Take a fresh look at your lifestyle.

التغيير المنشود

تعيش الأمة الإسلامية حالة من الفرقة والإنقسام، حالة من الفقر والحرمان والذل والهوان. يتسلط على رقاب أهلها حكام مستبدون، بددوا ثروتها وأهانوا أبناءها، وكبلوهم بالقيود والأغلال وكمّموا أفواههم، فكل من ينتقد الحاكم أو أحد زبانيته ينتهي به الأمر في أقبية السجون، وفي غالب الأحيان لا يُعرف له أثر. فرضوا القيود على الصلاة والخطب والدروس، أرهبوا الأمة أيما إرهاب. كل هذا والأمة تشعر بالظلم ولا تحرك ساكنا حتى ظن البعض أن الأمة قد دخلت في غيبوبة لن تفيق منها أبدا، وفقدوا الأمل فيها وقالوا إن ثارت كل شعوب الأرض ضد الظلم فإن الأمة لن تثور على حالة التشرذم التي تعيشها، حتى هبت رياح التغيير، وانتفضت الأمة وثارت في تونس الخضراء ضد الظلم والتعسف، وأعلنت انكسار القيود والأصفاد، وأرسلت برسالة قوية فاجأت العالم كله، قالت فيها بأنها فاقت من غيبوبتها وقامت من كبوتها. لقد فاقت سرعة رياح التغيير كل التوقعات حتى استطاعت أن تعصف بطاغية من أكبر الطغاة في العالم الإسلامي وأشدهم ظلما، بل إن قوة الرياح وصلت الى مصر الكنانة فخرج أهلها في أيام غضبهم يرفضون القيود ويطالبون بالتغيير ورحيل الطغاة.
نعم لقد انكسر القيد وخرجت الأمة تنشد التغيير، ولكن ما هو التغيير الذي يجب على الأمة أن تصبو اليه وتحققه؟ أي تغيير هذا الذي يجتث الظلم من جذوره ويضمن للأمة الكرامة والطمأنينة والسعادة؟ أهو تغيير الوجوه أم تغيير الأنظمة؟ وإن كان تغيير الأنظمة، فأي نظام تتبناه وتطبقه؟
إنّ التغيير المنشود هو ذلك التغيير الذي يعيد الأمة الى حالتها الطبيعية وعيشها الطبيعي، فحالة التشرذم التي تعيشها الأمة اليوم ليست طبيعية، بل هي حالة شاذة بكل المقاييس. إنّ الحالة الطبيعية للأمة هي تلك التي عاشتها الأمة عشرات العقود من الزمن، تربعت فيها على أعلى قمم المجد، واحتلت فيها مركز الريادة، هي تلك السنوات التى حكمت نفسها فيها بالإسلام كنظام حياة متكامل، وحمتله نوراً وهداية للبشرية في مشارق الأرض ومغاربها. إنّ هذه الحالة لن تعود اذا تغيرت وجوه الحكام وبقيت الأنظمة والقوانين والدساتير كما هي من وضع البشر. فمثال أنور السادات ليس عنا ببعيد. لقد اغتيل وهلك وجاء مكانه وجهٌ آخر وبقي النظام القمعي قائما، فسام أهل مصر سوء العذاب لما يقارب الثلاثين عاما.
إنّ التغيير الذي يجب على الأمة أن تنشده وتسعى الى تحقيقه دون كلل أو ملل هو تغيير النظام من جذوره تغييرا انقلابيا بحيث لا يبقى للأنظمة الوضعية الحالية أي أثر، وهذا يشمل تغيير الدستور والقوانين في المدينة المنورة،وجميع أنظمة الحياة، واستبدالها بالنظام الذي أقامه الرسول ذلك هو نظام الإسلام الشامل بحيث تكون العقيدة الإسلامية هي الأساس الذي ينبثق عنه الدستور والقوانين وجميع الأنظمة. وذلك باختيار خليفة للأمة الإسلامية جميعها تبايعه على أن يحكمها بالكتاب والسنة مقابل طاعته في المنشط والمكره. خليفة ينطبق  بخيار الأئمة في الحديث الشريف الذي يرويه مسلم حيث قال عليه وصف الرسول «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ …». خليفة يكون درعا واقيا للأمة لا ناهبا لخيراتها منكلا بها، يقول الرسول «وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» رواه البخاري.
إنّ النظام المنشود هو نظام الخلافة الإسلامية الذي يجعل السيادة والحاكمية لله سبحانه وتعالى وحده وليس للشعب ولا للبرلمان ولا لأصحاب النفوذ، فالله هو الحاكم وهو الآمر الناهي، وجَعْل الحاكمية لغيره هو احتكام للطاغوت والجاهلية. يقول الله تعالى «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» (المائدة: 50)، ويقول تعالى: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (النساء: 65).
إنّ نظام الخلافة المنشود هو النظام الذي جعل السلطان للأمة بحيث أعطاها الحق في اختيار من يحكمها بالإسلام عن طريق البيعة دون اكراه أو إجبار ودون غصب للسلطة ودون ظلم أو قهر.
إنّ نظام الخلافة المنشود والذي يجب على الأمة إيجاده هو الوحيد الكفيل بحل جميع مشاكل الناس السياسية والإقتصادية، وهو وحده القادر على توحيد المسلمين تحت قيادة سياسية واحدة يرأسها أمير المؤمنين، كل المؤمنين من اندونيسيا إلى المغرب، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يكون للمسلمين أكثر «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ”من إمام، قال رسول الله مِنْهُمَا» (رواه مسلم). وهو النظام الوحيد القادر على توحيد أرض الإسلام بازالة جميع الحدود المصطنعة بين أبناء الأمة فتصبح أرض تونس وليبيا والجزائر ومصر والمغرب كتلة واحدة بلا حدود و لا معابر ولا جوازات سفر، وتصبح أرض الإسلام أرضا واحدة، واقتصادها واحد، وخزينتها واحدة تسمى بيت المال، ويصبح لها نظام نقدي واحد على أساس الذهب والفضة.
إنّ نظام الخلافة الذي يجب على الأمة أن تنشده هو النظام الوحيد القادر على توحيد جيوش الأمة تحت راية واحدة وأمير جيش واحد بحيث يجمع جيش الباكستان وجيش ايران وجيش العراق والمغرب واندونيسيا واوزباكستان في صف واحد يحمي الأمة ويذود عن بيضة الإسلام ويكون القوة الضاربة لكل من تُسوّل له نفسه الإعتداء على حرمات المسلمين، ويعود كما كان في سابق عهده الجيش الذي لا يقهر.
إن نظام الخلافة المنشود هو وحده القادر على تحقيق الأمن والأمان والعدل، فلقد شهد بذلك رسول كسرى إلى أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، حيث فوجىء بالقائد الأعلى للجيش الذي هز عرش فارس، يفترش الأرض ويلتحف السماء دون حرس أو حماية، فقال قولته المشهورة «حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر». وهو النظام الوحيد الكفيل برفع الظلم عن المظلومين، فلقد قال أمير المؤمنين أبو بكر الصدّيق «والضعيفُ فيكم قويٌّ عندي حتى أرجعَ إليه حقَّه إن شاء اللّه، والقويّ فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذَ الحقَّ منه إن شاء اللّه».
إنّ نظام الإسلام أعطى الأمة الحق بل فرض عليها محاسبة الخليفة وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر دون أن تتعرض للتعذيب ولا للتشريد ولا للنفي ولا «…كَلَّا وَاللهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِللقتل. قال رسول الله وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا…» (رواه ابو داود).
فلا ينبغي للأمة أن تطالب بتطبيق النظام الجمهوري الديمقراطي وأن لا تنخدع بما يقال عن الديمقراطية بأنها عملية انتخابية تقوم بها الأمة باختيار حاكمها بحرية دون أي تحريف، بل لا بد أن ندرك تمام الإدراك بأن الديمقراطية هي نظام الحكم في الرأسمالية، حيث تُجعل الحاكمية والسيادة فيها للشعب ويُجعل التشريع وسن القوانين بيد زمرة فاسدة من الناس تضع نفسها ندا لله سبحانه وتعالى. فالله سبحانه وتعالى هو الحاكم وهو المشرّع. وإنه لمن المحزن أن نرى من أبناء الأمة بل من قيادات بعض الحركات الإسلامية من يرفع شعار الديمقراطية ويطالب بتطبيقها، إنّ من ينادي بتطبيق الديمقراطية إنما يحتكم للطاغوت وحكم الجاهلية. فلا يُقبل من أمة عريقة آمنت بربها وحكمت العالم بنور الإسلام أن ترضى بغيرالله حاكماً ومشرّعاً.
ولا ينبغي للأمة أن ترضى بنظام الحكم الملكي لانه نظام وراثة يرث الإبن فيه أباه في الحكم ويعطي الملك امتيازات وحقوق ليس لأحد من الرعية مثلها، بل ويعتبر نفسه فوق الدستور والقانون فلا يخضع للمحاسبة. وهذا عينه على النقيض من الإسلام الذي لا يخص الخليفة ولا أحدا من عائلته بأي امتيازات. يقول الرسول «وَأيْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رواه الترمذي.
ولا ينبغي للأمة أن ترفع شعارات ذات صبغة وطنية أو قومية، فهذه أفكار تثير الإضطراب والقلاقل وتُعمّق الفجوة بين أبناء الأمة، ولا ينبغي للأمة أن ترفع الأعلام التي فرضها الغرب على المسلمين، بل لا بد أن تدوس هذه الأعلام بأقدامها فهي رمز الإنقسام، وعليها أن ترفع الراية التي توحدها دون النظر الى العرق أو اللون أو اللّسان، تلك هي راية العقاب التي تعلن الأمة من خلالها أنها أمة واحدة من دون الناس وتعبد إلهاً واحداً. قال تعالى «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» (الانبياء: 92).
إنّ الأمة لن يتغير حالها ولن تعود الى سابق عهدها ولن يُرفع الظلم عنها الاّ إذا لفظت جميع الأنظمة الوضعية البائدة ورفضت النموذج الغربي المتمثل في فرنسا أو بريطانيا أو ، نموذج الخلافةأمريكا أو غيره، واستجابت لنداء ربها وطالبت بتطبيق نموذج الرسول الإسلامية فتبايع خليفة يحذو حذو أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ» (الأنفال: 47).

الاستاذ ابو اسيد