الكلمة التي ألقيت في مؤتمر حزب التحرير المنعقد في أمستردام-هولندا في 25/6/2011 تحت عنوان: الثورة في العالم الإسلامي – الخطوة الأولى إلى دولة الخلافة الراشدة الثورة في سوريا
اقترب عدد من قتلهم النظام السوري وأجهزة أمنه من 1500 قتيل – نحسبهم عند الله تعالى شهداء- ، ولا تزال الآلة القمعية تشتد حدّتها في مختلف المدن والقرى السورية. كما لا يزال التعتيم الإعلامي مفروضاً على البلاد، ولا يُسمح إلا لإعلام النظام بنشر الأكاذيب والتضليل الذي وصل حداً من الكذب والاستغباء للعقول بشكل مقيت وأكثر من ممجوج. في حين أن مشاهد “الفيديو” التي يتم تسريبها من داخل الشام الأبية تعطي وبوضوح صورة مؤلمة عمّا يجري من قتل وقمع وتسيير للآليات العسكرية وكأنّ النظام في حالة حرب مع عدوّ جبّار!! حتى إن النساء والأطفال لم يُستثنوا من القتل في الطرقات بدم بارد! ومع كلّ هذا فإن سوريا تُعامل من قبل كافة بلاد العالم وخاصة من الدول الكبرى وكأنها ليست من الكرة الأرضية. وبغض النظر عن الصراع الدولي المقيت عليها وهدفهم منه فإن الصمت الدولي المطبق يكشف عن الأهمية القصوى لبلادنا عموما ولبلاد الشام خصوصاً ولسوريا بشكل محدد، أهميتها عالميا وإقليميا. ولا أخفيكم سراً أننا حتى نحن أبناء تلك البلد والذين نشأنا وترعرعنا فيها بل وعانينا من الأنظمة السياسية التي مرت عليها، ظلما وعدوانا علينا وعلى أهلينا، بل إن واحدنا يأسى على جيل من الآباء والأجداد لم يروا في حياتهم إلا الظلم والفقر والعوز باسم اشتراكية طٌبقت قسراً عليهم، ثم “بجَرّة” قلم جرى التخلي عنها والقفز بلا أي تخطيط أو استعداد كعادة حكام البلاد الإسلامية إلى الرأسمالية، أقول لا أخفيكم سرا أننا حتى نحن لم نكن نتوقع هذا الظلم العالمي تجاه هذه البقعة من الأرض الإسلامية.
وبغض النظر عن كيف بدأت الثورة في سوريا، فإنها بدأت كي تنهي العهد الجبري الذي عانى المسلمون منه ما عانوا، يجب ان نعترف أن حزبنا العظيم قد أبدع بوصف الأحداث قبل أن تحدث، فعندما قال بأن البلاد التي تتعرض للظلم والقهر والاستبداد هي أكثر الأماكن المرشحة للتغيير كان ينظر للمستقبل ويصفه كأنه حاضر. لقد احتار الناس وخاصة حملة الدعوة بأمر سوريا لعهود طويلة.. وحيّرت بلاد الشام كل مفكر، إلا قيادة حزب التحرير التي مهما أجزلنا لها من طيب الكلام لا نوفيها حقها عبر نصف قرن من الزمن، تزامن نضال الحزب فيه مع مصائب بلاد الشام التي ابتليت بها وإني أرى -وهذه رؤيتي الشخصية- أرى تلاحما حيويا بين ماحدث ويحدث في بلاد الشام وبين مسيرة الحزب ومعاناته ونصره القادم بإذن الله. ولا ننسى الشباب الذين قضوا تحت آلة النظام رحمهم الله والشباب الذين مازالوا في أقبيته يتجرعون كأس الألم والعذاب، فرج الله أسرهم، فهؤلاء بحق هم الأبطال الذين زرعوا هذه البذرة الطيبة فأنبتت في بلاد الشام مانراه ونسمعه اليوم من توق للعودة لشرع الله.
وحتى لا أطيل عليكم، فللحديث شجون، فلن أخوض بمسيرة الثورة اليومية وأحداثها الدامية والهامة، وهذا كله أنتم مطلعون عليه، فأنتم عيون الأمة التي لن تبصر إلا بكم ولن تتلمس سبيل النجاة إلا بالمخلصين أمثالكم، فلولا حزب التحرير ولولا شبابه الأبطال في الداخل، لما رأينا بتقديري ثورة شامخة ثابتة قوية تصرخ ليل نهار في وجه جلاديها: (طالعين بالملايين علجنة رايحين، والموت ولا المذلة)، بل نرى تتويج أفكاركم أيها الشباب قد اختصره أهلكم في الداخل بقول واحد هو فصل لا بالهزل حين قالوا: لا للسلطة ولا للجاه.. هي لله هي لله.
الحقيقة التي يجب أن لا نغفلها هنا هي أن النظام السوري لا مثيل له في العالم ولا في التاريخ الحديث، فقد تسرب من الدوائر الأمنية أنه منذ الثورة التونسية المظفرة ارتعدت فرائص النظام فقام بوضع مخطط شيطاني وبدأ من ذلك الوقت بتنفيذه للتصدي لأية تحركات أو تظاهرات ضده. وقام كبيرهم بتعليم السحر لأذنابه وتلمذهم في مدرسة إبليس لمقاومة أية حركة شعبية قد تحدث. ومن ذلك أنه منذ تلك الأيام منع التلفونات النقالة عن كل أفراد الجيش، ومنع عنهم كل الفضائيات والإذاعات إلا الفضائيات السورية الرسمية وشبه الرسمية. مما يدل بشكل قاطع أنه أكثر ما يتخوف منه هو تمرد الجيش عليه. وأعد خطة المؤامرة والمندسين وجند لها أبالسته.
ولكن ماهو الجيش؟
قوام الجيش السوري ليس طائفيا كما يتصور بعض الناس، بل هو يحوي كل أطياف الشعب السوري تقريباً. ففيه أهل السنة كما فيه النصارى والطوائف الأخرى. ولكن القيادات فيه طائفية فهي في معظمها علوية أو لغير العلوية ممن هم أكثر ولاء وإخلاصا للنظام من طائفته نفسها. فنرى مثلا رستم غزالة وهو سني من حوران أنه أكثر سوءا من آصف شوكت وهو النصيري ابن البيت الرئاسي الذي انتسب له وارتبط به. لقد حاول النظام أن يحول بين الجيش وبين أهل المدن الكبيرة بغض النظر عن كونهم في الغالب من أهل السنة، واعتمد بشكل كبير على أهل القرى والمدن الصغيرة التي كانت ترى في نفسها في عهد ما قبل حزب البعث أنها مظلومة، حيث كان الإقطاعيون هم المتحكمين بالبلاد والعباد، فجاء البعث باسم القضاء على البرجوازية وتحرير العامل والفلاح. فأهل المدن نظروا إليه من ناحية دينية بأنه ملحد بينما نظر له أهل القرى بأنه محرر لهم من استبداد الإقطاعيين. لذا كانت سياسته قائمة باستمرار على نظرته هذه المبنية على ولاء الفلاحين والعمال وعداء المدن الكبيرة وأهلها. فقام بتمييع تجمعات أهل المدن الكبيرة مثل دمشق وحلب وذلك بتشجيع الهجرة من الريف للمدينة وبإزالة الأحياء القديمة بحجة التحديث وإقامة أحياء حديثة مكانها وخلط الناس فيها. وبذلك وجد أهل المدن أنفسهم بعد عقدين من الزمن في حالة تشبه أهل فلسطين. فإما أنهم غرباء في مدينتهم أو أنهم خرجوا لريفها كما نرى في حالة دمشق حيث أهل ريف دمشق هم في غالبيتهم من أهل دمشق القديمة.
واعتمد النظام بشكل شبه كامل على أبناء منطقة حوران والساحل السوري والجزيرة في بناء الجيش وقام بتسريح كل من لا ولاء لهم حسب رأيه. فصار الجيش بيد أهل حوران، بل إن “الحوراني” كان مَهـِيبَ الجانب في المدينة. بل إن أبناءهم تبؤوا المراكز الحيوية في مؤسسات الدولة وفي الجامعات والسفارات وغيرها، وكانوا من أكثر المدافعين عن هذا النظام ومن حماته.
وكما يقول المثل العربي “من مأمنه يؤتى الحذر”، فكانت شعلة الثورة من حوران واستعارها في الساحل واندلاعها بزخم من الجزيرة. صحيح أن الشعب لم يعتد التظاهر وأن الثورة بالنسبة له كانت كالتفكير الذي ينقصه المعلومات السابقة كي يكتمل، فكانت الأسابيع الأولى هامة له كي يجمع ما أمكنه من معلومات يقع عليها حسه ساعدته في شد العزيمة والاستمرار بزخم وقوة في ثورته.
إلا أن النظام أيضا ظهر ضعفه وعواره بأنه أخطأ الحسابات كثيرا عندما ظن بأن ضربات موجعة وسريعة للشعب ستنهي كل تمرد وستدفعه للعودة تحت الأرض وتهدأ الأمور. فكانت الضربات كلما ازدادت كلما أيقظت فيه حب الحرية والنزوع للسيادة وكسر القيد والخروج أكثر وأقوى. بل أذهل العالم بصدوره العارية أمام الآلة العسكرية التي هي قاتلته، يخرج ولا يخشى إلا الله. فقويت العقيدة الروحية عند الأمة بذلك واستعرت المعركة بين إسلام الشعب وكفر النظام، فكانت معركة من حيث المعدات غير متكافئة إلا أنها وبالقوة الروحية التي عند المسلمين ظهر بها ثباتهم وإصرارهم.
ومعروف أن النظام الأمني المجرم في سوريا لن يتنحى بسهولة، ولن يكون خروجه من الحكم خروجاً عادياً. لأنه يعتبر أنه يخوض معركة ضد الشعب وأنه أيضا إما قاتل وإما مقتول. هذه الحقيقة أدركها الداني والقاصي، وعرفها الثائرون وقرروا دفع ضريبة سنوات الخنوع والخضوع التي قاربت من النصف قرن. ومع الصمت العالمي والإقليمي المذهل عرف أهل الشام انهم وحدَهم وأنهم لا ملجأ لهم إلا لله.. فاشتدت العزائم وقويت الهمم واصطف الناس في الساحات والشوارع يصلون ويبتهلون لله وهم يودعون بعضهم بأن لقاءنا في الجنة بإذن الله.
المخاطر على الثورة:
إن أهم الأخطار التي تحدق بالثورة في سوريا هم الفئة التي تظن أنها من الأمة ولكنها لا تريد للأمة أن تصل لمبتغاها. أقصد بذلك العلمانيين بشكل عام.
هؤلاء يرفضون التحول إلى الإسلام ويغيظهم الخروج كل جمعة من المساجد، وصمتهم حاليا سببه خوفهم من بقاء النظام، لكنهم هم الذين أرادوا سحب البساط من تحت الإخوان المسلمين حين اجتمع الإخوان في استانبول للتحضير لمؤتمر بروكسل فعقدوا مؤتمر انطاليا. وأصروا -أعني العلمانيين- على علمانية الثورة وعلى أن سوريا ما بعد الثورة هي علمانية. وعلى رأسهم أعضاء ما سمى بإعلان دمشق بالإضافة للأكراد وبعض أعداء الإسلام واذيال أوروبا وأمريكا.
أيها الأخوة :-
إن الأمر الآن لجد خطير، والساحة بعد سقوط هذا النظام سيحتدم الصراع فيها. والناس على وعي كبير على الحكم بالإسلام، ولكن ما يُخشى هو ترهيبهم أو الالتفاف عليهم للحيلولة بينهم وبين الحكم بما أنزل الله. وهذا قد يشترك فيه العلمانيون كما الإخوان. ولم يبق أمل بعد الله إلا بكم أيها الشباب فقد آن الآوان الآن لتسمية الأشياء بأسمائها والتأكيد على أن هذه الثورة ما قامت وهذه الدماء ما سُفكت إلا لله، والله لا يرضى إلا بدولة على منهاج النبوة، وهي دولة الخلافة فقط. هذا يحتاج إلى عمل مكثف وهمم عالية وتضحيات. سيمتحنكم بها سبحانه وتعالى، فالشام إن قامت قامت الدنيا معها. وهي إن قامت فلن تقوم إلا بأيدي متوضئة تخشى الله وتتبع سبل رسوله الكريم في الحكم بما أنزل الله.
الخلاصة:
أثبتت الأحداث الأخيرة في البلاد العربية أنه لا يمكن أن يحصل أي تغيير حقيقي في أي بلد من بلاد المسلمين بدون الجيش، وبدون التأثير الحقيقي لأهل القوة فيها، وهذا يؤكد ما تبنـّاه حزب التحرير واستنبطه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث سعى صلى الله عليه وسلم إلى طلب النصرة من أهل القوة والمَنعة في الكيانات السياسية التي كانت قائمة في الجزيرة العربية، واستمر صلى الله عليه وسلم في طلب النصرة من مظانـّها من أهل القوة رغم المشقة التي واجهته في سبيلها، حتى استطاع صلى الله عليه وسلم أن يقيم دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة. وهذا الذي يتبناه حزب التحرير ويصرّ عليه طاعة ً لله تعالى، والتزاماً بسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هنا أتوجّه للجيش في سوريا ضباطِه وأفرادِه أن يعقدوا العزم على نصرة حزب التحرير، والتخلص من النظام الجائر في سوريا، وأنه بهم وحدهم يوضع حد للمجازر التي يرتكبها النظام السوري ضد أبناء الأمة في الشام.
[ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ]
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو هاني
أمستردام