أفغانستان مقبرة الغزاة بقلم الأستاذ أ
إنه من الواضح بأن أمريكا قد انهزمت في أفغانستان، ولا ينقص ذلك إلا الإعلان عنه. والشواهد على ذلك كثيرة، منها:
1) أمريكا ذهبت للقضاء على إبن لادن. فهل تم القبض على إبن لادن؟
2) أمريكا ذهبت لنشر الحرية والديمقراطية. فأين الحرية والديمقراطية في أفغانستان، وكرزاي مازال على كرسية رغم أن القاصي والداني يعلم بفساده!
3) طالبان ما زالت تتحكم ب 80% من أفغانستان، وكرزاي فقط يتحكم بكابول. لا بل وقد اعترف “أنشوني كورديس” مستشار القيادة الأمريكية في كابول، طالبان تمكنت من توسيع رقعة نفوذها من 30 منطقة عام 2003 إلى 160 منطقة بنهاية عام 2008.
4) قتلى الناتو في تصاعد، حيث تبين التقارير أن 680 جنديا غربيا قد لقوا حتفهم هناك، ومنهم 470 أمريكيا، وذلك خلال عام 2010، مقارنة ب 317 العام الماضي، مما يجعل عام 2010 العام الأكثر دموية في الحرب الدائرة رحاها منذ تسع سنوات.
5) الجيش الإيطالي والفرنسي يدفع رشوة للقبائل لكي لا يقاتلونهم. وبعض قوات التحالف خرجت من أفغانستان، كالقوات الهولندية، التي كان يبلغ تعداد قواتها 2000 جندي. ولعل الغاية من الكشف عن الثروات الكامنة في أفغانستان هو من باب تشجيع القوات الأمريكية والغربية على البقاء.
6) تتجاوز تكاليف الحرب 100 مليار دولار سنوياً، وهو مال لا تستطيع الحكومة الأميركية حالياً توفيره. وكما ذكر أحد الكتاب والسياسين الأمريكان في صحيفة لوس أنجلوس أنه إذا أردنا أن ننشئ جيشا قويا في أفغانستان، فيجب علينا أن نرفع عدد القوات الأفغانية إلى 400 ألف، وهذا العدد يحتاج إلى 10 سنوات من التدريب ليصل إلى المستوى المطلوب، حينها ستكون تكاليف ذلك الجيش 3 أضعاف الدخل القومي لأفغانستان، فمن أين لنا بهذا؟ هذا وقد أعلن وزير الدفاع (جيتس) عن إعادة ترتيب لأوليات البنتاجون وخفض يبلغ 78 مليار دولار في مخططات الإنفاق على الدفاع خلال السنوات الخمس المقبلة. وقد بدأ بعض الساسة والصحفيين الحديث عن أحقية الأمريكان في الداخل بتأمين المدارس والبنية التحتية وغير ذلك، بدلا من أن تنفق الأموال الطائلة على الحرب في أفغانستان.
7) ونظراً لعدد الإصابات والتكاليف، فليس مفاجئاً أن يتناقص دعم الجمهور للحرب؛ حيث وجد استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للبحوث أنه لأول مرة بات عدد أكبر من الأميركيين (47 في المئة مقابل 44 في المئة) يفضلون انسحاباً مبكراً من أفغانستان. فكما قال دومينك تيرني، أستاذ مساعد للعلوم السياسية بكلية سوارثمور ومؤلف كتاب (كيف نحارب): “إن أفضل ما يمكن للرئيس أوباما أن يفعله لحماية أمننا القومي هو نسيان أفغانستان وحذفها تماما من أجندة إدارته”. ونشرت صحيفة التايمز موضوعا بعنوان “عودوا يا رجال فلا نصر في حرب أفغانستان”. ويقول سيناتور أمريكي ديموقراطي: إلى متى سنبقى في هذا المستنقع، علينا أن نخرج في أسرع وقت. ويقول وليام فاف، كاتب ومحلل سياسي أمريكي “إن من واجب المرء أن يتساءل عن جدوى هذه القوات الأمريكية الجرارة الضاربة، طالما أن الضرر البالغ الذي تلحقة بالمجتمعات التي تغزوها، لا يحدث أي تغيير في عقليات تلك المجتمعات أو معتقداتها. وما جدوى هذه القوة العسكرية الضاربة طالما أن التغيير الوحيد الذي تحدثه هو زيادة كراهية الشعوب التي تغزوها، ليس لحرياتنا وقيمنا الديمقراطية، كما نتوهم، وإنما لأمريكا بحد ذاتها؟
8) مازالت الروح القتالية لدى طالبان عالية، فأحد زعماء طالبان يقول: يعدوننا بشطب أسمائنا من القائمة السوداء. نحن نعتز بأن أسماءنا البيضاء في قائمتهم السوداء، ولكن أسماءهم السوداء في صحائف القرآن البيضاء لن تزول حتى يعطوا الجزية أو الإسلام.
9) أفراد من الجيش الأفغاني يتركون الجيش وينضمون لطالبان. فقد تناقلت وسائل الإعلام أن حركة طالبان قد نجحت في السيطرة على منطقة ‘سانجين’ بالمحافظة وانضم إليها ستة جنود أفغان من 12 جنديًا يعملون هناك، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
10) علق أحد المحللين الأفغان على حملات القصف المكثف من قبل قوات الناتو أنها لا يقصد بها هزيمة طالبان، بل هي لتسهيل هروب قوات الناتو. وقال الجنرال فولكر فيكر المفتش العام للجيش الألماني (رئيس الأركان) لصحيفة ‘بيلد’ الألمانية : إن سياسة الردع لن تفيد في أفغانستان، لأن مقاتلي طالبان يحددون زمان ومكان الهجمات”
11) مؤتمر لندن حول أفغانستان الذي عقد في 28/1/2010 اقترح تقديم 140 مليون دولار لطالبان وغيرهم كحل للأزمة. أولو كان المال هو الحل، لماذا لم يقدم منذ زمن!
12) كانت أمريكا تقول بأنها تتصل بطالبان وتتفاوض معها، فتبين فيما بعد أن الرجل الذي مثل طالبان كاذب، ولا يمثل طالبان، بل انتحل شخصية الملا أخطار محمد منصور أحد قادة طالبان. وقد ذكر دبلوماسي غربي لم تسمّه الصحف قائلا: “إن الشخص الذي ظنناه بأنه منصور تبين أنه ليس هو، وكنا قد أعطيناه مبالغ مالية كبيرة”. ونقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم: “إن الشخص الذي ظنناه منصور تبين أنه ليس هو بالأصل ذاك الشخص، وربما لا يكون هذا الشخص عضوا في حركة طالبان”. وذكرت إحدى الصحف الأمريكية أن الحكومة الأفغانية في حيرة من أمرها فلا تدري مع من تقابل، ومع من يجب أن تقابل لتوقف الحرب المستعرة هناك منذ تسع سنوات. وذكرت أن القوات الأمريكية وقوات الناتو أيضا لا تدري من هم قادة طالبان.
13) تصدع العلاقة بين الإدارة الأمريكية والجيش بات واضحا خاصة من اقالة الجنرال ماكريستال، فعندما أعفاه أوباما قال إنّ تصريحات الجنرال ستانلي ماكريستال تمثل سلوكاً يؤثر في الإدارة حيث إنه “يقوض السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية والتي هي من صميم نظامنا الديمقراطي.”. وقدم وزير الدفاع روبرت غيتس تطمينات إلى الجنرال بترايوس الذي حل محل ماكريستال، وأكد غيتس أنّ خطة الانسحاب كانت “بحسب الظروف القائمة” وقال أنّ الجنرال ديفيد بترايوس يتفق مع إستراتيجية الرئيس بشكل عام عندما يكون على أرض الواقع، وقال إنّه سيقيّم الوضع بنفسه، وأنّه سيوصل توصياته إلى الرئيس، وهذا ما ينبغي القيام به من قبل أي قائد عسكري، والرئيس سيرحب بتلك التوصيات، ولكن في نهاية المطاف فإنّ الرئيس سيقرر ما إذا كانت هناك تغييرات يتعين اتخاذها في هذه الإستراتيجية. “.
14) إن قرار الرئيس الأمريكي إرسال 30 ألف جندي أمريكي كقوات إضافية إلي أفغانستان يؤكد مما لا يدع مجالاً للشك ان أمريكا قد فشلت تماماً في مهمتها بأفغانستان، فزيادة الجنود تعني أن هناك مزيداً من المصاعب وأن الأهداف لم تتحقق. لا وبل اعترف “أنشوني كورديس” مستشار القيادة الأمريكية في كابول أن القوات الأمريكية والغربية الموجودة حالياً غير كافية.
15) تمديد موعد الإنسحاب من 2012 إلى 2014 أيضا يأكد الهزيمة، فالقائد إذا وضع خطة للإنسحاب فقد وضع خطة الهزيمة.
أما هل أن أمريكا جادة في الإنسحاب من أفغانستان؟ فإنه من الواضح من تصريحات أوباما اهتمامه في أن يعيد بعض القوات الأمريكية إلى بيوتهم من أفغانستان قبيل الانتخابات الأمريكية 2012، ولكنّ أوباما لا ينوي سحب جميع القوات الأمريكية أي ال100,000 جندي.
وللعلم، فإنّ الـ30,000 جندي أمريكي الإضافي جعل مجموع الجنود الأمريكيين 100,000. وإجمالي عدد القوات الأجنبية في أفغانستان في الوقت الحاضر هو 150,000. لذلك فإن العدد الإجمالي للقوات تحت قيادة الولايات المتحدة يبلغ نحو 250,000.
ووفقا لـ” مجموعة دراسة أفغانستان” التي أصدرت مؤخرا ورقة من خمس نقاط بعنوان “الطريق الجديد للأمام”، فإنها قد أوصت في هذه الورقة بخفض القوات الأمريكية إلى 68,000 جندي بحلول تشرين الأول 2011 و30,000 بحلول تموز 2012.
وهناك دراسات أخرى قد دعت إلى خفض عدد القوات إلى 50,000، فقد كتب أوهانلون مقالاً بعنوان “كيف يمكن الفوز في الحرب الأفغانية” يرى فيه أنّ أوباما سيرشح نفسه لإعادة انتخابه مع وجود أكثر من 50,000 من القوات الأمريكية في أفغانستان.
وفي آب الماضي شكك قائد أمريكي واسمه الجنرال جيمس كونواي، وهو قائد فيلق مشاة في البحرية الأمريكية، شكك في موعد الانسحاب وقال: ” إننا نرى الآن أنه من المحتمل أنَّ تحديد موعد انسحاب قواتنا سيعطي قوة لعدونا… وأن واقع الحال ينطق بالقول: “مهلا، ليس لدينا سوى الصمود لفترة طويلة”… إنني أقول بصدق” أنه سيكون علينا البقاء على الأرض لسنوات عدة كي تتغير الأوضاع لصالحنا”.
وهذا يعني أنّ أمريكا ستحافظ على وجود عسكري كبير في أفغانستان لمواصلة أهدافها الإستراتيجية في موعد لاحق، فكما قال غيتس “الطريق طويل وشاق”..
هذه هي أفغانستان، مقبرة الغزاة. كانت مقبرة للرومان والمغول والإنجليز والسوفيات من قبل، وبإذن الله مقبرة الأمريكان من بعد. فأفغانستان لا ولن ترضى إلا بالإسلام على أرضها. وإن هزيمة أمريكا في أفغانستان ستكون بإذن الله هزيمة للمشروع الغربي كله، والذي لن يكون فقط مجرد تحرير أفغانستان وإنما إنهاء للهيمنة الغربية الجاثمة علي صدر الأمة منذ انهيار الدولة الإسلامية وسيطرة الغرب علي العالم. وإن النصر مع الصبر.