سوريا ليست تونس وليست مصر وليست ليبيا
بهذه العبارة المتوقعة استهلّ النظام في سوريا دفاعه عن ماقام به من عنف ضد مواطنيه عندما وقفوا عقب صلاة الجمعة المنصرم، في مسجد الخلفاء الدمشقي، مسجد ضم إلى جنباته عشرات الخلفاء الذين جلسوا فيه يستمعون لشكوى الناس. فيقف هذا ويصرخ في خليفة المسلمين: يا أمير المؤمنين اتق الله في ما أولاك! فما فعل الخليفة؟ أطرق ساعة ثم قال: جعلني وإياكم من المتقين. أكرموا مثواه.
ثم تدور عجلة التاريخ بسرعة، يقف بها هنيهات في موقف خليفة المسلمين الراشد الخامس، عمر بن عبد العزيز، وهو واقف على منبر الجامع الأموي يقول: وليت عليكم ولاحاجة لي بأمركم، ولكن الله ابتلاني بكم وابتلاكم بي.
ثم تُسرع عجلة الزمان فيقف حكيم من حكماء المسلمين على مائدة الخليفة هشام بن عبد الملك حيث رآه ضاحكاً فيقول: أعلم يا أمير المؤمنين أنها لم تدم لغيرك حتى تدوم لك، فيبكي الخليفة خوفاً من الله ويفض المجلس. ثم نرى الخليفة تلو الخليفة يعقد في الأموي ألوية جيوش الفتح للأمصار، ويستقبل سليمان بن عبد الملك في يوم واحد الكتاب تلو الكتاب من أمراء الجهاد في الأمصار ببشائر الفتوحات في شمال أفريقيا وأوربا، فيسجد سليمان لكل كتاب حمدا لله على الفتح، حتى قيل في هذا اليوم أنه كاد لم يقم من سجوده لكثرة الكتب.
ليس مصادفة أيها الأخوة أن تبدأ شرارة الثورة في بلاد الشام من الأموي وماحول الأموي، ففيه عبق تاريح المسلمين ومنه أشرقت شمس الإسلام على العالم. إنها رسالة لكم أراد الله بها أن تصحوا وتعوا وتفهموا، بان ارتباطكم أيها المسلمون بتاريخكم هو ارتباط مصيري.
أدى المسلمون بالأمس صلاة الجمعة، فتنادوا للعزة وللكرامة أن هبّوا يا مسلمين لله ولرسوله واستعيدوا مجد الأموي وسلطان مغتصب، فما أن وقفوا حتى صرخ فيهم أعداء الله ورسوله الذين أراد الله أن ينفضحوا بأنهم لايصلون إلا تجسساً، ولا يسبحون إلا نفاقا. فخرج المؤمنون من باب الجامع الأموي العريق يقولون بصوت واحد لا إله إلا الله ، فأغضب ذلك أعداء الله فانقضوا عليهم كالذئب على فريسته، فمن أمسكوه أشبعوه ضرباً ومن خاف وعاد ملتجأً إلى بيت الله لحق به الذئاب، وغلّقوا الأبواب وقالوا لهم هيت لكم. ضربوا الرجال الواقفين لله ولرسوله، ضربوا الكرام، وأهانوا الهرِم ، وأرعبوا الصغير. وعن يمينهم منبر أمير المؤمنين وعن شمالهم قبر حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لم يثني المسلمين الشجعان، أبناء عمر وأبي عبيدة وصلاح الدين، هذا الضرب وهذه الإهانات عن قول الحق، فقد أدركوا أن موقفهم هذا هو موقف سيد الشهداء.
وفي الليل انقض الذئاب على بيوتات المؤمنين الآمنين يعتقلونهم ويرهبونهم ، ظناً منهم بأنهم بهذا كسروا شوكتهم. ثم يطلع علينا أحد أقزام النظام الحاكم ليردد عبارات مملولة سبقه إليها المتحدثين، قائلا أن سوريا ليست تونس وليست مصر وليست ليبيا.
إن البحر الهادر الذي بعث أمواجه التسونامي إلى شواطئ حكام بلاد المسلمين لن يُبق ولن يذر. وكم أرسل تعالى إليهم من آيات ليعتبروا ولكن لا أبصار ولا أفئدة لهم ليعتبروا بها. فهذه الأمواج التي خرجت من بلد إسلامي لن تقف حتى تأخذ الصالح والطالح، ولا صالح بينهم، لأنهم لم يحسبوا حساب هذا اليوم. نسوا الله فأنساهم أنفسهم. نسوا أن غارة الله لا تُبقي ولا تذر. وإن غداً لناظره لقريب.
أبو هاني – قاعة البث الحي