رحى الاسلام – موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ المواجهة بين الحق والباطل مستمرة، و أنّ القرآن والسلطان سيفترقان، ودعانا إلى التمسك بالقرآن، وإلى الثبات على الحق، حتى لو أدى ذلك إلى الموت. أخرج الطبراني في الكبير من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً عَلَى الدِّينِ فَلَا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ يَمْنَعُكُمُ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ، أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ. أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، فَإِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: «كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ».
إنّ من فضل الله على علماء الإسلام أن جعلهم ورثة خاتم الأنبياء وإمام المرسلين في أُمته، في كل شأن من شؤونها، لا في بعض الكتاب والسنة دون بعض. وليسوا خُدام الكُبراء والملوك والرؤساء والأغنياء والوُجهاء وإنّما هم خُدام الحق، يدورون مع الكتاب حيث دار، فيتمسكون بكتاب الله وسنته. فلا يرتشون في الدين لدنيا غيرهم، ولا يداهنون الظلمة المتجبرين على الأمة، ولا يسكتون على ظلم الحكام خوفاً من بطشهم أو طمعاً في رضاهم. فإذا ركن العلماء إلى السلطان ساعدوا في ابتعاد السلطان عن القرآن. وإذا كان العلماء يخافون الناس في الله ولا يخافون الله في الناس فماذا يقول غيرهم؟ فهل تُقال كلمة الحق للضعيف دون القوي؟! وللفقير دون الغني؟! وللمحكوم دون الحاكم؟! أهكذا هو دين الإسلام؟! أم هو «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ» و «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» و «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ»؟ فعلى العلماء ألاّ يستقيلوا من وظيفتهم كورثة الأنبياء وألاّ يُسهموا -عن وعي أو غير وعي- في تثبيت المحذور: «افتراق السلطان عن القرآن» وتوظيف القرآن للسلطان شر توظيف، فكلمتهم جهاد، بل أفضل الجهاد، أوليس أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؟
يخبرنا عليه الصلاة والسلام أنّ رحى الإسلام دائرة، أي أنّ استقامة أمر الدين واستقراره في دوران، تارةً يكون أمر الإسلام قوياً مستقراً فيُحكم به وتارةً يكون أمر الإسلام ضعيفاً مهتزاً فلا يحكم به. فالإسلام في معركةٍ ومواجهةٍ دائرةٍ مستمرةٍ متواصلةٍ مع الباطل، وقد بدأت منذ أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمرت طيلة تاريخ الإسلام، وقد شهدت هذه المواجهة في هذا العصر تصعيداً وشِدّة وحِدّة، ولكن الإسلام فيها ظافر منصور في النهاية بإذن الله. وفي جو الصراع بين الإسلام والكفر يدعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقاء مع القرآن، وإلى الوقوف تحت راية القرآن، وإلى الدوران مع القرآن حيث دار: «ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار»، فالاعتصام بحبل الله والتمسك بالقرآن والسنّة عند طوفان الفِتن والمِحن هو الحل وهو «صمام الأمان» للمسلم، فلا عصمة ولا نجاة لنا إلا باللجوء إلى القرآن، والتمسك به، والانطلاق منه، ومواجهة قوى الباطل وتحديهم به.
ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الافتراق بين القرآن والسلطان، وهذا الافتراق أبرز ما يكون وضوحاً في هذه الأيام، في عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف، حيث سار الحكام في طريق متناقضٍ مع طريق القرآن، وحرصوا على إرضاء أعداء الأمة، وإقصاء شرع الله! فارَقوا شرع الله لأنهم اتبعوا أهواءهم، ولا يمكن لشرع الله أن يُقرّهم على أهوائهم، ولذلك فارقوه! وقد أصبح الطريقان في هذه الأيام متعارضين: طريق القرآن وطريق الحُكام، وإذا كان الحاكم يدعو الناس إلى اتباعه، مستخدماً الترغيب والترهيب، والإغراء والتهديد، و «العصا والجزرة»، فإنّ كثيرين يسيرون في طريقه، رغباً أو رهباً. ويدعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى «حسن الاختيار» بالانحياز إلى شرع الله، وعدم مفارقته: «ألا إنّ السلطان والكتاب سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب».
ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون علينا أمراء يأخذون ثروات وخيرات هذه الأمة لأنفسهم ويعطون الأمة ما لا يُسمن ولا يُغني من جوع، فأملاك مُبارك وعائلته قاربت 70 بليون دولار بينما كان أهل مصر يتزاحمون من أجل رغيف الخبز، ورأينا بأُم أعيننا أملاك بن علي الهائلة المخزنة في قصوره من ذهب وغيره بينما كان أهل تونس جوعى، وحال عامة المسلمين لا يختلف عن حال أهل تونس ومصر وكذلك حال كافة حكام المسلمين لا يختلف عن حال حكام تونس ومصر. وكذلك يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء الأمراء يَرَون أنفسهم على الحق والأمة على الباطل «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» (غافر: 29)، فيقتلون من عصاهم ويبطشون بمن أمرهم ونهاهم، ويُضلون من أطاعهم. في ظل ذلك يدعونا صلى الله عليه وسلم إلى عصيان هؤلاء الحكام والاقتداء بالثابتين على الحق من أصحاب عيسى عليه السلام، الذين نُشِروا بالمناشير، وحُمِلوا على الخشب، ولم يغيروا أو يبدلوا، ولقوا الله وهو راضٍ عنهم، فـ «موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير الأستاذ أبو مالك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته