نظرات في الوسائل والأساليب التي تتبع لتمييع الفكر والإعلام – ح4
رابعا ً:- الربط بين التمسك بالإسلام كله وبين الفتنة و التطرف. في العادة يربط الإعلام الغربي والمحلي بين العمل للإسلام كمبدأ شامل للحياة وبين ما يسميه بالتطرف الديني أو التشدد الفكري, وخاصة عندما يقع الحديث عن ظاهرة تعدد الحركات الإسلامية التي ينعتها بالأصولية, هنا يحاول الإعلام الربط بين هذا التعدد وبين الفتنة الكبرى التي حدثت أيام سيدنا علي وأرضاه, وما حدث بعد ذلك من مذاهب فكرية وسياسية في الأمة, يقول عبد الحميد إسماعيل: ( إن التشدد آفة عرفتها المجتمعات الإسلامية قديما ً متمثلا ًفي الخوارج وفهمهم المغلوط للدين, كانت محصورة, بعكس ما هو ظاهر الآن من انتشار موجات التطرف في المجتمعات الإسلامية وخاصة بين الشباب ).
إن وسائل الإعلام المأجورة تعمل على تحريك ذلك المخزون التاريخي, وتذكير الناس بهذه الأحداث لاستحضارها وهي تتعامل مع الحركات الإسلامية التي تطالب بإقامة الخلافة واستئناف الحياة الإسلامية. كل ذلك لتخويف الناس من هذه الحركات , و أبعادهم عنها لأنها بزعم الإعلام الخبيث فِرق ضالة تزرع الفتنة التي هي أشد من القتل , ويجب أن نلاحظ هنا أن نعت التطرف والأصولية والفتنة لم يشمل كل الحركات الإسلامية , بل أقتصر فقط على الحركات التي تعمل على إيجاد الخلافة واستئناف الحياة الإسلامية في الدول والمجتمع ,ذلك أن الخطر على الحكام ومصالح الكفار إنما يأتي من هذه الحركات فقط , أما الحركات الإسلامية أو غير السياسية , أو التي تصنف نفسها بالوسطية والاعتدال , أو الحركات القومية و الوطنية , فلا خطر منها , بل يسهل لها الإعلام نشر ما تكتب , والبروز في التلفزة والراديو للسيطرة على عقول المسلمين , لتضليلهم وتمييع الفكر الإسلامي الصحيح .
خامسا ً:- الربط بين التغيير الجذري و العمل المادي . هنا تحاول وسائل الإعلام التركيز على أن التغيير من أجل الإسلام وبالإسلام عمل يُنتج عنفا ماديا وحربا أهلية , يهزان أمن المجتمع و استقراره , ويحاول الإعلام إقناع الناس بأن هذا العمل التغييري للأوضاع القائمة تحريكا للمشاعر الدينية لغير المسلمين ( كالأقباط في مصر ) لإثارة الانتماءات العرقية في الأمة ( كالزنوج في موريتانيا ). يقول عبد الله النفيسي في حديثة ( عن مستقبل الصحوة الإسلامية ) {لابد من مراجعة كافة المقولات الفكرية والتخريجات النظرية التي تناولت هذا الموضوع ( موضوع الصراع مع السلطة ) في كتب وكراسات الحركة في اتجاه حل هذه يوفر على الحركة مزيدا من الهدر في الدماء والأرواح ,حلا ً يفتح أمام الحركة إمكانيات التحرك السياسي السلمي ضمن معادلات الممكن ودون القفز لعوالم المستحيل , مطلوب شيء من التواضع في هذا المجال على صعيد الطموح , وشيء من الوعي بالذات المرتكز على أرضية من العلمية والموضوعية والواقعية } , هكذا يصبح العمل لإقامة الخلافة واستئناف حياة إسلامية قفزا ًلعوالم المستحيل وجهلا ًبمعادلات الممكن, ويصبح الرضا بالكفر والركون إلى الكفار تواضعا ً على صعيد الطموح ويصبح الاستسلام للأوضاع أو الترقيعات وعيا ًبالذات ؟!.
سادسا ً:- الربط بين الدعوة إلى الإسلام والتخلف الحضاري والمدني . رغم أن الإسلام حقق نهضة فكرية ومدنية دامت أكثر من اثني عشر قرنا ً, في وقت كانت فيه أوروبا تعيش صور الظلام , ورغم أن قادة العمل الإسلامي من حملة الشهادات الجامعية والعلمية والأدبية والفكرية والشرعية ,رغم كل ذلك وغيره فإن الإعلام المضلل يحاول دائما إيهام الناس بأن رواد الصحوة الإسلامية نفر من الجهال عديمي التكوين الثقافي و العلمي , وأن وصولهم إلى الحكم معناه عودتنا إلى عصر الظلمات – إن لم يكن العصر الحجري- أو على أقل تقدير-عصر الناقة والخيمة والصحراء – ونحن الآن نعيش عصر السيارات وناطحات السحاب وأجهزة التحكم عن بُعد , وفي هذا السياق يقول سمير أمين متحدثا عن الصحوة الإسلامية بأنها { مجرد امتداد للفكر الذي ساد في عصور انحطاط المجتمع العربي الإسلامي ,( فهو تواصل ا لركود أي عكس اليقظة) } . ويعتبر التاريخ الإسلامي ,كما يقدمه الإعلام الغربي والمطبوعون بثقافته الرأسمالية مادة خصبة ينفذون من خلالها لتغذية النفوذ والاشمئزاز من المشروع الإسلامي . وذلك عبر كتب مثل الأغاني , وشعراء مثل أبي نواس , وحكام مثل يزيد , ويظهرون ذلك فيرجعونه إلى الإسلام للطعن في عقيدته وأفكاره و أحكامه , أما إذا كان هناك كتاب مثل الخراج لأبي يوسف وأدباء مثل الجاحظ وفقهاء مثل الشافعي وعلماء مثل ابن خلدون وحكام مثل عمر , فذلك راجع بزعمهم إلى عبقرية أصحابها أكثر مما هو راجع إلى الإسلام الذي تربى في كنفه أمثال هؤلاء وغيرهم كثير .
سابعا ً:- الربط بين العمل الإسلامي والعمالة للأجنبي . إن من أفظع ما يمكن أن يتهم إنسان أو جماعة من أُناس عموما ًهو تهمة الخيانة العظمى , أي التجسس والعمالة للأجنبي , ومن هنا يعمل الحكام بأبواقهم الإعلامية على إلصاق تهمة الارتباط بالأجنبي وخيانة الوطن بالحركات الإسلامية وخاصة من يعمل لإقامة الخلافة, وذلك بقصد إظهار حَمَلة الدعوة أنهم خائنون لأوطانهم بائعون لبلادهم التي ربتهم وأنفقت عليهم , ثم يأتون بعد ذلك ليتآمروا عليها ويغدروا بها . وهذا وحده يبرر للحكام قمع العاملين للإسلام وملاحقتهم وسجنهم, بل وحتى إعدامهم , لأن الإعلام قد أوجد رأيا ً عامّا ًيدين هؤلاء المخلصين بوصمهم بالخيانة والعمل ضد مصلحة البلاد , ولذلك ليس غريبا ً أن تطلب الدول القائمة من الأحزاب التي قبلت أن تكون معارضة بشروط النظام وفي ظل دستوره الكافر أن تكشف عن مصادر تمويلها , وأن تبيّن علاقاتها الخارجية , وذلك حتى تبرى ء ذمتها ويرضى عنها الحاكم , وكذلك وليس غريبا ً أن بعض الحركات الإسلامية تعمل على إظهار نفسها أنها مَلَكيّة أكثر من الملك , أي أنها وطنية أكثر من النظام , ولا تفتأ هذه الحركات تقول بأنها تلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية في الدول الأخرى , ( وأن أهل مكة أدرى بشعابها ) , تفعل هذه الحركات ذلك وغيره حتى تبعد عن نفسها صفة أو تهمة العمالة للأجنبي , أو من باب ما يسميه بالتكتيك السياسي في سير الحركة , وما ذلك سوى تكريس للتجزئة التي جاءت بها معاهدة -سايكس – بيكو- , واعترافا ً بالشرعية الدولية , لقد صدق رسول الله عندما قال : { سيأتي على الناس سنوات ٌ خداعات , يصدّق فيها الكاذب ويكذّب فيها ا لصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين , وينطق فيها الرويّبضة , قيل وما الرويّبضة ؟ قال الرجل ا لتافه ينطق في أمور العامّة } صدق رسول الله . هذه بعض أشكال الصراع الحضاري الذي يقوده الكافر بزعامة أمريكا وعملائها بوسائلهم الإعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة لمحاربة الإسلام وأحزاب المسلمين وخاصة العاملين لإيجاد الإسلام في الدولة والمجتمع
وتشويه صورتهم في عيون الأمة , ولقد أبرزته بهذا التفصيل لخطورته , فهذا الأسلوب الإعلامي الخبيث لا يخاطب البصائر وإنما يغشيها ليدخل إلى العقل والتفكير عبر الغريزة والشعور كما يدخل السُمُّ في الدسم .
أم مؤمن