الجولة الإخبارية 14-6-2011
العناوين:
-
الشعب في مصر يعلن أنه يريد إسقاط سياستيْ الإقراض وتلقي المساعدات الأجنبية
-
فرنسا تحلم بعودة استعمارها لسوريا بشكل آخر وأمريكا لم تعلن بعد تخليها عن عميلها بشار أسد وكيان يهود يعلن أنه عمل على إسناد النظام السوري
-
أكبر دولة رأسمالية ديقراطية عاجزة عن حل تهريب الأموال إلى الخارج وعن معالجة الفقر الذي يشمل نصف سكانها
التفاصيل:
أعلن صندوق النقد الدولي في 5/6/2011 أنه عقد مع السلطات في مصر اتفاقا مدته 12 شهرا لإقراضها 3 مليارات دولار. وذكر الصندوق في بيانه بهذا الخصوص “أن البرنامج الاقتصادي للسلطات المصرية خطوة أولى نحو إرساء نمو اقتصادي يعتمد بصورة أكبر على قيادة القطاع الخاص”. وقد غادر وفد الصندوق مصر في ذلك التاريخ بعد أن أمضى أسبوعين من التفاوض بشأن هذا القرض. وادعى الصندوق في بيانه بأن “السياسات النقدية والمالية تستهدف دعم استقرار الاقتصاد الكلي بمصر عن طريق زيادة احتياطي النقد الأجنبي لتفادي الصدمات المفاجئة”. أي أن الصندوق لا يريد خيرا لمصر وإنما يريد شرا لها بزيادة مديونيتها، وذلك بإعطائها أموالا على شكل قروض ليست هي بحاجة إليها، ولكن ليكون لديها احتياطي نقدي من الدولار حتى تواجه الصدمات المفاجئة على حد ادعاء الصندوق، وحتى تقرض هذه الأموال للقطاع الخاص أي لأفراد وشركات خاصة محسوبة على النظام الجديد.
ومن جانب آخر أعلن أهل مصر على لسان العديد من شبابهم وفعالياتهم رفضهم لذلك وشنوا هجوما على وزير المالية سمير رضوان لاتجاهه نحو الاقتراض من جهات أجنبية مطالبين بوقف هذا التوجه الذي يربط مصر بالقوى الأجنبية ولا يوجِد استقراراً في الاقتصاد كما هي عليه الحال في مصر، وهي تقترض من هذا الصندوق ومن غيره منذ عشرات السنين ولم يزدها ذلك إلا فقرا وارتباطا بالقوى الاستعمارية. وذكر بعضهم “أن ذلك يتنافى مع مبادئ الثورة المصرية المجيدة والعهد الجديد الذي بدأته مصر بكرامة وعزة”. وقال قسم من هؤلاء الشباب الساعين للتغيير وللتحرير: “الشعب المصري العظيم الذي قام بأعظم ثورة في تاريخه على استعداد تام بأن يجوع ولا يبدأ تاريخا جديدا بقروض تثقل كاهله كما كان يفعل النظام السابق”. وأضافوا: “على الحكومة المصرية وقف هذه المهزلة فورا والبحث عن حلول ذاتية للتمويل، وليعلم الجميع أن الثوار لا يمدون أيديهم”. واستغربوا هذه الخطوة من الحكومة وهذا التوجه الذي لا يختلف عن سياسيات النظام السابق؛ مما يدل على أن أهل مصر زاد لديهم الوعي على ألاعيب القوى الأجنبية، وبدأوا يدركون أنه لم يحصل تغيير حقيقي في البلد، والقائمون على الحكم الحالي ليسوا إلا امتداداً للعهد السابق بسياسيه وسياساتهم وبعقلياتهم وتوجهاتهم وارتباطاتهم، وكل يوم يمر يدرك أهل مصر ذلك حتى يكتشفوا أن أمريكا قد سرقت منهم الثورة، ما لم يتلافوا ذلك بإعلانهم عن إزالة النظام الرأسمالي الديمقراطي الذي لم يسقطوه بعد، وإنما أسقطوا وجوهاً واستبدلت بها وجوهٌ مشابهة من حيث لا يشعرون، وأن يعلنوا إقامة نظام الإسلام الذي يتمثل بدولة الخلافة الراشدة.
وبالفعل فإنه يبدو أن السلطات المصرية الحالية هي امتداد لسياسة النظام السابق وأسيرة العقلية السابقة وصاحبة التوجه السابق؛ حيث إنها أعلنت أنها بحاجة للتمويل الدولي بما قيمته 10 إلى 12 مليار دولار حتى شهر يونيو/حزيران 2012. وهذا يتناغم مع ما أعلنته الدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا وبجانبها أوروبا في اجتماع قمة الثماني الذي عقد في الشهر الماضي في دوفيل بفرنسا وبحث الثورات والانتفاضات العربية وكيفية احتوائها ومنْعِ انعتاق وتحرر الشعوب الإسلامية في البلاد العربية من قبضة هذ الدول الاستعمارية، فمما أقرّته الدول الاستعمارية في قمتها تلك؛ اعتماد سياسة الإقراض والمساعدات لمصر وتونس بأرقام تصل إلى مبلغ 40 مليار دولار حتى تبقى تحت ربقة الاستعمار.
وقال وزير المالية المصري سمير رضوان في رده على هجوم شباب وأهل مصر الساعين للتغيير وللتحرير: “إن من يهاجمون تلك السياسات لا يطرحون رؤية بديلة لحل المشاكل المالية التي تمر بها البلاد حاليا، ونحن على استعداد للتفاوض والنقاش في طرح رؤية بديلة”. والجدير بالذكر أن شباب التحرير في حزب التحرير طرحوا الرؤية البديلة لحل المشكلة المالية والاقتصادية وغيرها من المشاكل التي تعاني منها مصر، وهم بصورة دائمة يطرحون الرؤية البديلة الصحيحة كلما حدثت مشكلة اقتصادية أو مالية. وهذه الرؤية تنص أولا على تغيير النظام في مصر من أساسه واستبدال نظام الإسلام به حتى يمكن تطبيق حلول الإسلام المالية والاقتصادية، فعلى ضوء ذلك يجب تحديد الملكيات بحيث تحدد الملكية العامة وملكية الدولة وما يدخل تحت إطاريهما حتى لا يتعدى عليها الأفراد، أو حتى لا تُدخل في ملكيتهم. فسياسة صندوق النقد الدولي في هذا الإقراض كما أعلن في بيانه هي “إرساء نمو اقتصادي يعتمد بصورة أكبر على قيادة القطاع الخاص”. ومعنى ذلك أن يكون كل ما هو داخل في الملكية العامة وملكية الدولة يملكه الأفراد، أي معناه الخصخصة التي يشن الأمريكيون حملة لتطبيقها في العالم منذ ثمانينات القرن الماضي على عهد رئيسهم السابق ريغان، وعمل النظام المصري برئاسة الساقط حسني مبارك على تطبيقها؛ فأدت إلى زيادة الخراب والفقر في البلاد إلى أن انحسر المال في أيدٍ معينة كعائلة مبارك الساقطة وكنجيب ساويرس وعائلته وغيرهم الذين لم يسقطوا بعد من سُرّاق ملكية الدولة والملكية العامة تحت مسمى الخصخصة؛ فأصبحوا أصحاب مليارات من جراء هذه السياسة، وزادت نسبة الفقر في مصر إلى أن وصلت إلى 70%، ونسبة المعدومين إلى 5% كما أعلن في الشهر الماضي من قبل قيادة المجلس العسكري التي تقود مصر. فما يدخل في الملكية العامة وملكية الدولة لا يجوز أن يُعطى للأفراد ولشركاتهم أو لما يسمى بالقطاع الخاص، بل يجب أن تشرف الدولة عليه مباشرة وتشغل الأفراد وتعطيهم أجورا بمقدار ما قدموا من منفعة، وكذلك الشركات الخاصة فتعطيها الدولة أجورا على جهد مهندسيها وخبرائها وعلى تشغيل ماكناتهم بمقدار المنفعة التي يقدمونها، ولكن ريع هذه الأملاك يجب أن يكون للأمة تصرفه الدولة في مشاريع ترفع من مستوى البلد إلى أرقى درجة، فتبدأ بالعمل على إشباع الحاجات الأساسية ومن ثم الضرورية لكل فرد بعينه من مطعم وملبس ومسكن وتطبيب وتعليم وتوفير الأمن لهم وتمكينهم من الزواج وإعالة أولادهم، بجانب منحهم الفرص المتساوية لتملّك الكماليات بمجهودهم وحسب رغباتهم. فشركة الغاز المصرية مثلا يجب أن تكون تحت إشراف الدولة وفي ملكيتها كاملة، ودور الدولة هو تشغيل الأفراد والخبراء والمهندسين واستئجار الماكينات من الشركات الخاصة إذا لم تشتريها الدولة لاستخراج الغاز ومد شبكة الأنابيب وغير ذلك مقابل أجر، والدولة تبيع الغاز في الأسواق الخارجية بالأسعار العالمية، وأما في السوق الداخلية فلا تبيعه لرعاياها لأنه حقهم في الملكية العامة بل توصله إلى بيوتهم عبر الأنابيب، ولكن يجوز للدولة إن كانت بحاجة إلى الأموال أن تأخذ أجرة على مدّ هذه الأنابيب وصيانتها وليس ثمن الغاز. هذا مثال واحد على البدائل والحلول الإسلامية. ومن المعلوم أن حزب التحرير لديه الرؤية الواضحة لحل كل مشكلة بشكل عملي وواضح ومحدد، ولا يطرح شعارات عامة لا يفهم منها العامة ولا الخاصة شيئا كشعار “الإسلام هو الحل” على عموميته، بل يطرح المعالجات الإسلامية العملية المحددة الواضحة.
——–
أعلن وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه في 7/6/2011 خلال لقائه مع نظيرته الأمريكية كلينتون في واشنطن عن أن “الرئيس السوري بشار أسد فقد شرعية الحكم”، وأن بلاده “فرنسا مستعدة للتصويت على قرار يدين النظام السوري في مجلس الأمن رغم تهديد روسيا باستعمال حق النقض وأن لدينا 11 صوتا وسنرى ما سيفعله الروس”. بينما ذكرت كلينتون أن أمريكا تدرس اتخاذ قرار مع فرنسا وبريطانيا بشأن سوريا. وهي -أي أمريكا- ما زالت مترددة في اتخاذ قرار يدعو الأسد للتنحي، ولم تعلن كلينتون أن بشار أسد فقد شرعيته. مما يدل على أنها ما زالت تراهن على إمكانية بشار أسد أن يقمع الشعب ويثبت نظامه، كما فعل والده حافظ أسد سيء الذكر بعد قمعه للشعب عام 1982 وبقيت أمريكا تحمي هذا النظام بأشكال مختلفة. وهي -أي أمريكا- تركز حاليا على تنحي القذافي، وقد طالبته بالتنحي والرحيل من أول يوم وشنت عليه حربا، ولكنها بالمقابل لم تفعل مع بشار أسد ونظامه رغم أن إجرامه لم يقلّ عن إجرام القذافي بل يزيد، مما يدل على أن هذا النظام مرتبط بأمريكا ويخدم مصالحها، ولكن تبقى تسير مع وتيرة الأحداث وتطوّرها إلى أن تفقد الأمل في حماية هذا النظام وترى عدم قدرته على الثبات على جماجم أهل سوريا، عندئذ تؤيد أمريكا تغيير النظام وتبحث عن عملاء لتدسّهم على الشعب كما فعلت في مصر. وهي أيضا تركز على تنحي الرئيس اليمني علي صالح؛ فبعدما أصيب ونقل إلى السعودية للمعالجة كثفت أمريكا اتصالاتها في اليمن واتصلت مع نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي حتى تنهي فترة علي صالح وتبدأ الفترة الانتقالية حتى تحتوي الانتفاضة اليمنية بدسّ عملائها ليتبوؤا المناصب. وفرنسا التي استعمرت سوريا لسنين طويلة ومزقتها وبطشت بالناس كما يبطش النظام الحالي لا تتحرك حبا في أهل سوريا، وإنما حبا في العودة للاستعمار هناك من جديد بأسلوب جديد، وتشاركها بريطانيا التي تقاسمت استعمار بلاد الشام وغيرها من بلاد المسلمين معها. فأمريكا تحاول أن تحمي نفوذها في سوريا، وإذا أوشك عملاؤها فيها من آل أسد وحزب البعث، فإنها ستعمل على أن تأتي بغيرهم إن استطاعت، ولكنها لا تعمل لمصلحة أهل سوريا قطعا.
وعودة إلى الوضع في سوريا فإن النظام يستعد لشن حملة في مدينة جسر الشغور حيث بدأ يطوق هذه المدينة ويعمل على عزلها عن العالم كما فعل في درعا وقراها وفي الرستن عندما قام بدباباته وفرقه الأمنية بشن حملة قمع وقتل واعتقال وتدمير حتى شملت أطفالا وصبية قام جلاوزة النظام بتعذيبهم حتى الموت. وقد ادعى النظام مقتل 120 من رجال الجيش والأمن في جسر الشغور، والناس يشككون في ذلك ويعتبرونها تمهيدا لقيام النظام بأعماله الوحشية وكأنها قوة احتلال مغولي تدخل وتقتل وتدمر، وقد فر المئات من أهالي هذه المدينة ووصلوا إلى تركيا؛ وذلك هربا من أعمال القمع الوحشية التي تقوم بها التنظيمات المسلحة التابعة للفرق الأمنية لنظام عائلة الأسد وحزب البعث.
وقد نظّم نظام الطاغية بالشام تظاهرة في دمشق أظهر فيها صورة كبيرة لبشار أسد وُضعت على الأرض وأشخاصا من اتباع النظام ساجدين له يقبّلون صورته في عملية تحدٍّ واستفزاز للشعب. وقد لوحظ أن النظام بدأ بإزالة تماثيل ونُصُب الطاغية الهالك حافظ أسد من المدن التي يمكن أن تندلع بها الانتفاضة؛ لأن النظام لاحظ أن الناس يستهدفونها ويحطمونها تعبيرا منهم عن رفضهم لنظام عائلة الأسد وحزب البعث وتيمّناً بإسقاط النظام كما تسقط هذه الأصنام.
ومن جانب آخر متصل بالوضع في سوريا فقد نشرت الشرق الأوسط في 8/6/2011 ما كشفه المحامي اللبناني طارق شندب عن “أن هناك أكثر من 7 أشخاص سوريين من بين النازحين ما زالوا قيد التوقيف لدى القضاء اللبناني وهم يحاكمون أمام أكثر من محكمة بجرم دخول لبنان خلسة وعدم حيازة أوراق ثبوتية، وأن كل المحاولات فشلت في إطلاق سراحهم، وأن مفوضية الأمم المتحدة كلفت عددا من المحامين للدفاع عنهم، وستصدر الأحكام بحق بعضهم في القريب”. وذلك في خطوة تشير إلى تواطؤ النظام اللبناني مع النظام السوري وتأييده ضمنيا في جرائمه عندما يقوم بالتضييق على الفارّين من ظلم طاغية الشام وعدوانه عليهم بل تسليمه للبعض منهم للطاغية. وهذا يتنافى مع القيم الإنسانية والأخلاقية التي لا يعرفها النظامان في البلد الواحد ذي الشعب الواحد المقسّم إلى دولتين أُطلق عليهما سوريا ولبنان.
وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط أيضا في 8/6/2011 أن نائب وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية “أيوب قرة” قام في الشهرين الماضيين، في مساعٍ لمصالحة المعارضة السورية ونظام الأسد، بالتقاء عدد من المسؤولين من الطرفين في تركيا الشهر الماضي، وقال أيوب قرة لهذه الصحيفة إن :”هذه اللقاءات تتم بمعرفة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكل من يجب أن يعرف عنها في إسرائيل”. ولكن ما أغضب يهود هو سماح النظام السوري للمتظاهرين في ذكرى النكبة أن يصلوا الحدود التي أمّنها لهم هذا النظام في الجولان وقتل اليهود منهم 25 شخصا. مما دعا نتانياهو لأن يعلن أمام كتلته البرلمانية لحزب الليكود بأن “الأسد فقد شرعيته كونه يرتكب مذابح ضد شعبه وأن إسرائيل لن تسمح له بتصدير أزمته إلى حدودها”. فنائب وزير التعاون الإقليمي في حكومة العدو يقر بأن هذا العدو سعى للحفاظ على نظام طاغية الشام الذي يتمثل بعائلة الأسد وحزب البعث عندما سعى للمصالحة بين هذا النظام والمعارضة التي لم يعلن عن ماهيتها ومن يمثلون في محاولة لإخماد انتفاضة الشعب. وهذا إثبات أن هذا النظام ليس نظام ممانعة ولا مقاومة بل هو حامي حمى يهود، ولقد أغضبهم هذا النظام لأول مرة بسبب سماحه للناس أن يصلوا إلى نقاط قريبة من المناطق التي يحتلونها في الجولان.
——–
تتناقل وسائل الأنباء في هذه الأيام أخبار الجدل المحتدم في الهند حول تهريب الأموال من الهند إلى المصارف التي تقودها بريطانيا؛ حيث بلغ مجموع هذه الأموال حوالي 1500 مليار دولار، وذلك بصورة غير قانونية. وقد انتقدت المحكمة العليا في الهند الحكومة الهندية بسبب ترددها في الكشف عن أسماء الشخصيات الهندية التي تقوم بتهريب الأموال إلى مصارف أوروبية واصفةً إياها بأنها سرقة للأمة؛ بسبب أن هذه الشخصيات نافذة في الدولة الهندية من سياسيين إلى موظفين في الدولة إلى رجال أعمال، وأن الحكومة الهندية تفتقر إلى الإرادة السياسية بالتحرك ضد هؤلاء. وقد أعلن “سويس بنك” أن الهند تمتلك أموالا سوداء مهربة إلى الخارج أكثر من باقي دول العالم مجتمعة، وتقدر بما يقرب من 1500 مليار (1,5 ترليون) دولار، وأن أكثر المودعين في مصارف “سويس بنك” هم من الهنود. ويبلغ حجم هذه الأموال 40% من الناتج الإجمالي المحلي للهند، و13 مرة ضعف دينها الخارجي. والجدير بالذكر أن أكثر من 450 مليون من سكان الهند يعيشون تحت خط الفقر، أي يحصلون على أقل من 1,25 دولار يوميا حسب مقياس خط الفقر كما حدده البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وقد ذكر صاحب موقع ويكيليكس في مقابلة مع تلفزيون هندي إن لديه وثائق تشير إلى أن كثيرا من الأموال التي تهربها شخصيات هندية إلى الخارج يُخفى معظمها في مصارف تقودها بريطانيا في أنحاء العالم وخاصة في الجزر البريطانية المنتشرة في العالم مثل جزيرة موريشيوس وجزر فرجين وجزيرة آيل أوف مان وجزيرة جيرزي. وتقر منظمة الشفافية الدولية ومنظمة النزاهة المالية العالمية في تقاريرها التي تنشرها عن الهند بوجود هذا الواقع الفاسد فيها بتصنيفها بين الدول التي يسودها الفساد. ومعالجة الهند لهذا الموضوع جاءت على شكل عفو عمن يكشف أمواله اختياريا والذي أعلن عنه عام 1997 ولكن لم تتمكن من جمع شيء من هذه الأموال سوى 2 مليار دولار فقط لا غير. ومنذ شهر نيسان/ أبريل الماضي وحتى اليوم يقوم بعض الناشطين بعمليات احتجاج، على موضوع الفساد وتهريب أموال أهل الهند إلى الخارج، ضد الحكومة في نيودلهي وغيرها من المدن، وتقوم الشرطة الهندية بتفريقهم بالقوة وهناك من يحتج بالإضراب عن الطعام.
فالهند يعتبرها الديمقراطيون أنها أكبر دولة رأسمالية ديمقراطية في العالم من حيث عدد السكان بسبب تطبيقها النظام الرأسمالي الديمقراطي في بلد يبلغ تعداده مليار نسمة تقريبا ويعيش فيها أكثر من 200 مليون مسلم. فالنظام الرأسمالي الديمقراطي ينص على حرية التملك ولكل فرد أن يتملك كيفما يشاء. فالذي يكون في السلطة أو قريباً منها يستطيع أن يتملك المليارات بل عشرات المليارات من الدولارات، وهؤلاء قلة قليلة، فينحصر المال في أيديهم. والأكثرية الباقية تنقسم بين أناس متوسطي الحال يستطيعون أن يدبروا رؤوسهم نوعا ما، وبين فقراء يعيشون تحت خط الفقر، وبين أناس معدومين لا يملكون يوميا 1,25 دولارا. فالنظام الاقتصادي الرأسمالي لا يؤمن بتفتيت الثروة وتوزيع الأموال بين الناس حتى لا يبقى فقير، ولا يمنع تكريس الأموال في يد زمرة من الأثرياء. ولذلك أصبحت الهند كدولة رأسمالية ديمقراطية تعاني من هذه المعضلة وأعضاء حكومتها الديمقراطية هم ومن حولهم من أقاربهم ومعارفهم والمحسوبين عليهم كلهم يرتعون في أكل هذه الأموال فيأكلونها بالباطل كما ينص النظام الرأسمالي الديمقراطي على ذلك، ولا يستطيع أحد أن يردعهم، حتى إن محكمتهم العليا عاجزة عن أن ترغم الحكومة على كشف أسماء هذه الشخصيات لأنها شخصيات نافذة ومتحكمة في الدولة كما هو الحال في كل بلد رأسمالي ديمقراطي أو شبه ديمقراطي ولكنه رأسمالي. لأن الدول الرأسمالية الديمقراطية الكبرى كأمريكا وفرنسا وبريطانيا بجانب الدول الرأسمالية الأخرى، في قممها “الثماني” وفي قمم “العشرين” أثناء تفجر الأزمة المالية، بحثت موضوع الأموال المهربة إلى ما سمي بالملاذات الآمنة كسويسرا وميامي ولوكسمبورغ وهونغ كونغ وغيرها من الجزر البريطانية والفرنسية والأمريكية المنتشرة حول العالم في المحيطات حيث تُخبأ بها الأموال الطائلة لكبار الرأسماليين والتي قدرت يومئذ بأكثر من 7 ترليون دولار. وقد ذكر “سويس بنك” أن الأموال المهربة من روسيا تبلغ 470 مليار دولار، ومن بريطانيا 390 مليارا، ومن أوكرانيا 100 مليار، ومن الصين 96 مليار دولار. وهناك أثرياء أمريكيون يهربون أموالا إلى تلك الملاذات، وقد طلبت أمريكا البحث عنهم في أوج الأزمة ولكن طُويت صفحتُهم وقُدِّم بعض الأشخاص قرابين للتغطية على الباقين، وهناك أوروبيون آخرون، وفي ألمانيا كشف عن بعضهم ولكن أكثرهم لم يكشف عنهم، وهناك الروس وعلى رأسهم بوتين رئيس الحكومة الروسية حيث تقدر أمواله المهربة إلى سويسرا بما يزيد عن 30 مليار دولار، وهو يملك أسهما كثيرة في شركة غاز بروم الروسية، وهناك العرب وعلى رأسهم الخليجيون ولا يكشف عنهم حتى تسقطهم شعوبهم حيث يبحث الآن عن ثروة مبارك وأولاده وزوجته وعن ثروة بن علي وأقاربه وثروة زوجته وأقاربها. وكذلك سرقات أركان النظام السوري الذي بدأ يهتز على وقع تكبيرات الحناجر المباركة في بلاد الشام التي تطالب بإسقاطه؛ حيث تُتداول أرقامٌ فلكية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات عن ثروة بشار أسد وأقاربه ومنهم أخواله آل مخلوف. ولكن تلك الدول الاستعمارية، وإن تطرقت إلى هذا الموضوع في قممها، ولكنها لم تعالجه بل طوت صفحة بحثه، لأن ذلك يمسّ متنفّذين في الحكومات والدول أو قريبين منهم ومن أصحاب القرار، كما هو في قضية الهند التي ما زالت تتفاعل. وعلاج الهند لهذه القضية كان على صورة إصدارها لقانون عفو عمن يكشف عن أمواله المهربة، وظهر عقم ذلك؛ حيث إنه لم يتم الكشف إلا عن 2 مليار دولار فقط لا غير كما أعلن. مما يدل على بطلان هذا العلاج وعلى بطلان وعقم المعالجات من قبل الرأسماليين لنظامهم الذي يترنح في كافة القضايا المالية والاقتصادية. سيما وأن النظام الرأسمالي هو نظام ديمقراطي يسمح بحرية التملك كما يسمح بالحريات الأساسية الأخرى التي تنص عليها الديمقراطية. والجدير بالذكر أن أصحاب رؤوس الأموال هم الذين يستطيعون أن يمسكوا بالسلطة، لأن من يملك المال يستطيع أن يرشح نفسه للانتخابات ويستطيع أن يموّل حملته الانتخابية حتى يحصل على مقعد في البرلمان، ومن ثم حقيبة في الحكومة، أو أنه يُدعم من قبل أصحاب رؤوس الأموال حتى يصل ويعمل على خدمتهم، وإلا لا يمكنه أن ينجح في الانتخابات الديمقراطية التي تتطلب ذلك. ولهذا السبب نرى في كل بلد رأسمالي ديمقراطي سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على القرار السياسي وعلى السلطة وعلى منافذها. ولذلك خرجت الصيحات في مصر أثناء الانتفاضة الأخيرة التي استهدفت إسقاط النظام ضد التزاوج بين السلطة وبين أصحاب الأموال. ولكن لا يمكن منع هذا التزاوج بوجود النظام الرأسمالي الديمقراطي إلا بإسقاطه وإحلال نظام الإسلام العادل مكانه عن طريق إقامة الخلافة الراشدة.