الثورات، مقارنات خاطئة وعوامل التغيير
دفعت سيول الثورات التي تجتاح العالم العربي والتي لم يسبق لها مثيل، بالعديد من المراقبين إلى إجراء مقارنات مع ثورة زوال الستار الحديدي في عام 1989 أو الثورة الإيرانية في عام 1979. وقد كانت تلك المقارنات مضللة من نواح عديدة وفي أحسن الأحوال هي وهمية.
فبانهيار الستار الحديدي هجرت الشعوب الاشتراكية وتبنت الرأسمالية الأمريكية، وتحولت بلدان أوروبا الشرقية من المجال والنفوذ الروسي إلى الاستعمار الأمريكي، وانتهى الصراع على السلطة بين الاتحاد السوفيتي والأمريكي إلى هزيمة روسيا وبروز أمريكا كقوة عظمى وحيدة.
وفي المقابل، فإنّ تأثير الدومينو التي تم فيها إسقاط الزعماء المستبدين في شمال أفريقيا لم تنته بعد لصالح رأسمالية أمريكا، ولم يتم حسم الصراع فيها لصالح القوة الأولى في العالم، فتونس ومصر لا تزالان علمانيتين، وكلاهما في قبضة كل من بريطانيا وأمريكا، وعلاوة على ذلك، فإنّ الصراع الجيوسياسي بين أوروبا وأمريكا يقتصر على من يسيطر على النفط والغاز والثروات الأخرى في العالم العربي، لذلك فإنّه إن لم يتحقق التغيير الحقيقي، فسيكون مقتصرا على القضاء على الهيمنة الأوروبية وخصوصا البريطانية في دول مثل المغرب والجزائر وتونس وليبيا واليمن ودول الخليج، بالإضافة إلى بعض التعديلات في أنظمة الحكم الموالية لأمريكا لجعلها أكثر استساغة للشعوب المنتفضة والمحبطة.
المساواة بين الثورة العربية والإيرانية أمر معيب، فبسقوط الشاه ووصول الخميني تحولت إيران من الأيدي البريطانية إلى الأيدي الأمريكية، فما زالت الرأسمالية سيدة الموقف وإن ألبست لباسا إسلاميا، وقد اخطأ معظم المراقبين باعتبارهم الثورة الإيرانية شكلا من أشكال الثيوقراطية، إذ أنّ حقيقة الأمر هو أنّ النظام في إيران نظام علماني مع بعض الجوانب الديمقراطية ولا يخرج عن نطاق قواعد اللعبة الأمريكية، ومرة أخرى فإنّ الانتفاضة الحالية في إيران لا تسعى إلى وضع حد للرأسمالية وللهيمنة الأمريكية أو وضع حد للهيمنة الغربية، وهذا هو وجه الشبه الوحيد بين حركات التمرد الموجودة في العالم العربي والثورة الإيرانية.
إنّ الدرس القيم والذي يمكن استخلاصه من جميع الثورات في المجتمعات التي تطمح إلى التغيير باستثناء الثورات ذات التوجه الأيديولوجي هو أنّ هذه الثورات تتطلب شركاء محليين يمكن أن يسندوا تغييرا ملموسا، وضمان الاستقلال الحقيقي من التدخل الغربي، وهؤلاء الشركاء هم جيوش قوية في البلدان العربية والإسلامية، فقد كان بمقدور قادة الجيش في تونس ومصر استغلال الثورات نحو تغيير حقيقي وذي مغزى، ولكن وبدلا من ذلك، فقد خانوا مشاعر المسلمين النقية من شعبهم، واختاروا الوقوف إلى جانب أسيادهم الغربيين من الانجليز والأمريكان. ولذلك ففي كلتا الحالتين فإنّ الأنظمة التي كانت مسئولة لعقود عن الطغيان والكفر لا تزال في مكانها وفي انتظار مزيد من التعليمات من الغرب. قال الله تعالى في سورة الرعد: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”.
على الأمة أن تدرك أنّ بمقدورها تغيير حالها المروع، ولكن يجب الضغط على الجيوش والتي هي جزء من هذه الأمة للانضمام إليها في هذا المسعى من أجل تحرير الأمة من نير الاستعمار الغربي والعودة إلى حكم الإسلام.
عابد مصطفى