الحِراك الشعبي الى اين …؟؟
إن ما تشهده البلاد العربية من انتفاضة مباركة ضد انظمة الحكم والجبابرة ، ان دلت على شيء فانما تدل على ان هذه الامة أمة حية وجسد واحد ، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، وانها امة لا ينقطع الخير منها ابداً .
فبعد ان اطمأن الحكام الى سكون هذه الأمة ردحاً طويلا من الزمن ظنوا ان هذه الامة لن تقوم لها قائمة ، حتى صدقوا انفسهم بأن الناس تسبحوا بحمدهم وتتمنى رضاهم وبقاءهم .
لقد تجبر الحكام وزبانيتهم في الامة شر تجبر ، جرعوا شعوبهم مرارة العيش ونكلوا بهم أبشع تنكيل وأذاقوهم شتى صنوف العذاب ، جعلوا منهم شعوباً تتسول وتنتظر فتات العيش من الكفار على الرغم من وفرة موارهم وكثر اموالهم ، مزقوا البلاد وأذلوا العباد ، وأسلموهم لاعدائهم ، ونهبوا ثرواتهم ، وفتحوا أبواب البلاد على مصراعيها امام الكفار ، يعيثون فيها الفساد ، يقتلون ابناءهم ويستحييون نساءهم ، حتى ضاق الناس ذرعاً وما عادوا يتحملون صبراً ، وبلغ السيل الزبى ، فكانت شرارة الثورة المباركة في تونس ، حيث أقدم شاب معدم على حرق نفسه امام المجرمين ، فانطلقت الثورة كالبركان وكالنار في الهشيم .
ظن الحكام واعوانهم واجهزتهم الامنية كعادتهم ، أن هذه الحركة وهذه الانتقفاضة سحابة صيف عابرة سرعان ما تزول فتنقشع الغمة ، ويمكن اخمادها والسيطرة عليها بالعصا والجزرة او باحداهما ، ولكن هيهات هيهات لقد فات الاوان وتغير الزمان .
ايها الاخوة المستمعون :
إنها البدابة والنهاية ، نهاية الحكم الجبري وبداية الخير الذي قامت عليه الامة يوم قامت ، انها نهاية الظلم والقهر والتجبر والفساد والكبت ، وبدابة العدل والانصاف والانتصاف ، فعلاً انه مفترق طرق وانعطاف نحو الامل المنشود ، وقطيعة مع الظلم واهله ومع الجحود ، انها بداية الطريق وتمهيد لدولة العدل ، دولة الخلافة الاسلامية الراشدة على منهاج النبوة .
وهنا يطرح سؤال : هذا الحراك الشعبي الى اين …؟؟
وللاجابة على هذا السؤال ، لا بد من الوقوف على بعض الامور :
•1- المشاركون الفعليون في هذه الثورة .
•2- المطالب المعلنة المضللة ودور الاعلام في ابرازها .
•3- المطالب الحقيقية لابناء الامة من الثوار ودور الاعلام في التستر عليها واخفائها .
اما الامر الاول : وهو المحرك الحقيقي للثورة ، فهي وان اطلق عليها ثورة الشباب او ثورة الفيسبوك ، إلا انها ثورة عامة لكل شرائح الامة قاطبة ، شباباً وشيوخا ونساءاً ، وهي ثورة لكل من عانى من الانظمة طيلة سني الظلم ، والقهر والكبت ، حتى وصلت الى كثير من افراد الجيش ورجال الامن ، فالمحرك الحقيقي لهذه الثورة هم افراد الشعب بشكل عام ، وهي ثورة شعب على الحكم والحكام والانظمة الفاسدة لاسقاطها ، وطمس معالمها الى غير رجعة .
واما الأمر الثاني : وهي المطالب المعلنة المضللة ، مثل الديمقراطية والحريات والدولة المدنية ، ودور الإعلام في إبراز مثل هذه المطالب ، فهي مطالب يمكن ان تخدع البعض ، فيقول : ان هذه المطالب تدل على مطالب غربية ، غريبة بعيدة كل البعد عن الاسلام وعقيدة وأحكاماً ، والحقيقة التي لا شك فيها ، ان هذه المطالب تطلق من البعض ، ليس من منطلق فكري ، ولا من شريحة واعية على المعاني الحقيقية لهذه المصطلحات ، وانما تطلق ويراد بها التخلص من الظلم والقهر والكبت وتكميم الافواه ، ومن الفقر والجور ، ولا تمت بصلة الى المعاني الحقيقية لهذه المصطلحات الرأسمالية .
فلا احد في الشارع المنتفض يريد الديمقراطية التي رآها في العراق وافغانستان وفلسطين ، خاصة في غزة المحاصرة من اصحاب الديمقراطية ، التي تكيل بألف كيل وكيل ، و احد في الشارع المنتفض يريد الحرية الراسمالية المتمثلة بالحريات الاربع ، المفضية الى الاباحية والجشع والاحتكار ، فهؤلاء كلهم شباب مسلم ، والاسلام عندهم عقيدة واحكاماً ، هو الذي استقر في قلوبهم ،ولا يقبلون ان يكونوا عبيدا للمال والشهوة ، بدل العبودية لله الواحد القهار ، ولا احد من المنتفضين في الشارع ، يريد دولة مدنية تكون حربا على الاسلام واهله ، فالدولة المدنية في الاصطلاح الغربي هي اقصاء للدين ، المكون الاساسي لهذه الامة ، التي تتوق للاحتكام له والاستظلال في ظله ، وظل دولته والخضوع لاحكامه .
ومع ذلك فان القضية الثالثة ، وهي المطالب الحقيقية للامة ، والتي تجاهلها الاعلام ، وكان حريصا على اخفائها ، هي مطالب من صلب عقيدة المسلمين واحكام دينهم ، ولكن الاعلام تواطأ مع الكفار وأعوانهم على اخفائها ، وتعمد عدم نقلها وحتى التواجد في المناطق التي تعلن فيها جهاراً .
ففي تونس مثلا خرجت مسيرات عدة في شوارع تونس وغيرها ، لشباب يطالبون باسقاط النظام واستئناف الحياة الاسلامية ، فأين كان الاعلام منها ؟ ولماذا تعمد عدم نشرها ؟ مع ان مواقع الانترنت تعج بمثل هذه المسيرات .
وفي مصر في الاسكندرية مثلاً ، كانت المطالب اسلامية محضة ، فلماذا لم يسمع بذلك الصوت ؟
ايها الاخوة المستمعون :
ان الحكام واعوانهم والاعلام المتواطيء لا يريدون للاسلام واهله ان يكون لهم صوت ، مع ان الاسلام هو المحرك الحقيقي لهذه الشعوب ، وهذه الأمة بشكل عام ، ولا بد لحملة الدعوة وللمخلصين من ابناء هذه الأمة الكريمة من كشف الحقائق ، وكشف المتآمرين والمتواطئين على الاسلام واهله ، وإظهار الحقائق للناس ، خاصة الذي تتستر عليها وسائل الاعلام ، وتتعمد اخفاءها على كثرتها ، وكلكم يعلم كيف تتعامل وسائل الاعلام مع الحزب في اعماله وفعالياته ، ولولا أن حملة الدعوة يظهرون الأعمال التي لا تظهر في وسائل الإعلام ، لما أحس الناس بالدور الرائد الذي يقوم به حملة الدعوة في العالم .
وأخيرا نقول : ان هذه الثورات المباركة الميمونة ، أنما هي بداية الخير ، وبداية الحركة الجماهيرية التي سوف تسقط الحكام والأنظمة في العالم الإسلامي جميعاً ، وتستبدلها بالخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة . عند ذلك يفرح المؤمنون .
والحمد لله رب العالمين
كتبه للاذاعة : أبو عبيدة المقدسي