الكرامة
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الكرامة إثر الثورات التي قامت بها الشعوب المسلمة في تونس ومصر واليمن وليبيا وكانت الكرامة مطلباً أساسياً في خروجهم على هؤلاء الطواغيت لُمَا عاشوه من ذل واحتقار فأرادوا تذوق طعم الكرامة والتلذذ به بإزالتهم للحكام المستبدين والمطالبة بتغيير النظام. حتى أن البعض في تونس سمّى الثورة ثورة الحرية والكرامة.
لذلك يجدر بنا الوقوف على المعنى الحقيقي والصحيح للكرامة حتى لا يصبح هذا اللفظ من مجموعة الألفاظ المنمّقة التي تستعمل كشعارات جوفاء لجلب الناس واستمالتهم. ولن نقف عند حد إبراز فكرة الكرامة بل سنتجاوزها لنحدد الطريقة الصحيحة المؤدية للإيجاد الحقيقي في الواقع لهذه الفكرة.
إن الكرامة هي نقيض المهانة ولا يهان المرء إلا إذا ظلم وقد حرّم المولى عزّ وجلّ الظلم فعن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال :”يا عبادي إنّي حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ….” وهكذا فإنه من الحقوق الشرعية أن يعيش المرء مُكرّما لا يُهان ولا يُظلم ومن مظاهر هذا الظلم هو الاعتداء على ممتلكاته وغصب أمواله وهضم حقوقه الشرعية ومعاملته معاملة العبد لا الإنسان وتمييز غيره عنه دون موجب كل هذه المظاهر تسلب كرامة الإنسان.
ولكي تتحقق كرامته لا بد من توفير الحاجيات الضرورية له وحمايته من الظلم وتعليمه ورعاية صحته وتوفير الحاجات الكمالية إن أمكن وعدم الاستعلاء والتكبر عليه، يعني هذا أن حسن الرعاية هو الضامن الحقيقي لكرامة الإنسان.
إن النظام الرأسمالي لا يضمن للإنسان كرامته لأن الدولة الرأسمالية لا تقوم على رعاية شؤون الناس بل هي دولة تقوم على حماية حريات الناس بل بالأحرى هي دولة تقوم على حماية حريات أصحاب رؤوس الأموال .كما أن الاقتصاد الرأسمالي لا يبحث مسألة توزيع الثروة وهذا من شأنه أن يكرس هضم حقوق الرعايا في الأكل والشرب والمسكن والصحة لأن الثروة تحتكر في يد ثلة قليلة من الرأسماليين بينما يرزح باقي الشعب تحت وطأة الحاجة والخصاصة وحتى المنظمات والجمعيات التي وجدت لترقيع هذا الواقع لا يمكن لها تعويض الدور الحقيقي للدولة ولا تمثيله.
إن الإسلام يعرف للإنسان قدره وكرامته ويسخر كل الأمور المادية لراحته، وهذا بعكس الرأسمالية التي تولي الاهتمام الأول للمال والثروات وليس للإنسان قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } ( الإسراء / 70 ) وقال عليه السلام مخاطبا الكعبة الشريفة:( ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً !!..) رواه ابن ماجه. وبهذه الأحكام العادلة المستقيمة وغيرها نرى أن الإسلام بحق دين رعاية تحقق للإنسان الراحة والطمأنينة ويقضي على الفقر ويحقق الرفاه الاقتصادي.
إن دولة الخلافة هي السبيل الوحيد لتحقيق كرامة الإنسان والمحافظة عليها فكما ذكرنا سابقا أن الله عزّ وجلّ حرم الظلم على عباده كما فرض على الخليفة الأخذ على يد كل من ظلم ودولة الإسلام هي دولة رعاية تضمن الحاجات الضرورية للإنسان فردا فردا وهذا فرض من الله عزّ وجلّ زد على سعيها لتحقيق الحاجات الكمالية إن أمكن لها ذلك كما أن دولة الخلافة كانت تحفظ كرامة رعاياها حتى بعد تنفيذ الحدود كما حصل مع المرأة التي زنت وأقيم عليها الحد ولقد قال صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد بعد إقامة الحد عليها والله لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت وكذلك لا ننسى عهد الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز كيف كانت تحفظ كرامة الفقير والمريض وذو العيال الكثير والمال القليل.
ان النظام الشرعي للخلافة هو الذي يفرض على الحاكم السهر على تأمين حاجات الناس وتأمين فرص العمل لهم وليس دفعهم إلى الهجرة. فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته. والدولة في الإسلام دولة رعاية لا دولة جباية، وقد جاء في الحديث الشريف: «لا يدخل الجنة صاحب مكس».
إن الخلافة هي الحصن الحصين والحبل المتين وأمن الآمنين وملاذ الخائفين وقبلة التائهين فيها عدالة السماء وفيها الرغد والهناء ، هي القصاص والحياة وهي المعاش والثبات هي السبيل لإعلاء كلمة الله .
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ
عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا
7-4-2011
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو أنس – تونس