا لم نسمع شيئاً من ردود الفعل من حكام المسلمين، فالأمر لا يعنيهم، بل إن مسؤولي بلدية فلسطين يقولون إن ما يجري في ليبيا شأن داخلي!!!

 

هل أدركت الأمة أن حكامها السفهاء هم الأداة الاستعمارية الجديدة العصرية التي استخدمها ويستخدمها الغرب المستعمر لبلادنا؟

 

هل آن لأمة الإسلام أن تعيّ أنها ما زالت مستعمرة، وأن خروج القوات العسكرية الغربية من بلادنا لم يُنه الاستعمار من بلادنا؟ وأن الأدوات الجديدة للاستعمار وفّرت على الغرب الكثير من الأموال والأرواح؟ فبدلاً من أن يستعمرنا الغرب بجنوده وسلاحه، ويكلفه ذلك أموالاً كثيرة، وأرواحاً من أرواح جنوده أصبح يستعمرنا بأيدينا، بل والأدهى والأمرّ من هذا أن هذا الشكل من الاستعمار يجعل نفراً من أبناء الأمة يدافعون عن هذا الاستعمار، ويتشبثون به، ويجعل نفراً من علماء السلاطين يضفون عليه من الشرعية ما يلزم، ويفتون بحرمة الخروج على هذا السلطان، دون أن يعوا أن هذا السلطان إنما هو الأداة العصرية الجديدة للاستعمار، واستعباد أمة الإسلام!!!

 

لقد خاطب حزب التحرير أمته خطاب الناصح الأمين، وأخبرها منذ ما يقارب الستين عاماً، استمر خلالها يبذل جهوده الحثيثة، ويتقدم شبابه بالمئات والآلاف نحو مواجهة هذه الأنظمة وهؤلاء الحكام، ويواجهون بالاعتقال والتعذيب، بل التعذيب المفضي للاستشهاد في كثير من الأحيان، كل هذا من أجل مخاطبة الأمة، وإسماع صوته للأمة، لكي يقول لها: يا أمة الإسلام، ما زال الاستعمار يجثم على صدرك، ويحيط بيديه مخنقك، يمتص ثرواتك، ويقتل من يشاء من أبنائك… عن طريق هؤلاء الحكام السفهاء، يبذرون أموال الأمة على شهواتهم، ويمكّنون الغرب المستعمر من أموال الأمة وثرواتها، بل ومن رقاب أبنائها..

 

نعم، لم يألُ حزب التحرير جهداً في توعية الأمة، وتنبيهها إلى ما تتعرض له من تضليل من قبل حكامها ومؤسساتهم وإعلامهم، ينبهها إلى قضيتها المصيرية، أن تعود لتسترد سلطانها المسلوب، وعزتها وكرامتها التي داسها هؤلاء الحكام بأقدام أسيادهم في الغرب المستعمر، ولكن…

 

ماذا كانت النتيجة؟

 

هل أدركت الأمة اليوم أن حكامها سفهاء؟ وأنهم أوردوها موارد الهلاك؟

 

ألا يكفي نموذج القذافي لتدرك الأمة قضيتها؟

 

حاكم يصف شعبه بالفئران، ويصفهم بالجراثيم، ويهدد شعبه بأنه لم يستخدم القوة بعد، وذلك بعد قصف المدن والقرى العُزّل بالطائرات، وإطلاق القذائف والذخيرة الحية على أبناء شعبه، ويطلق ولده السفيه مثله، ليعلن على الملأ أنه سيجري أنهاراً من الدم…

 

وقد شهدت الأمة نموذجاً آخر من الحكام، نموذج حسني مبارك وعصبته

 

ونموذج زين العابدين بن علي…

 

ألا تكفي هذه النماذج الثلاثة لتدرك الأمة أنه مهما اختلف نموذج الحاكم فإنه يشترك مع الآخرين في تمسكه بالكرسيّ للاستمرار في نهب ثروات الأمة لصالحه وصالح عائلته وبعض من زبانيته؟ بل ولصالح الغرب المستعمر لبلاد المسلمين؟

 

أم أن الأمة تريد أن ترى نموذجاً يختلف ظاهره عن النماذج الثلاثة السابقة، ويتفق باطنه معهم؟

 

أليس هؤلاء الحكام هم الذين يحافظون على تمزيق أمة الإسلام؟ ويضعون الحدود بين بقاع أرض الإسلام؟

 

كانوا يتشدقون بالوحدة، وهل يمكن أن تكون للأمة وحدة مع وجود هؤلاء الحكام؟

 

مَنْ مِن حكام المسلمين من لا يسابق في تنفيذ طلبات الدول الكبرى والرضوخ لها؟ ومن منهم لم يعتقل من أبناء الأمة ليرضي أسياده؟ من من الحكام لم يذق شعبه مرارة الهوان والذل؟ ومن منهم لم يذقه مرارة الفقر والجوع والحرمان؟

 

لقد آن لأمة الإسلام، في كافة أقطار بلاد المسلمين أن يدركوا أنه لا فرق بين حاكمهم وعصابته وبين ابن علي، أو حسني مبارك، أو القذافي.

 

لقد آن لأمة الإسلام أن تدرك أن قضيتها إنما هي في الإسلام: ليس مجرد اعتقاد، وليس مجرد أداء عبادات، بل إن قضيتها هي تحكيم الإسلام، وتطبيقه عليها في واقعها، وحمله إلى الناس رسالة هدى ونور وسعادة بعدما ضجت البشرية من ويلات النظام الرأسمالي المطبق عليها منذ زمن.

 

لقد قالوا: لكل زمان دولة ورجال…

 

ولعل الله يهيئ هذه الأمة ليكون هذا الزمان زمانَها، وليكون رجال هذا الزمان من أبنائها الواعين المخلصين، يطبقون الإسلام في الداخل، ويحملونه لباقي البشر بالدعوة والجهاد.

 

لكنه مخاض عسير، ألامه شديدة، تدفع أمة الإسلام ثمن سكوتها على هؤلاء الحكام السفهاء، من أبنائها وأموالها، لكنها بإذن الله:
لا بد أن تتحرر من الاستعمار ظاهره وباطنه، مهما كان شكله، فالوعي الوعي يا أمة الإسلام، وإلى الرائد الذي لم يكذب أهله يوماً؛ إلى حزب التحرير يا أمة الإسلام، فهو مالك المشروع الحقيقي لنهضة الأمة، ومالك المشروع الحقيقي لإسعاد البشرية، وهو الناصح الأمين، وهو الواعي على الإسلام، والواعي على الواقع السياسي، وهو المخلص لربه أولاً وآخراً، وهو المخلص لأمته، وقد ثبت ذلك من التضحيات التي لم تصده يوماً عن غايته.

 

إلى حزب التحرير يا أمة الإسلام
إلى إقامة دولة الخلافة يا أمة الإسلام
إلى رضوان ربكم يا أمة الإسلام

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد خليفة
23-2-2011