Take a fresh look at your lifestyle.

الحوار الحي- ومنطقتنا تعصف بها رياح التغيير- دروس وعبر- ج1

 

في الوقت الذي ظهر فيه كذب و زيف الشعارات التي ادّعتها الحضارة الغربية و نادت بها أمريكا زعيمة ما يسمى بالعالم الحر ، كرفعها شعارات محاربة الإرهاب و التطرف و تدمير أسلحة الدمار الشامل ، و مناداتها كذباً بالديمقراطية و حقوق الإنسان ، و الذي أدّى ذلك كله إلى احتلال بلاد المسلمين و المزيد من الاعتقال و التعذيب و القتل في أفغانستان و باكستان و العراق و الصومال و نهب ثروات الأمة و تدمير مقدراتها و تجزئة كياناتها و جعلها قواعد عسكرية لها ، تمّ ذلك بالتعاون مع الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي ، و التي تقدّم فيه هذه الأنظمة كل أنواع الدعم و المساعدة و التنازلات لدولة العدو المحتل لفلسطين و يزداد قادة هذا الكيان الغاصب في غيّهم و طغيانهم و عدوانهم ليس ضدّ شعب فلسطين فقط و إنما ضدّ الأمة جمعاء.

و في الوقت الذي تستأثر فيه الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي بالسلطة و الثروة معاً بل و تسخرهما لخدمة أعداء الأمة و تكديس هذه الثروات في الخارج و بأيدي هؤلاء الأعداء من دول الكفر الغربية ، يقابل ذلك كله تزايد الفقر و الفساد و المفسدين و تحالف و تغوّل رجال السلطة و الثروة و استعباد شعوبهم و اشتداد الظلم و كثرة الاعتقالات و التعذيب ، و إعلان الحرب على الدعاة و المجاهدين و الأحرار ، مما جعلوا هذه الأمة و هذه الشعوب تعيش في حالة من القهر و الكبت و الحرمان و الانفجار في أية لحظة و بأية مناسبة مواتية.

في ظل هذا الوقت و في ظل هذه الظروف و الأوضاع فإنه ليس مصادفة أن تنطلق الشرارة و الثورة من بلد مثل تونس الذي مثّل حاكمها و نظامه و حزبه عنواناً للحرب على الإسلام و انتهاكاً لحرية و كرامة الإنسان و رمزاً للفساد و السرقة و النهب ، و الذي لم يكن أحد يتوقع حدوث هذا الزلزال فيه و ما تبعه من موجات المدّ العاتية (تسونامي) تجلّى ذلك في ثورة مصر و اليمن و ليبيا و سوريا و غيرها من الدول المرشّحة للتغيير.

و نحن ننظر لهذه الثورات و الانتفاضات من زاوية مبدأيه فإنّا نسطر الملاحظات و الانطباعات التالية :

* أنّها فاجأت الجميع بما فيها الأنظمة و الدول العظمى الاستعمارية و لم يكن أحدٌ يتوقع حدوثها بهذا الحجم و القوة و سرعة انتشارها كانتشار النار في الهشيم.

* أنّ انطلاقتها ذاتية و برز عليها عنصر الشباب و أنّها ذات طابع شعبي و ليس حزبي و إن حاولت بعض القيادات و الأحزاب التي تدّعي المعارضة التأثير عليها أو ركوب موجتها و أنّها أزالت حاجز الخوف و التردد و استُخدمت فيها و سائل الإعلام الإلكترونية الحديثة.

* إنّ شعار هذه الثورات و الانتفاضات و الذي أصبح مدوّياً في ساحات التغيير ” الشعب يريد إسقاط النظام ” و أنّ مطالب هذه الثورات هي الحرية و الكرامة ، مما يدلّ على أنّ سقف المطالب مرتفعٌ و أنّها مطالب متقدمة عن مطلب اسقاط الحكومة أو المطالب المادية أو الفردية و لكنها لم تصل إلى مطلب عودة الإسلام إلى الحكم و وحدة هذه الأمة و إزالة هذه الحدود و الحواجز المصطنعة.

* تمسّك الحاكم في الكرسي و السلطة ما استطاع إلى ذلك سبيلا و لو على حساب أشلاء شعبه و أنّ القوى العظمى و الدول الاستعمارية تتمسّك بعميلها ما دام يخدم مصالحها و يحقق أهدافها الاستعمارية ، و لكنّها عندما ترى أنّ وجوده و بقائه عبءٌ عليها و خطرٌ على مصالحها تستغني عنه أو تلفظه ، و الشواهد من التاريخ الحديث و القديم على ذلك كثيرة.

* إنّ منطقتنا هي محطّ أنظار الدول الكافرة المستعمرة و أنّ موقعها و ثرواتها هي موضع تكالب هذه الدول و تصارعها و أنّ هذه الأمة بعقيدتها السمحة و نظامها الشامل يشكلان خطراً على مصالحها الاستعمارية ، و أنّ هذه الدول الكبرى المستعمرة لن تستسلم بسهولة و أنّ لديها من النفوذ و من القوى و العملاء المخفيين و المستترين بأسماء براقة وهمية و لديها من الوسائل و الأساليب الظاهرة و الباطنة ما يجعلها تلتفّ على مطالب الشعوب الحقة و على هذه الثورات و تعمل على إحباطها حتى حين من الدهر.

* أنها كشفت عن مدى حقد و كراهية هذه الأنظمة لشعوبها و مدى الوسائل و الأساليب القمعية التي من الممكن أن تستخدمها للإبقاء على نظام حكمها ، و أنّها كشفت عن مدى الثروات و المليارات التي نهبتها و سرقتها و مدى أرصدتها التي هرّبتها للخارج و أودعتها في بنوك دول الغرب المستعمر.

أما ما هي هذه الوسائل و الأساليب و الخطط الخبيثة التي بحوزة هذه الأنظمة و الدول الكافرة المستعمرة لإحباط نهضة الأمة و الإبقاء على نفوذها و سيطرتها على منطقتنا و نهب خيراتها و ثرواتها ، فيمكن أن نوجزها بما يلي :

* الالتفاف على مطالب الشعوب المطالبة بالتغيير و الحرية و الكرامة و إسقاط الأنظمة ، و ذلك بركوب موجة التغيير و ترقيع هذه الأنظمة بالإصلاح الشكلي و ما يطلقون عليه بالإصلاح السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي.

* محاولة إيجاد الفتن و القلاقل و العداء بين أبناء البلد الواحد كما في مصر بين المسلمين و الأقباط ، او بين أبناء الأمة الواحدة و الدين الواحد بإثارة و استغلال الإخلاف المذهبي و الطائفي كما هو الحال في العراق و مناطق شرق السعودية و منطقة جنوب السعودية و شمال اليمن أو كما في البحرين و تداعيات هذه الأزمة بدخول قوات خليجية لحماية النظام هناك و ما قد يتبعه من توتر و تدخل إيراني بشكل أو بآخر.

* إشعال الحروب بين أبناء البلد الواحد و الشعب الواحد و الأمة الواحدة لكي تستنزف هذه الدول الكبرى الطامعة ثرواتنا و تجعل منطقتنا سوقاً لبضائعها و أسلحتها المدمرة كي تغطي عجز ميزانيتها و تعالج أزماتها الاقتصادية و تحافظ على نظامها الرأسمالي الذي انكشف عواره وظهرت عيوبه ، كما في الحالة الليبية و رغبة الدول الاستعمارية الطامعة باستغلال ثورة الشعب الليبي و ما قام به طاغية ليبيا القذافي من سفكٍ للدماء للتدخل بحجة فرض الحظر الجوي و حماية المدنيين، و لا يهم هذه الدول الاستعمارية مآلآت الأفعال سواءاً اقتتل الشعب الليبي أو قسّمت و تمزّقت ليبيا أو بقي القذافي أو رحل ما دام أنّها جعلت رياح التغيير تجنح لصالحها و لمصالحها الاستعمارية.

* لوحظ أنّ الإدارة الأمريكية استخدمت إستراتيجية تقوم على التعامل مع كل دولة من دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا على حده فيما يتعلق بالثورات و الانتفاضات حسب قوة علاقة هذه الدولة أو تلك بأمريكا أو عمالة هذه الدولة لهذه الدولة العظمى أو تلك ، فقد كانت اجتماعات و متابعات الإدارة الأمريكية يومية لما يجري في مصر و حرصت على الانتقال السلمي للسلطة و السير نحو ما تدّعيه بالديمقراطية ، فقد حرصت على أن تبقى السلطة في مصر بيد الجيش القوة الفعلية و الموالية لأمريكا منذ ثورة سنة 1952 ، بعكس موقفها في ليبيا و رغبتها بالتخلص من القذافي فإن لم يكن ، فالتقسيم و التمزق و الحرب بين طرفي النزاع في ليبيا.

* كما لوحظ عزوف أمريكا عن التدخل العسكري المباشر في ليبيا أو إرسال قوات برية و ذلك بعد تورطها في حرب العراق و احتلالها لأفغانستان و قد ورد ذلك مؤخراً على لسان وزير دفاعها روبرت غيتس الذي حذّر ” من أنّ أي وزير دفاع يقدّم في المستقبل المشورة للرئيس مرّة أخرى بإرسال قوات أمريكية كبيرة إلى آسيا أو الشرق الأوسط أو إفريقيا ، يتعيّن فحص قواه العقلية ” ، و إنّه بالرغم ممن هذا الإحجام الأمريكي عن التدخل العسكري المباشر أو القيام باحتلال مناطق معينة فإن النهم الرأسمالي الاستعماري و محاولة بسط السيطرة و النفوذ و نهب ثروات العالم بشتى الوسائل و الأساليب الخبيثة و المدمّرة لا يزال قائماً لدى أمريكا و الدول الغربية الاستعمارية.

أما ما هي هذه الدروس و العبر التي يجب أن نستخلصها من هذه الثورات و الانتفاضات و التغيرات في منطقتنا ، فيمكن ان نلخّصها فيما يلي :

1- لقد كشفت رياح التغيير عن مدى ثروات هذه الأمة و مدى النهب و السرقة الذي وصل إليه حكامها و بالتالي فإنّ هذه الثروات حقٌّ للأمة و لمن يحمل التابعية مهما كان دينه أو مذهبه او عرقه و لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال أن تستأثر بها الفئة الحاكمة و بطانتها و تبدّدها كيف تشاء و بالباطل و خدمة لأعداء الأمة.

2- إنّ وحدة البلاد و العباد ضرورة حتمية و مطلبٌ شرعي من شأنها أن تحمي الأمة و تعزّها ، و لا يجوز و لا يحق بأي شكل من الأشكال لأي حاكم أو فئة الاستعانة و الإستقواء بالكافر و الأجنبي على أي فرد أو فئة أو شعب من هذه الأمة ، ناهيك عن الخسارة و الدمار و التمزق و سفك الدماء الناتج عن الاستعانة بالكافر المستعمر.

3- إنّه لا بدّ من وجود قيادة سياسية واعية لهذه الأمة تتصف بالإخلاص الخالص ، ولاؤها لله عزّ و جل لا إلى هذا الزعيم أو الحزب الحاكم و لا إلى هذه الدولة الأجنبية الاستعمارية أو تلك ، قدوتها رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته و الخلفاء الراشدين من بعده.

4- إنّ بوصلة هذه الأمة و مبدؤها الإسلامي بعقيدته و نظامه هو الذي يرشدها و يقودها لطريق العزّة و النصر ، و أنّ هوية هذه الأمة هي حضارتها الإسلامية التي أكرمها الله بها و ما لم تسترشد أمّتنا ببوصلتها و تتمسّك بحضارتها فلن تستطيع أن تصل إلى برّ الأمان ، و أنّ الدستور الذي تقوم عليه دولة الحقّ و العدل و يضمن الحقوق لجميع أفراد الأمة و من يحمل التابعية و المواطنة من أتباع الديانات الأخرى إنما هو الدستور الإسلامي الذي هو من عند ربّ العباد و ليس من صنع العباد يفصّلونه و يعدّلونه و يبدّلونه وقتما شاؤوا و كيفما شاؤوا.

5- إنّ رياح التغيير التي عصفت و لا تزال تعصف بمنطقتنا إنّما تحمل في ثناياها بشائر خيرٍ إن شاء الله للتغيير الحقيقي القادم و هي انسجاماً مع السنن الكونية و تصديقاً للحكمة الإلهية الأزلية ، فهو القائل عزّ و جلّ في كتابه العزيز ” استكباراً في الأرضِ و مكرَ السّيّءِ و لا يحيقُ المكرُ السّيّءُ إلا بأهلهِ فهل ينظرونَ إلا سنّتَ الأوّلينَ فلن تجدَ لسنّتِ اللهِ تبديلاً و لن تجدَ لسنّتِ اللهِ تحويلاً ” صدق الله العظيم ، الآية 43 سورة فاطر .