القرآن الكريم – الدعاء سورة الفاتحة
اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن الكريم، وكل القرآن عظيم، فهو من عظيم- سبحانه وتعالى-، ولها أسماء عدة أوصلها الإمام القرطبي إلى اثني عشر اسماً، منها الوافية والشافية والكافية والسبع المثاني وأم القرآن، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى وعلو منزلته.
وقد جعلها الله تعالى صلاة، فقد روى الإمام مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه عن ربه عز وجل: “قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدّني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجّدني عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل”.
والدعاء المتضَمَّن في سورة الفاتحة يقوله المؤمنون الحامدون لله على نعمه، الممجدون له، المثنون عليه، العابدون له وحده، المستعينون به في كل أمورهم، يقولونه في الصلوات الخمس وصلوات النافلة، وفي غيرها، كما يقرأون السورة وما فيها من دعاء تبركاً واستشفاءً.
ونَصّ الدعاء طلبُ الهداية من الله تعالى، والهدى والهداية البيان والإرشاد، فقد أمر الله تعالى عبادَه أن يتوجّهوا إليه وحده بالدعاء، وعلّمَهم أدعية خاصة يتوجهون بها إليه، ذلك أن الدعاء جزء من العبادة، أو هو العبادة بحسب ما ورد في النصوص الصحيحة، وهنا يعلّمُنا اللهُ سبحانه أن ندعوَه بهذا الدعاء، الذي نطلب فيه منه الهداية، أي أن يبيّنَ لنا ويرشدنا إلى الصراط المستقيم، وهو المنهج الواضح البيّن الذي لا عوجَ فيه، وهو الإسلام، يقول تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) (المائدة، 3)، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بين أصحابه، وخطّ على الأرض خطوطاً كثيرة متعرجة ومائلة، ثم خطّ في وسطها خطاً مستقيماً، وتلا قول الله تعالى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام، 153)، فهذا هو صراط الله المستقيم، الذي أمرنا باتباعه، وأمرنا أن ندعوَ الله تعالى أن يهدينا إليه، ويوفقنا في اتباعه، وعدم اتباع غيره من السبل، حتى لا تتشعّبَ ولا تتفرّق بنا تلك السبلُ الضالة عن سبيله الحق.
وهذا الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعمَ الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم، وممن حملنا مع نوح، ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل، وممن هدينا واجتبينا، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجّداً وبكيا.
وليس صراطَ المغضوب عليهم، وهم اليهود كما قال المفسرون، إذ فسّروا القرآن بالقرآن، فهم الذين قال الله عز وجل فيهم: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) (المائدة، 60).
وليس صراط الضالّين، الذين هم النصارى، الذين ضلوا وأضلوا، فقال الله تعالى فيهم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) (المائدة، 77).
فاللهم اهدنا صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.