سوريا ورياح التغيير
لم يترك النظام السوري أي فرصة لقتل وقمع المسلمين في سوريا إلا وفعلها، ولم يعرف هذا النظام أي رحمة أو إنسانية في التعامل مع مواطنيه، بل حوّل سوريا إلى سجن مظلم كبير. وجرائم ومجازر هذا النظام لا يمكن حصرها أو معرفة كل تفاصيلها وذلك بسبب التعتيم الإعلامي الذي كان وما زال هذا النظام يستخدمه. ومن المجازر المعروفة المشهورة مجزرة حماة التي وقعت في شباط (فبراير) 1982م، فقد لقي ما يزيد على 25 ألفاً حتفهم على أيدي السلطات السورية التي حشدت القوات الخاصة وسرايا الدفاع وألوية مختارة من الجيش (اللواء 47 واللواء 21) بمعداتهم الثقيلة يدعمهم السلاح الجوي لتصبح المدينة منطقة عمليات عسكرية واسعة وتم قصف المدينة بنيران المدفعية وراجمات الصواريخ وبشكل عشوائي ولمدة أربعة أسابيع متواصلة في الوقت الذي أغلقت فيه منافذها الأربعة أمام الفارين من وابل النيران. وقد قام النظام السوري المجرم بارتكاب مجازر عدة في مناطق مختلفة سبقت هذه المجزرة، وراح ضحيتها المئات من المواطنين من نساء وأطفال وشيوخ. ومن هذه المجازر مجزرة جسر الشغور في العاشر من آذار 1980م، وتفيد بعض المصادر أن المدينة قُصفت بمدافع الهاون وأطلقت النيران على سبعة وتسعين من أهاليها بعد إخراجهم من دورهم، كما تم هدم ثلاثين بيتا فيها. ومجزرة سرمدا التي قتل فيها حوالي 40 مواطناً، ومنها مجزرة قرية كنصفرة، والتي تزامنت مع مجزرة جسر الشغور وذلك حين أطلقت النيران على أهالي القرية الذين طالبوا بتحسين الخدمات العامة فقُتل مواطن وجُرح عشرة. ولم يمض على الحادثتين السابقتين أشهر قليلة حتى وقعت مجزرة سجن تدمر وذلك في 27/6/1980م حيث تمت تصفية قرابة ألف معتقل في زنازينهم. ومجزرة حي المشارقة حيث قتل صبيحة عيد الأضحى 83 مواطنا أنزلوا من شققهم وحصدت أرواحهم، ومجزرة سوق الأحد التي أودت بحياة 42 مواطناً وجرح 150 آخرين. ومنها مجزرة الرقة التي راح ضحيتها عشرات المواطنين الذين لقوا حتفهم حرقاً بعدما جُمِعَ المعتقلون في مدرسة ثانوية وأُضرمت النيران حولهم. ولم يكن آخرها ما يحدث الآن من قتل المئات من الناس واعتقال الكثيرين غير المعروفة أعدادهم.
هذه عينة من ممارسات النظام الهالك الذي لا يرعوي عن أبشع التصرفات اللاإنسانية بحق شعبه داخل السجون وخارجها. إن هذا النظام لا يزال يتصرف وكأنه خالد في الحكم: يعتقل ويعذب، يسجن… من غير أن يحسب أن كل ما يفعله محسوب عليه وسيؤخذ به قريباً إن شاء الله. فهل يظن هذا النظام الفاسد أن الألسن الساكتة راضية عما يقوم به؟!… إن هذا النظام يتصرف وكأن لا شيء يحدث حوله وكأن لا شيء سيأتي عليه،… إن حكام سوريا استطاعوا أن يجعلوا من النظام السوري نظاماً أمنياً بامتياز يتقدم على سائر أنظمة المنطقة في القمع والظلم، تاريخه مع شعبه سطَّره بدماء أبنائه، وتاريخه مع عدوه سلمٌ وأمانُ حدودٍ مع يهود حتى إن هؤلاء يقيمون منتجعات سياحية لهم في الجولان!
ولم تكن هذه الجرائم الوحيدة التي اقترفها هذا النظام لما يزيد عن 40 عاماً، بل إن أكبر جريمة اقترفها كانت حكمه بالكفر ومحاربته للإسلام والدعوة إليه. حتى امتلأت السجون وشرد مئات الآلاف من الناس خارج سوريا.
إنّ النظام السوري يظن نفسه أنه في مأمن من التغيير، ولعل مقتله في ظنه هذا. إن التغيير زاحف إليه، ومنطلقه إسلامي وإن التغيير المنشود بيد الله وحده، ولن يستطيع أن يوقفه أحد، ولن يستطيع هذا النظام البائد من الصمود أمامه والتصدي له، إن التغيير آتٍ إن شاء الله تعالى. وسيجعل من سورياً بلداً إسلامياً تتحقق فيه بشارات الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشام وأهل الشام… روى أحمد وابن حبان عن معاوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ).
إنّ هذا النظام يتصرف مع المسلمين كعدو وليس كراعٍ فيجب اتخاذه عدواً، إنّ الله سبحانه وتعالى جعل السلطة في الإسلام للمسلمين ليحكموا بما أنزل الله، والحاكم في سوريا شأنه شأن سائر الحكام في بلاد المسلمين بل هو يزيد عنهم فهو مغتصب للحكم، إذ يمنع ويحارب الحكم بالإسلام، وسالبٌ للسلطة من المسلمين إذ أخذها بالقهر والوراثة المُقَنَّعة بالانتخابات المزورة، بل هو يستعملها ضدهم عن طريق أجهزته الأمنية. وهو لا يقيم وزناً لهم بل يرى أنه لا يحمي نفسه منهم إلا بتهديدهم وتخويفهم وإذلالهم واعتقال أبنائهم وإصدار أحكام أمنية لا قضائية تأتي جاهزة إلى القاضي الذي ينطق بها كالحاجب ليس أكثر.
إنّ من حق الله على المسلمين أن يقيموا الإسلام في حياتهم، وأن يقيموا الحكم بما أنزل الله، لتستقيم حياتهم على أمر الله، وليتخلصوا حقيقةً من ظلم الظالمين، والخلاص لا يتعلق بالقضاء على هذا النظام البائد فحسب، أو بتبديله بحاكم يحكم بنظام حكم من مثل ما يُحكم المسلمون به اليوم، بل لا يكون إلا بإقامة الخلافة الراشدة التي تجمع المسلمين في سوريا مع المسلمين خارجها لتكون سوريا نواة دولة الخلافة هذه، والتي ترعى المسلمين وغير المسلمين بالنظام الإسلامي الإنساني الصحيح العادل لأنه من رب العالمين.
فهل يسجل المسلمون في سوريا لأنفسهم مكرمة إقامة حكم الله على أرض الله في آخر الزمان على أنقاض هذا النظام البائد، وهل يكون تغييرهم تغييراً يحبه الله ورسوله، ولا يكون تغييراً ناقصاً؟ وهل يسجل المسلمون لأنفسهم سابقة إعلانها خلافة إسلامية، ولا يستبدلوا حاكماً بحاكم مثله، ولا دستوراً بدستور مثله؟ ولا يستعينوا بالأجنبي الكافر في شؤون تغييرهم؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ أبو هيثم