مواجهة العدو الإسرائيلي على خطوط التماسّ: واجب المدنيين العزّل أم القوات المسلّحة؟
شهدت الدول المحيطة بفلسطين المحتلة أمس مشهداً جديداً، يحوي دلالات تبشر بالخير، وأخرى يندى لها الجبين.
أما دلالات الخير، فهي ذلك الحماس وتلك الجرأة التي اندفع بهما عشرات الآلاف من الناس في مصر والأردن وسوريا ولبنان، فضلاً عن فلسطين، لتأكيد أن قضية فلسطين ما زالت قضية محورية وهمًّا حيًّا في النفوس، لم يعفُ عليها الزمان ولم تطمسها ولاءات مصطنعة للكيانات القطرية التي أسسها المستعمر منذ عشرات السنين وأغرق الناس في مآزقها وقضاياها المبتذلة، ولا سيما مشكلة الأنظمة القمعية الاستبدادية. فأكد أبناء الأمة من هذه الأقطار جميعاً أنهم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. وفي هذا ما فيه من دلائل الخير في هذه الأمة.
وأما الدلالات الأخرى التي يندى لها الجبين وتبعث على الاشمئزاز والسخرية معاً، فهي مشهد جنود القوات المسلحة الرسمية في جنوب لبنان وتخوم الجولان المحتل يرقبون عن كثب الجنود “الإسرائيليين” يقتلون بدم بارد الشبان الشجعان من وراء الشريط الفاصل منتهكين ما يسمى”السيادة الوطنية!”، دون أن يحركوا ساكناً، ودون أن يردّوا على الرصاص بالرصاص دفاعاً عن المدنيين العزّل الذين واجهوا جنود العدو بالحجارة والصدور العارية، ليسقط عشرات الضحايا بين شهيد وجريح! والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا حين قامت جرافة (إسرائيلية) السنة الماضية بالاعتداء على شجرة في منطقة العديسة أعطيت أوامر للجنود اللبنانيين بإطلاق النار، ونشبت معركة بين الطرفين سقط فيها من سقط، وأعلنت السلطة اللبنانية آنذاك أن الجيش قام بواجبه؟! فهل كانت تلك الشجرة أغلى من دماء هؤلاء الشبان العزل؟! أم الأمر متعلق بضوء أخضر يأتي من وراء الحدود؟!
إن المتعارف عليه لدى جميع الأمم والدول أن الدولة تنشئ جيشاً من أفراد الشعب تُحسن تنظيمهم وتسليحهم من أجل أن ينوبوا عن أهلهم في الدفاع عن البلاد والعباد ومصالح المجتمع الداخلية والخارجية. وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» (متفق عليه)، والإمام هو رئيس الدولة والجُنَّة هي الدرع والوقاية. ولكن المشهد في دولنا البائسة معكوس، حيث الجيوش لا تقاتل الأعداء على تخوم البلاد، بل يتم تجهيزها لمواجهة حركات المعارضة الداخلية، حتى لو كانت سلمية، كما فعلت السلطة مع مظاهرة حزب التحرير في طرابلس منذ نحو ثلاثة أسابيع، حيث حُولت المدينة إلى معسكر للقوات المسلحة، لا لحفظ الأمن، وإنما لإرهاب الناس الذين كانوا ينوون التظاهر ولاعتقالهم قبل الوصول إلى المظاهرة. أما حين يطلق جنود العدو النار على المتظاهرين العزل فإن جنود (الوطن!) يراقبونهم دون الدفاع عنهم! بالطبع، ليس الجندي من يلام، وإنما السلطة السياسية صاحبة القرار. فأي سلطة سياسية هذه التي تحكم بلادكم أيها الناس؟!