أفغانستان مقبرة الغزاة
تحد أفغانستان إيران من الناحية الغربية والجنوبية، وباكستان من الناحية الشرقية والجنوبية، وتحدها من الشمال ثلاث جمهوريات من جمهوريات آسيا الوسطى، التي سكانها مسلمون، والتي كانت جزءا من ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي، هي: طاجيكستان وأوزباكستان وتركستان.
ومن هنا جاءت أهمية أفغانستان للإتحاد السوفياتي، وجاء خوفه من أن يتسرب عن طريقها تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية، التي نشبت عام 1979، على مسلمي جمهوريات آسيا الوسطى، طاجيكستان وأوزباكستان وتركستان، التي كانت جزءا من الإتحاد السوفياتي.
وقد دفع هذا الخوف الإتحاد السوفياتي إلى إحتلال أفغانستان عام 1979 ليضعها تحت سيطرته المباشرة، أو تحت سيطرة عملاء له أقوياء من أهل البلاد إذا انسحب منها.
فصار الإتحاد السوفياتي بإحتلاله لأفغانستان مطلا على الخليج وعلى منطقة الشرق الأوسط، مما اعتبر تهديدا للمصالح الأمريكية والغربية. ومن هنا جاء وقوف أمريكا والغرب وراء المجاهيدن الأفغان، ومدهم بالمال والسلاح، عن طريق باكستان والسعودية والخليج، لمقاتلة الجيش السوفياتي لطرده من أفغانستان، ولإستنزاف الإتحاد السوفياتي بهذا القتال، إلى أن تم طرده عام 1989.
بعد ذلك إنتقل الصراع بين المجاهدين وطالبان، فخسر المجاهدون الحربَ وانهزموا أمام طالبان لأن باكستان كانت قد رفعت دعمها عن المجاهدين، ولم ترفعه عن طالبان. وفي عام 1996 استقر الحكم لطالبان.
أما السبب في تخلي باكستان عن المجاهدين والتخلص منهم، وتبنيها لطالبان وتمكينها من السيطرة على أفغانستان بمفردها، فيعود إلى رغبة أميركا في إيجاد دولة مستقرة وقوية في أفغانستان بعد فشل المجاهدين في إقامة مثل هذه الدولة بسبب اختلافاتهم القبلية والعرقية والمذهبية، والتي لم تمكنهم من تحقيق ذلك الهدف.
وكان من الضروري بالنسبة لأمريكا إيجاد دولة قوية في أفغانستان يقوي النفوذ الأمريكي في المنطقة، كونها مجاورة لباكسـتان وإيران اللتين تقعان تحت النفوذ الأميركي. ولأن تقوية أفغانستان تهدد أمن واستقرار كل من طاجكستان وأوزباكستان وتركستان، وبالتالي يمنح أميركا ورقة ضغط جديدة تستخدمها وقتما تشاء ضد روسيا. وكذلك فإن استقرار أفغانستان كان يفترض أن يمكّن الشركات الأميركية وحليفاتها من مد أنابيب الغاز والنفط من تركمنستان وبحر قزوين عبر أفغانستان إلى باكستان ومنها إلى المحيط الهندي، إلا أنه فيما بعد، تبين أن جدوى هذا المشروع لم يكن كما توقعت أمريكا.
بقيت طالبان تحت الهيمنة الأمريكية عن طريق باكستان إلى أن انعتقت من التبعية لأمريكا، فخشيت أمريكا أن تنتشر عدوى الحكم بالإسلام في المنطقة، فما أن جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001، حتى قامت أمريكا بغزو أفغانستان، الذي فيما يبدو كان مخططا له مسبقا.
ومن الأمور الدالة على أن غزو أمريكا لأفغانستان كان مخططا له مسبقا:
أنه في مايو 2001، أي قبل شهر من أحداث 11 سيبتمبر، استضافت جنيف اجتماعا سريا بين عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين والألمان والإطالييين، وحضره عدد من المسؤولين الإيرانيين، حيث تركز الموضوع على استراجية كفيلة بالإطاحة بنظام طالبان.
وفي يوليو 2001، أي قبل شهرين من أحداث 11 سيبتمبر ،عقد قادة مجموعة الدول الثماني اجتماعا سريا لهم بعد انتهاء الإجتماعات الرسمية لدول المجموعة، وضم الإجتماع عددا من المسؤولين الروس والباكستانيين، الذين استمعوا لعرض من الجانب الأمريكي حول خطة مفصلة أعدتها واشنطن لتوجيه ضربات عسكرية للأهداف الرئيسية لنظام طالبان، انطلاقا من قواعد في أزباكستان وطاجكستان، وتم تحديد موعد لهذه العملية في أكتوبر التالي، وهو الموعد الذي بدأت في أمريكا فعلا عملياتها في أفغانستان ضمن الحرب على الإرهاب.
وفي مارس 2001، أي قبل 6 أشهر من أحداث 11 سيبتمبر، نشرت صحيفة جونز مقالا تحدثت فيه عن خطة غزو لأفغانستان.
ومن الواضح للمتابع بأن الهدف الشبه خفي من عزو أفغانستان لم يكن لإحتلالها بالذات، بل لإحكام القبضة على باكستان، وإلا فما المبرر من شن العدوان والاستمرار به بكل هذه القسوة علي بلد كأفغانستان! والشواهد على ذلك:
- ما ذكره ريتشارد نكسون عن خطر الخلافة في كتابه الفرصة السانحة.
- في 9 فبراير 2010، قال جون بايدن على قناة السي ان ان بأن المشكلة ليست أفغانستان بل باكستان. وأن باكستان بلد كبير، يمتلك السلاح النووي، وفيه أقلية إرهابية/متطرفة.
- جاء في واشنطن بوست، بتاريخ مارس 2009، أن ديفيد كونكورد، مستشار الجنرال باتيريوس، قال إن في باكستان 173 مليون نسمة، و 155 رأس نوويا، وجيش أكبر من جيش أمريكا، ونظام هزيلا، فلو نجح الإرهابيون بالسطرة على باكستان فهذا يعني نهاية حربنا على الإرهاب.
- وفي صحيفة ذا نيشن، في مقابلة مع سايمون هيرش، أحد المحليين السياسيين الأمريكان، قال إن الأمور تغيرت، لقد زرنا باكستان من قبل، كانت القوات الباكستانية تقدم لنا الخمر، أما الآن فتقدم لنا فقط العصير. إن الخطر ليس طالبان، بل حزب التحرير الذي اخترق القوات المسلحة الباكستانية، وكون له خلايا داخل الجيش.
وها قد مضت تسع سنوات على غزو أفغانستان، فهل انهزمت أمريكا في أفغانستان؟ وهل حقا أمريكا جادة في الإنسحاب من أفغانستان؟