Take a fresh look at your lifestyle.

نص المؤتمر الصحافي لرئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية لبنان أحمد القصص

 

لقد كثرت التعليقات والمواقف التي بلغ بعضٌ منها حدَّ التصعيد السياسي والإعلامي حول انتفاضة أهلنا في سوريا، وأثيرت حولها الشكوكُ والشبهات، كما أثيرت شبهات حول تحرك حزب التحرير لنصرة أهل سوريا، لذلك دعوناكم إلى هذا المؤتمر، لإعطاء رأينا بوضوح في هذه المسائل ورد الشبهات التي أثيرت حول تحركنا، كما لإخباركم أيضاً بتحركنا المقبل في هذا الصدد. والبداية مع توضيح طبيعة تحرك حزب التحرير والرد على الشبهات التي أثيرت حوله.

 

– روجت صحف ووسائل إعلامية سورية وأخرى محلية متواطئة معها كلاماً سخيفاً حول تحرك حزب التحرير، مفاده أن تحركه اندرج ضمن توجه بعض التيارات السياسية اللبنانية المتصارعة ومَن وراءها من القوى الإقليمية. وعليه نقول بوضوح وحسم: إن تحركنا لا يمت بصلة إلى برنامج أيٍّ من القوى المحلية أو الإقليمية، وإن حزباً سياسياً إسلامياً عالمياً وضع نصب عينيه تغيير واقع الأمة الإسلامية أرقى وأنقى من أن تندرج أعماله ومواقفه ضمن أطر تنظيمات صغيرة الحجم والأهداف، ولا سيما تلك العلمانية منها. ولقد رأى العالم كله أن أعمال الحزب لنصرة أهل الشام كانت أوسع من أن توضع في أطر التيارات المحلية، فقد نظم الحزب هذه المظاهرات في المسجد الأقصى والأردن وتركيا وإندونيسيا وبريطانيا ولبنان… فكيف يمكن وضع هكذا تحرك في إطار محلي ضيق؟!. هذا عدا عن المظاهرات التي خرجنا فيها من قبل دعماً للثورات السابقة من تونس إلى مصر إلى ليبيا وغيرها… وأهم من ذلك كله أننا ننطلق من خلفية تختلف كلياً عن منطلقاتهم؛ فبينما ينطلقون من منطلقات قطرية وفئوية وارتباطات إقليمية، ننطلق نحن من انتمائنا للأمة الإسلامية وما يمليه علينا واجب الأخوّة الذي فرضه الله علينا. ولم نتناقض مع أنفسنا في دعم ثورات والطعن بأخرى، إذ هي انتفاضة أمة واحدة تعاني مصاباً واحداً وألماً مشترَكاً، وفي مقدمته تغييب هوية الأمة واغتصاب سلطانها وامتهان كرامتها وحكمها بالحديد والنار.

 

– منذ سنة 2005 وحتى وقت قريب تنافس الفريقان المتصارعان في حشد الناس في مظاهرات سمّوها “مليونية”، كما تنافسوا في اعتصامات عملاقة في وسط بيروت تمادى بها الزمان شهورا طويلة، وعطلت مصالح الناس وأسواقهم، وتخللها احتكاكات أمنية سقط ضحيتها قتلى وجرحى، وارتفع فيها السباب والشتائم من أكبر الشخصيات السياسية. أما حين دعا حزب التحرير إلى مظاهرة سلمية في ساعة من نهار، وفي يوم تعطيل رسمي -وهو المعروف بانضباط أنشطته وأعماله وسلميتها- ثارت في وجهه عاصفة من الإنذارات بتهديد السلم الأهلي واحتمال اندلاع فتنة طائفية، وطارت دعاوى حرية الرأي والتعبير فجأة في الهواء، وتواطأ الفريقان المتصارعان علينا، ومُنع الناس بالإرهاب الرسمي والإعلامي وقوة السلاح من الوصول إلى المظاهرة! فأي دجل هذا الذي تلبس فيه سياسيو لبنان؟!

 

– ومع تحرك الحزب الأخير لنصرة أهل سوريا عادت أصوات العونيين وحلفائهم تنعق من جديد بالتحريض على الحزب لحظره تحت ذريعة أن أفكاره تخالف الدستور وميثاق العيش المشترك لأنه يعلن ولاءه للأمة الإسلامية، وهذا يتعارض مع الولاء للوطن، أي للكيان الذي أنشأته فرنسا. عجيب أمركم! ألا ترون أنكم تقتحمون الخطوط الحمراء أيها “الأذكياء”؟! هل رأيتم مسلماً متمسكاً بدينه -بمن فيهم بعض حلفائكم- يتنكر لولائه للإسلام، وقرآنه الذي يتلونه ليل نهار يقول: {إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}؟! ثم ألا يعلن حلفاؤكم ليل نهار ولاءهم للولي الفقيه وراء حدودكم اللبنانية؟! وهل مناداة حلفائكم الآخرين بالأمة العربية الواحدة أو بسوريا الكبرى أو دعوتكم إلى تقسيم لبنان إلى فدراليات طائفية… هل هذه كلها تتوافق مع الدستور اللبناني؟! ألا ترون أيها “العباقرة” أنكم غرقتم في النفاق والدجل السياسيين إلى آذانكم؟! فيا أيها الساسة الهجناء، إن دستوركم الذي تعبثون به وتتنافسون في تأويل نصوصه ولَيِّ أذرعه ليل نهار، ينص على حرية الرأي والكلمة وحرية الاعتقاد ولا يشترط في تكوين الجمعيات أياً من الشروط التي تخترعونها، فانسجموا مع ادعائكم باحترام الدستور. أما نحن فمنسجمون كلياً مع أنفسنا، إذ لا نتكلم إلا بما يرضي ربنا ونلتزم كتابه وتوجيهات نبيّه. ومن سوء حظكم أن التزامنا هذا ليس في دستوركم ما يدينه، وإن تناقضت مواده بعضها مع بعض وحِرتم في تفسيرها، وشتان بين كتاب أنزله الله تعالى وكتب أمْلتها أهواء البشر والطوائف.

 

لقد قلت يا سعادة النائب عون: إنه إن سقط النظام في سوريا فسيحصل للمسيحيين هناك ما حصل لهم في العراق! أي فطنة هذه جعلتك تساوي بين مختلفين؟! أليس ما جرى لنصارى العراق وسائر أهله -وأكثرهم من المسلمين- جرى تحت حراب الاحتلال الأمريكي الذي سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل؟! أليس النظام الإيراني الذي يؤازر معك النظام البعثي القمعي في سوريا هو الذي تواطأ مع المحتل وأوعز لأتباعه بمؤازرته وتباهى رئيسه السابق بأنه لولا تعاونه لما تمكن الأميركيون من احتلال العراق، حتى وصل حال ذلك البلد إلى ما وصل إليه؟! ألا يجدر بك أن تكون منسجماً مع نفسك؟! ثم ألا يحسن بك أن تعرف حدَّك فتقف عنده وتحتفظ ببعض اللياقة، وتكفَّ عن تصنيف المسلمين بين أبطال وخونة، وبين مقاومين وإرهابيين؟! أي فطنة هذه التي تدفعك إلى معاداة السواد الأعظم من الناس الذين تعيش بينهم؟! وأي ذكاء هذا الذي يدفعك إلى المراهنة على أنظمة بائدة ستُجتث من فوق الأرض ما لها من قرار؟! وأي وفاء هذا الذي يدفعك إلى إعلان الحرب على أمة حفظت دماءكم ورعت شؤونكم ودافعت عن وجودكم مئات السنين؟! أهكذا يفكر العقلاء يا سعادة النائب؟! أليس هذا النظام الذي تحتمي به وتنافح عنه وتعادينا من أجله هو النظام الذي شن عليك حرباً دموية وقصف قصرك بالطيران وشردك سنين طوالاً خارج أرضك وأهلك؟! أليس هو الذي لاحق أتباعك واعتقلهم وسجنهم وعذبهم طيلة تلك الأيام؟! وهل تراه يعامل شعبه الآن بأرحم مما عاملك به؟!

 

وبالمقابل ماذا رأيت منا غير الكلمة الفكرية والسياسية والخطاب العقلاني حتى تقول يا سعادة النائب عون إن حزب التحرير هدد المسيحيين في وجودهم في مظاهرته الشهر الماضي؟! لماذا الافتراء ونحن الذين طالما كررنا أن النصارى الذين يعيشون معنا بسلام ووئام هم جزء من مجتمعنا ودولتنا التي نسعى لإقامتها، لهم ما لنا من الإنصاف وعليهم ما علينا من الانتصاف؟! في السنة الماضية قالت كنيستك في مؤتمر “السينودس” إن نسبة النصارى تراجعت في القرن الأخير في الشرق الأوسط من نسبة عشرين في المائة إلى خمسة في المائة. فمن الذي حفظ العشرين في المائة قروناً من الزمان؟! أليست الدولة الإسلامية؟! وفي عهد من تدنت نسبتهم إلى الخمسة في المائة في القرن الأخير؟ أليس عهد الأنظمة العلمانية المتطرفة التي تدافع عنها وتدعو لها بطول العمر والبقاء ولو على حساب كرامات الناس من جيرانك وأصهارك الذين عاش أجدادك معهم بسلام ووئام. وحتى حين مال بعض الولاة إلى الجور عليكم كما جاروا علينا، أليس أمثال الإمام الأوزاعي الذي لا زلتم تحفظون صنيعه حتى يومكم هذا هم الذين ردعوهم ونافحوا عنكم؟! ألا ترون أيها الأذكياء أننا السلالة الحضارية والثقافية والتشريعية لأمثال هذا الإمام العظيم وأقرانه من الفقهاء؟!

 

– لقد طلع علينا البعض بمعزوفة جديدة مفادها أن ما يجري في سوريا شأن داخلي، وطارت فجأة في الهواء شعاراتُ الأمة العربية الواحدة والشعب الواحد في دولتين والتضامن العربي… والعجيب أن هذا الكلام جاء مباشرة بعد مهرجان ضخم لدعم الثورات في المنطقة العربية، ولا زالت فضائياتهم مستمرةً حتى اللحظة في دعم انتقائي لهذه الثورات. وحين وصل الأمر إلى سوريا صارت أحداثها شأنا داخلياً؟ ثم كيف تكون نصرة شعب مظلوم بالكلمة والتظاهر السلمي تدخلاً في الشؤون الداخلية، ولا يكون دعم النظام القمعي واتهام ثورة شعب بالعمالة وإهانة إرادته تدخلاً فيها؟! ألم تتورطوا أيها السادة بما تنعتون به الغرب من الكيل بمكيالين؟! بلى قد فعلتموها والله!

 

فيا من تعلنون ولاءكم للأمة وقضاياها ليل نهار: إن ما يجري في سوريا كما في أي قطر إسلامي آخر ليس شأناً داخلياً، بل هو شأن المسلمين جميعاً، لأن المسلمين أمة واحدة، فقد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنهم أمة من دون الناس»، وقال: «المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم». وفي هذا السياق، كثر الحديث على تسليم أشخاص لاجئين من سوريا إلى لبنان، أو احتجاز بعضهم بذرائع واهية مثل دخول الخلسة وما شابه ذلك. وسواء أحصلت هذه الممارسات من قبل أجهزة رسمية أم من خلال ممارسات غير رسمية، فإن هذه الأعمال تعد اعتداء وجرماً كبيراً بحق أي إنسان هارب من خطر القتل والتعذيب. ومن حقنا أن نسأل عن ملابسات تسليم الجنود الثلاثة: هل مَثلَ هؤلاء الجنود أمام جهة قضائية مختصة لتعرف منهم شخصياً طبيعة دخولهم إلى لبنان، وما إذا كانوا يخشون العودة ويرغبون في البقاء داخل الأراضي اللبنانية؟ أم اتخذ القرار نيابة عنهم دون استشارتهم وأخذ رأيهم؟!

 

– لقد وجه البعض إساءةً إلى أهل سوريا من الصعب أن يغفروها له في يوم من الأيام، إذ على الرغم مما يراه القاصي والداني من المجازر والتنكيل والاعتقالات التي طالت الآلاف منهم، يقرر نيابة عنهم أنهم ملتفون حول نظامهم، بل يدعوهم إلى الحفاظ عليه والالتفاف حوله!

 

عجيب أمركم والله! لماذا كانت ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين شريفة، ولا تفريق فيها بين آل بن علي وآل القذافي وآل مبارك وآل صالح وآل خليفة… ثم حين أتى الدور على أهل سوريا لينعتقوا من الاستعباد بات هناك فرقٌ بين هؤلاء وبين آل الأسد؟! ولماذا أصبح أهل سوريا في نظركم لا يستحقون الحياة والتخلص من الاستعباد؟ هل هم دون مستوى سائر إخوانهم الذين ثاروا من قبلهم؟! ثم أمعنتم في اتهامهم بأن العمالة والولاء للغرب هو الذي يحركهم، فلماذا لم تقولوا هذا الكلام في الثورات التي سبقت؟! أليست هذه إهانةً لا تغتفر لأهل سوريا؟! هل رأيتم أهل سوريا رفعوا رايات الدول الكبرى كما فعل بعض المنحرفين أو الجهال في أماكن أخرى؟! هل رأيتموهم يهتفون بحياة زعيم أوروبي أو أمريكي؟! أهكذا بكل سهولة تستفزون شعباً بكامله، بل أمة ينتمي إليها هذا الشعب، من أجل حلفكم مع نظام فاسد بائد عما قريب؟!

 

– يتهمون المنتفضين بأنهم طائفيون وبأنهم يرددون هتافات طائفية قالوا إنها سُمعت في بعض المظاهرات، وأن الثورة بالتالي تهدد سوريا بالتقسيم الطائفي. نحن سمعنا هتافات كثيرة وقرأنا يافطات أكثر في المظاهرات تدعو إلى التحام أهل سوريا بجميع أطيافهم في وجه إجرام النظام وتحذر من الفتنة الطائفية، ولم نسمع بالهتافات الطائفية إلا من خلال الفضائيات التي أصيبت بمرض الإدمان على التحالف مع النظام السوري. فمن الذي يروج للطائفية إذن؟! أليست الفضائيات التي تركز على الظواهر الشاذة وتكررها وتروج لها وتغض الطرف عن الحقيقة الأوسع، وهي علو همة أهل سوريا وبسالتهم ووعيهم؟! وهل يجب أن يخضع أكثر من عشرين مليون إنسان لأسرة حاكمة تريد أن تضع طائفة في مواجهة سائر الناس لحماية عرشها، حتى لا يتهموا بالطائفية؟! أليس جديراً بمن تورط في شبهة تحالف الأقليات أن يسكت ويكفَّ عن استفزاز مشاعر أهل الشام وسائر الأمة حتى لا يساهم في دفع الأمور باتجاه الفتنة الطائفية؟!

 

إن التحذير من تقسيم سوريا، وكذلك من خطر التدخل الدولي، يجب أن يوجَّه إلى النظام السوري، فهو الذي سيكون مسؤولاً وحده عن ذلك إن حصل لا سمح الله، برفضه إعادة الحكم إلى أهله، وهم عموم أهل سوريا. إذ لم يطوّب أحد ولا شرع ولا قانون ولا عرف ولا منطق أرضَ سوريا لأسرة من الأسر تتعامل مع البلاد والعباد وكأنها مزرعة للحاكم وحاشيته وأقاربه. فالسلطان للأمة لا لأحد من الناس ولا لأسرة من الأسر ولا لحزب من الأحزاب.

 

ومع ذلك فنحن من جهتنا نتوجه إلى أهل سوريا بالنصيحة بأنه قد تعمد بعض القوى الدولية والإقليمية، وكذلك النظام الحاكم حين يوقن بالهزيمة، إلى العمل على تقسيم سوريا إلى دويلات ذات طابع طائفي أو قومي عِرقيّ. وهذا من أعظم الأخطار التي يمكن أن تحدق بالثورة المباركة في سوريا. لذلك نهيب بكم أن تنبذوا كل العصبيات العرقية والقومية والطائفية والقبلية، وتذكروا دائماً أن المؤمنين أبناء أمة واحدة ألّف الله تعالى بينها برابط الإيمان، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} ، وتذكروا أيضاً أن غير المسلمين في سوريا هم جزء من الحياة العامة التي نظمها الإسلام وأحسن بناءها، وأن الإسلام أوجب على المسلمين العدل والإنصاف والبر مع كل الناس. قال تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، فالحذر الحذر من الوقوع في حبائل الطائفية التي تؤدي إلى سفك الدم لمجرد الاختلاف في الدين أو المذهب.

 

كما عليكم أن تحذروا الانجرافَ إلى المطالبة بالتدخل الأجنبي أو الدولي، فهذا محذور حرمه الله تعالى عليكم كلَّ التحريم إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} وقال سبحانه: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}.

 

– يسوّغون مؤازرتهم النظام القمعيَّ ضد أهل سوريا بدعوى أن هذا النظام هو نظام ممانعة ومقاومة وأن سقوط النظام سيؤدي إلى النيل من المقاومة، وكأنهم يقولون لأكثر من عشرين مليون إنسان: إن ضريبة استمرار المقاومة أن تداس كرامتكم بالتراب وأن تعيشوا عبيداً عند أسرة مالكة! فهل هذه أحدث فلسفة للمقاومة: أعطونا شعباً ذليلاً مستعبداً نعطِكم مقاومة ناجحة؟!

 

أيها المقاومون الشرفاء: حيث يتحكم نظام “الممانعة”، بل المخادعة، بسلاح المقاومة تُجهض المقاومة وتُحوَّل إلى ورقة مساومة، وتصبح المقاومة موسمية، فها قد مضى عليها خمس سنوات لم تتمكن من إطلاق رصاصة على العدو لأن نظام الممانعة خذلها وأجهض انتصارها. ونظرة خاطفة إلى أفغانستان، حيث لا نظام ممانعة يتحكم بالبندقية، ترينا كيف تتزلزل الأرض تحت أقدام الغزاة يومياً، لا موسمياً، ويحار المحتلون كيف يرتبون انسحابهم في أقرب وقت ممكن.

 

وفي كل الأحوال، فإن أكذوبة الممانعة لم تعد تنطلي على أحد من العقلاء. فلطالما صرح رأس هذا النظام بأن خياره الإستراتيجي هو السلام مع (إسرائيل)، وأن المقاومة هي رد على التعنت الإسرائيلي في عملية المفاوضات، فهل هناك أفصح من هذا الكلام في اتخاذ المقاومة ورقةَ ضغطٍ في مفاوضات الصلح مع يهود؟! ثم ها هو أحد أركان النظام قد قطع قول كل خطيب، إذ صرح بأن أمن إسرائيل هو من أمن نظامهم، فكفى مكابرة، إذ لم تعد هذه الدعاوى تنطلي على أحد من أولي النُّهى.

 

فيا حلفاء النظام السوري في لبنان: ليس من الشرف ولا العقل ولا السياسة في شيء أن تعلنوا العداء لشعب يسعى إلى الانعتاق من الذل وحكم الطغيان، بل لأمة قررت أن تحيا من جديد، دفاعاً عن نظام لا شرعية له، استعبد شعبه وسامه سوء العذاب. وإن كنتم تبحثون عن ركن تأوون إليه، فأمتكم خير ركن أويتم إليه، وهي الأوفق والأخلص لكم. أما التمسك بوهم “تحالف الأقليات” فهو الضلال السياسي بعينه. فعودوا إلى رشدكم وصوابكم وصالحوا أمتكم بدل الرهان على نظام بائد مهما طال عمره. ولكم في الأنظمة التي يتوالى انهيارها عبرة لمن يعتبر.

 

– والكلمة الأخيرة نتوجه بها إلى الأبطال المنتفضين في سوريا:

 

تحاول التيارات العلمانية، بدعم من القوى الغربية، ركوب الثورات في المنطقة واستغلال نقمة الناس على الأنظمة الدكتاتورية لتسوق الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية. وفي هذا ما فيه من الوقوع في حبائل الدول الاستعمارية وعملائها في الداخل. لذلك فإننا نهيب بكم أن تنتفضوا على علمانية النظام، تماماً كما انتفضتم على طغيانه وجوره. فبلادكم عقر دار الإسلام، وعاصمتكم هي عاصمة الخلافة لحوالي قرن من الزمان، وهي معقل السلطان الصالح نور الدين محمود ومحرر بيت المقدس الناصر صلاح الدين الأيوبي. فلا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، بل استبدلوا بالنظام الفاسد نظاماً إسلامياً راشداً يرعى شؤون الناس بالشرع الإسلامي دونما تمييز في الرعاية بين مسلم وغير مسلم أو بين عربي وكردي أو بين مذهب ومذهب. وفاجئوا العالم بإقامة نموذج سياسي مختلف كل الاختلاف عن المسوخ السياسية القائمة في العالم الإسلامي، فيمكن لشامنا أن تكون مرتكزاً لدولة عظيمة تحيي حضارة الإسلام وتشكل نواة لجمع شمل الأمة تحت راية خليفة واحد، نقاتل من ورائه ونتقي به الأعداء ونقطع معه دابر كيان يهود والنفوذ الغربي من ورائه.

 

وتذكروا دائماً أنكم أنتم من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم:

 

«صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده»“،

 

«عُقْرُ دَارِ الإِسْلامِ بِالشَّامِ»،

 

«اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى شَامِنَا»،

 

«إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة»“،

 

«يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ».